نوفمبر 5, 2024

كثيرون سمعوا أو قرأوا المقولة أو المثل المعروف (حشر مع الناس عيد)، وكثيرون أيضا يعرفون ما هو معناه، لكن هناك من يردد هذا المثل أو المقولة وهو لا يعرف معناها، وينطبق على هذا النوع من الناس المثل أو البيت الشعري المعروف (إن كنت تدري فتلك مصيبة… وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم)، بمعنى لو أننا لا نعرف معنى هذا المثل فإن هذا الجهل بمثابة المصيبة التي تحيط بنا، ولو أننا نفهم معنى المثل فالمصيبة ستكون أعظم.

هناك في واقعنا أناس لا يعرفون الخطأ لأسباب كثيرة، ولكن هؤلاء ليسوا معذورين على عدم المعرفة هذه، لأن الجهل بحد ذاته مصيبة كبرى، ومن نتائجه الكارثية أن الإنسان غالبا ما يتعرض لمصائب كبيرة بسبب جهله بالأمور، أو بما يحيط به في حياته ومجرياتها، ومع ذلك هناك من يعذره لأنه يجهل الأشياء والأخطاء ونتائجها.

لكن هو في الحقيقة غير معذور، لأن السبب يعود لجهله وهذا الجهل ما كان له أن يهيمن على الناس لو أنهم سعوا نحو المعرفة، وهذه المعرفة ليس شرطا تكون معرفة علمية، فهناك معارف يمكن أن يصل إليها ويحصل عليها حتى الإنسان الأمّي، أي حتى الذي لا يقرأ ولا يعرف كتابة اسمه يمكنه المعرفة والتعلم من تجارب الآخرين، ومما يسمعه من هذا أو ذاك من حكايات وقصص ودروس.

هنا نتساءل ماذا نقول عن أولئك الذين يعرفون الخطأ الجلل، ويفهمون جيدا ما هي النتائج الخطيرة التي ستترتب عليه، سواء نتائج تمسه شخصيا أو تمس أناسا يهمونه كعائلته مثلا، لكنه مع كل هذه المعرفة والفهم للأخطاء ونتائجها الخطيرة، يصرّ على ارتكابها مع سبق الإصرار، لماذا يمضي في هذا الطريق مع معرفته وعلمه بأنه خطير ومنحرف وخاطئ؟، الجواب:

لأن آخرين كثيرين ساروا في هذا الطريق، وهنا فهؤلاء جميعا يتبعون بعضهم بعضا ويقلدون بعضهم بعضا، حتى في القضايا الخاطئة وفي ارتكاب الأخطاء المرفوضة اجتماعيا وأخلاقيا وقانونيا، كجريمة الاختلاس المنتشرة اليوم في دوائر الدولة أو سواها، وهؤلاء تنطبق عليهم مقولة أو مثل (حشر مع الناس عيد)، فطالما أن الغالبية يختلسون، فلماذا لا يدخل في هذه العملية لكي يحصل على الأموال والامتيازات؟

نعم هو يعرف جيدا أن هذا الطريق منحرف ولا شرعي ولا قانوني ولا أخلاقي، وأن نتائجه كارثية، لكنه يعتمد مقولة (حشر مع الناس عيد)، فيفعل ويعمل ما يقوم به الآخرون وهم غالبية أو أكثرية، وهنا يتعطل عقل الإنسان تماما، وضميره يأخذ إجازة قسرية، أي أن ضمير الإنسان الذي ينحرف ويخطئ لا يمكنه الحضور شاء أم أبى لأنه يعرقل الاختلاس، ويعرقل الخطأ، ويمنع الإنسان من خيانة الأمانة، ومن تدنيس شرفه المعنوي وسمعته. (حشر مع الناس عيد) من أسوأ الأمثلة الشعبية أو التي تمخضت عن تجارب الماضين، لأن هذا المثل يشجع الناس على الانخراط في السبل والطرق والمسالك المنحرفة والخاطئة، لهذا فإن الصحيح أن يحكّم الإنسان عقله ويرجع إلى ضميره ومبادئه ويسأل نفسه هل، (أحشر نفس مع الناس على الخطأ والانحراف)، أم أحدد لنفسي وشخصي واسمي سلوكا آخر مختلفا، سلوكا يحافظ على شرفي وسمعتي ويحميني من الوقوع في مخاطر التشابه مع الأكثرية في الانحراف والخطأ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *