اسم الكاتب : رياض سعد
من الظواهر السلبية والتي انتشرت في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم ؛ ظاهرة بذاءة اللسان وسخافة البيان ؛ فقد عمت رائحتها كل الازقة والاحياء والاماكن والتجمعات ؛ وتلبس بها الصغار والكبار والذكور والاناث على حد سواء ؛ ومن سَلِمَ من الوقوع فيها لم يَسْلمْ مِن سَماعِ مصاديقها هنا وهناك … ؛ ونقل لي احدهم : انه سافر مع اصدقاءه البغداديين , عندما كان شابا الى احدى الدول الاوربية للسياحة والاستجمام في عقد السبعينات من القرن المنصرم , وجلسوا في احدى الحدائق العامة التي تتواجد فيها العوائل , وكالعادة علت اصواتنا وقهقهتنا وصراخنا ؛ وتراشقنا بالألفاظ الفاحشة والنابية – ( اخ … ؛ ابو … ؛ هي … الخ ) – ؛ واذا برجل جالس مع عائلته ؛ ينهض ويوجه لنا كلامه وباللهجة العراقية : (( الله وكبر حتى و احن هنا لحكتون ب ال …. )) فرحل الرجل وعائلته من الحديقة فورا .
وتعد هذه الظاهرة السلبية من اقدم الظواهر السلوكية التي مر بها الانسان بصورة عامة , وبعض الجماعات والمجتمعات العراقية بصورة خاصة , وقد اقترنت الالفاظ النابية والكلمات البذيئة وتداول سفاسف الامور والسخافات بالسوقة والهمج الرعاع والجهلة وعامة الناس سابقا ؛ اذ ترفع علية القوم والنبلاء عن هذه السلوكيات والتصرفات فيما مضى … ؛ وعندما تطورت المجتمعات البشرية وسادت الاجواء الثقافية اغلب دول العالم وعم الإتكيت والذوق العام بين فئات كبيرة من بني البشر ؛ انتقل اغلب عامة الناس من قاع المجتمع , وتخلقوا بأخلاق النبلاء سابقا وتشبهوا بكبار القوم وشخصيات المجتمع ونخب الاوطان , واصبحت الكلمات البذيئة والالفاظ النابية والسخافات والسلوكيات الهابطة ؛ مرفوضة اجتماعيا , و تمُجّها الأذواق السليمة، وتنفر منها الطباع السليمة، وترفضها الشخصيات السوية، ويشمئز من سماعها الإنسانُ المحترم ، ويستحيي من النطق بها الشخص المسؤول … ؛ الا انها عادت وتسللت الى حياة وثقافة عامة الناس مرة اخرى ؛ بسبب سياسات الحكومات الغاشمة والظروف السياسية والاقتصادية والصحية الصعبة , وانتشار الفقر والبطالة والجهل والامية والتخلف , وتداعيات الحروب والحصار والازمات والنكبات المستمرة , والاحوال الامنية المتقلبة والتي هددت السلم الاهلي والامن المجتمعي …؛ ولعل السبب الابرز في شيوع هذه الظاهرة بعد التأثير السلبي للعهد البعثي التكريتي الصدامي الاسود على المنظومة الاخلاقية ؛ مجيء الامريكان واحتلالهم الغاشم للعراق وتطبيقهم لنظرية الفوضى الخلاقة المدمرة ؛ بالإضافة الى سوء تكيف البعض مع الاجواء المدنية والديمقراطية الجديدة ؛ و انتشرت هذه الظاهرة بين الناس انتشارا سريعا ، فلا تكاد تمر عليك لحظة من اللحظات وأنت تسير في شارع أو سوق أو في أي مكان إلا وتسمع وابلا من الكلام الساقط الفاحش البذيء ؛ او تشاهد السخافات والسلوكيات الهابطة والتصرفات المنحطة لاسيما في المناطق الفقيرة والمزدحمة .
وقد وصل الامر بالبعض الى الاعتياد او الادمان على هذه الكلمات النابية والسخافات السوقية من باب المزاح وما شاكل ذلك ؛ وصار البعض لا يستحي أن يجهر بها بين الناس ويسلك هذه السلوكيات الهابطة امام الجميع ؛ لأن لسانه قد تعوّدَها، وطبعَه قد أشرِبَها ، فهو يتشدّق بها طول نهاره، ويفتخر بها بين أقرانه … ؛ حيث الكلام القبيح والمنطق الخبيث , فالبعض كلامه عبارة عن وَصْف للعورات، وتتبع للزلات، وقذف وسبّ واستهزاء… لا يخجل من نفسه او من ابنه الذي يسمعه، ولا يستحيي من رجل ولا امرأة، ولا يعرف وقارا لصغير ولا كبير... الخ ؛ ومن الناس من عوّد لسانه السبّ والشتم، واعتاد النطقَ بلعن الأشخاص والأماكن والاشياء ، حتى أصبح النطقُ باللعنة أسهلَ الألفاظ عليه، يسبّ وطنه واهله و ذويه ، ويلعن دينه ومقدساته ، ويسب قريبه وجاره، صديقه وعدوّه على حد سواء … ؛ فالسبّ شِعارُه، والشتمُ دِثارُه، لا يمنعه من ذلك عقل ولا مُروءة ولا ذوق ولا خلق ولا دين ولا انسانية .
ومن الناس مَن إذا كانت بينه وبين شخص اخر منازعة أو مشادّة، يُطلِق لسانه عليه بالسبّ والشتم والتعيير والتنقيص، ويَقذفه ويَرميه بما ليس فيه من المعايب والقبائح... ؛ ومن الناس مَن جرّدَ لسانَه مِقراضًا للأعراض، وهاتِكا للأستار، بكلمات تنضحُ بالسوء والفحشاء، اذ تجده سليط اللسان، مسرف في العدوان على الاخرين بالسخرية والاستهزاء، والتنقص والازدراء، وتعداد المعايب، والكشف عن المثالب، وتلفيق التهم والأكاذيب، وإشاعة الأباطيل، لا يَحْجُزُه عن ذلك دينٌ ولا مروءة ولا حياء ولا شرف … .
واستغل الاعداء والمفسدون والمخربون والمنحرفون مواقع الشبكة العنكبوتية والاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ؛ لنشر الالفاظ الفاحشة والكلمات القبيحة والعبارات الجنسية والهابطة بين المراهقين والشباب ؛ بواسطة تلك المواقع والوسائل الاعلامية المؤثرة , والتي يتبعها معظم الشباب ويقلدها اغلب المراهقين ؛ فهي التي تصنع شخصياتهم وتحدد توجهاتهم وتتحكم بأخلاقياتهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم … الخ .
ولبذاءة اللسان اسباب عدة ؛ ومنها : سوء تربية الوالدين للأطفال , فالأطفال انعكاس لآبائهم وأمهاتهم , او النشأة في بيئة تعاني من الانحطاط الاخلاقي والتفاهة والسخافة ؛ واغلب الذين يعمدون عادة لإهانة غيرهم بالشتم او اطلاق الالفاظ الفاحشة والبذيئة … ؛ لأنهم يشعرون بالإحباط ولا يعرفون كيفية إدارة الموقف بطريقة أخرى غير تقليل احترامهم لمن حولهم … ؛ و البعض يستخدم اسوء الإهانات وافحش العبارات كوسيلة لتبديد مخاوفه ؛ فمن خلال تقليل احترامه لغيره ؛ يشعر بالأمان … ، والبعض الاخر بسبب العادة والمخالطة السيئة ؛ تعود لسانه على البذاءة , الا ان البعض يعتبره وسيلة من وسائل المزاح والترويح عن النفس ؛ وكسرا للروتين والرتابة ؛ والاغرب من ذلك كله اعتياد الاعلاميين وبعض الشخصيات المشهورة على هذه الظاهرة السلبية واستخدامها كسلاح ضد خصومهم من أجل اهانتهم او تسقيطهم بنظر الجماهير او ابتزازهم …!!