اسم الكاتب : أحمد عصيد
كنا نربأ بوزيرة الأسرة أن تزجّ بنفسها في نقاش لا يشرف وزيرة في حكومة ما بعد الحراك الشعبي الديمقراطي، وهي الوزيرة الوحيدة في الحكومة، أي أن مكانتها هي من الهشاشة بحيث ينبغي الحرص على حسن الأداء و الكفاءة في العمل والتواصل والخطاب، لأننا من المتحمسين لمشاركة المرأة للرجل في كل المجالات، ومن المدافعين عن المناصفة والمساواة في الحقوق والواجبات، في إطار المواطنة التي لا تميز بين أبناء الوطن لا بالجنس ولا باللون ولا بالعقيدة ولا بالعرق أو النسب.
مثل جميع الذين ابتلوا بداء استغلال الدين في الصراعات السياسية والحسابات الدنيوية، تلجأ وزيرة الأسرة إلى الغمز واللمز والتحريض والتشهير باستعمال الدين، وهي عادة قبيحة رسّخها الأجداد، وكانت سبب انحدارهم في مدارج الحضارة إلى الدرك الأسفل، حتى سخرت منهم الأقوام الأخرى ومازالت.
وظلت هذه العادة السيئة من العوائق الكبرى التي تعرقل تطور الحياة السياسية والثقافية في الاتجاه الديمقراطي السليم في بعض البلدان الإسلامية حتى اليوم، وعوض أن يفهم الجميع الدّرس بعد الانتفاضات الشعبية وارتفاع سقف المطالب الديمقراطية، عادت أحلام الماضي لتراود الذين ما زالوا يرون أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان.
في هذا الإطار نرى أنه لا بدّ من التأكيد على بعض المبادئ التي لا يمكن لمن يريد حقا أن يساهم في إنجاح انتقال بلده إلى الديمقراطية من أن يأخذها بعين الاعتبار:
ـ أن “التديّن” لا محل له من الإعراب في تدبير شؤون الدولة والمجتمع، إذ هو حالة فردية وليس حالة المؤسسات، التي عليها التزام الحياد فيما يخص الروحانيات والعقائد لكي تتمكن من المساواة بين المواطنين، وهذا يعني أن الدولة تتواجد فوق المجموعات الدينية التي تتواجد في إطارها، ولا تتحدّد حسب أي منها. وإذا كان هناك من يثير هذا المشكل خلال النقاش العمومي فبسبب اعتقاد البعض بإمكان العودة إلى تدبير شؤون الدولة والمجتمع من خلال معتقد الأغلبية، هذه الأغلبية التي ليست في الواقع في حدّ ذاتها متجانسة.
ـ أن الديمقراطية هي التدبير السلمي للاختلاف، وهذا معناه أنه لا ديمقراطية بدون اختلاف وتعددية سياسية وثقافية ودينية، وهي حقيقة جميع المجتمعات البشرية بدون استثناء، إذ لا توجد المجموعة الدينية المتجانسة بإطلاق إلا في خيال المتشدّدين في الدين.
ـ أن “غير المتدين” مواطن كغيره من المواطنين ، لكنه لا يخضع لوصاية “المتديّن” أو لرغباته وأذواقه وتعاليمه،وهما متساويان في الدولة الديمقراطية التي لا يشغلها هذا المشكل على الإطلاق، ويوجد أساس لهذا المبدإ في الدولة المغربية الحديثة حيث تسلم الدولة بطائق وطنية للمواطنين تشير إلى “الجنسية المغربية” لا إلى غيرها من المحدّدات الدينية أو العرقية أو غيرها.
ـ أن “المتدين” ـ مثل “غير المتدين” تماما ـ لا يمثل المجتمع بل يمثل نفسه، وعلى الدولة، التي تمثل المجموع، حمايتهما معا.
ـ أن تدبير شؤون المجتمع لا يكون من خلال مزاج “المتدين” أو “غير المتدين” بل من خلال قوانين محايدة لا تمس بتدين الأول ولا بحرية الثاني.
ـ ان لكل من الطرفين حق التعبير عن الرأي والتوجه الفكري ونشرهما بكل حرية، شرط أن لا تتجاوز تلك الحرية حدود حرية الغير وكرامته، وهو ما يعني أن على غير المتديّن تجنب الإساءة إلى المعتقدات وتحقيرها، كما على المتدين تجنب السعي إلى الحدّ من حرية غير المتدين والحجر عليه وجعله تحت الوصاية.
ـ أن استقرار المجتمع رهين باحترام جميع الأطراف لبعضها البعض وقبولها للاختلاف كمبدإ أساسي للعيش المشترك.
نقول هذا إذا كان هدفنا الديمقراطية، إما إذا كان هناك من يسعى إلى غير ذلك فليس عليه إلا أن يفصح عن مبتغاه.