نوفمبر 22, 2024
436733358_855530316398676_5003517712650465340_n

اسم الكاتب : رياض سعد

بعض الناس يرفع شعارات لا تنسجم مع واقعه , ويتفوه بعبارات لا يفقه معناها , ويتحدث عن قضايا أكبر من حجمه و وعيه ؛ و يظن انه يحسن صنعا ؛ ومن مصاديق هؤلاء , الناس الذين صدعوا رؤوسنا بضرورة افراغ الشارع العراقي من ( التكتك والستوته والدراجة … الخ )  في الوقت الحالي ؛ بحجة ان العراق بلد غني , وبالتالي ينبغي ان يركب العراقيون كلهم وعن بكرة ابيهم  سيارات مرسيدس المانية  او تويوتا يابانية ؛ او لا أقل سيارات حديثة  … الخ .

واحيانا يكون الهدف من هذه الدعوات افقار العراقي , والامعان في رفع معدلات مشاكله الاقتصادية , وليس رفع مستواه المعاشي كما يدعون ؛ تماما كما تفعل الانظمة السياسية الفاشلة والتي ترفع الشعارات الدينية او القومية والعابرة للحدود والقارات , لإلهاء الجماهير واهمال الشؤون الداخلية للبلد ؛ بحجة مقارعة العدو البعيد , فلا تستغرب من نظام سياسي يهمل شؤون بلده الواقع في قارة اسيا مثلا , بذريعة الاهتمام بقضية دينية او انسانية او سياسية في امريكا اللاتينية او قارة افريقيا .

و دعوات هؤلاء للتلاعب بالعقول والضحك على الذقون او لإثارة الرأي العام ضد هذه الحكومة او تلك , وكلنا يتذكر الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات الجماهيرية في العراق , والتي تم اختراقها من قبل الاعداء , وكانت نتائج مطالبة الشعب بالإصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد ؛ المجيء بالفاشل الكاظمي وزمرته  من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي و رجال الاعلام الذين لا يفقهون شيئا في شؤون الاقتصاد ومحاربة الفساد , وأول اجراء قام به الكاظمي ارضاءا لمن جاء به , وسانده ؛ قطع رواتب  المعتقلين والسجناء السياسيين  من ابناء الاغلبية العراقية وايقاف كافة مستحقاتهم القانونية والتي اقرتها قوانين المرحلة الانتقالية , كما هو المعمول به في اغلب دول العالم , مع الابقاء على رواتب البعثية وازلام الاجهزة القمعية والبالغ عددهم 550 الف متقاعد , على حالها من دون المساس بها ؛ ففرح البعض واعتقد ان هذا الاجراء الحكومي  يعد من الانجازات الاقتصادية الا ان الحقيقة تشير الى خلاف ذلك ؛ فقد اراد الكاظمي و زمرته بهذا القرار الجائر والفاشل , زيادة نسبة الفقر داخل دائرة الاغلبية العراقية بحجة محاربة الفساد والاصلاح ؛ فقد اضاف الى جيوش العاطلين عن العمل والمحرومين من رواتب التقاعد والرعاية شريحة جديدة ؛ بينما كان الاولى به توسيع رقعة المستفيدين من ميزانيات الحكومة وثروات العراق ؛ ولو كان صادقا فيما يدعي لألغى رواتب زبانية النظام البائد , وحاسب حيتان الفساد , وقلل من امتيازات و رواتب المسؤولين والساسة والموظفين الطائلة , وغير سلم الرواتب بما ينسجم مع العدالة الاجتماعية و تقليل الفوارق الطبقية ؛ و قد كلل جهوده الاقتصادية الجبارة وخطواته الاصلاحية الكبيرة بقانون الامن الغذائي سيء الصيت – اذ اختفى بحدود ال 30 مليار دولار بحجة الامن الغذائي – ؛ وسرقة القرن  وغيرهما من الكوارث الاقتصادية , وصدق من قال انه باع العراق ( تفصيخ ) , وحبل  فضائح حكومته على الجرار ؛ فكل يوم نكتشف جريمة جديدة  …!!

كذلك هؤلاء الذين يطالبون الحكومة بمطاردة اصحاب (  التكتك والستوته والدراجة … الخ ) ومصادرة الياتهم والتضييق عليهم ؛ بحجة ان هذه الوسائل لا تليق بالعراق والعراقي ؛ او بذريعة مخالفة بعض السواق للقوانين وقواعد السير والمرور العامة … ؛ فهذه الدعوة اشبه بكلمة الحق التي يراد بها باطل , هذا اذا احسن الظن بهم  ؛ والا فهي كلمة باطل ويراد بها باطل ايضا  .

والذي يستمع لهؤلاء ؛ يظن ان العراق كان متطورا ومزدهرا وغنيا , وان العراقي كان ملكا ومرفها وعزيزا وامرا ناهيا يعمل بخدمته الاجانب والغرباء , ويركب افخم السيارات الامريكية والالمانية , ويسكن القصور ,  ويأكل ما لذ وطاب من الاطعمة والاغذية المحلية والمستوردة , ويلبس افضل الماركات العالمية , ويتزين بالذهب والفضة , ويسافر للسياحة والاستجمام في كل شهر مرة …!!

يريد منا هؤلاء المبالغون او الافاكون او المغفلون  ؛ القفز على حقائق التاريخ المعاصر , وغض الطرف عن حقائق الواقع العراقي المؤلمة , والتصديق بهذه الدعوات الطوباوية والشعارات الكاذبة , فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 والى سقوط الصنم عام 2003 ؛  لم ير العراق والعراقيون خيرا قط ؛ فخيرات العراق تذهب الى الدول الاستعمارية والاقليمية والعربية ؛ او تنفق على الحروب والسجون والمعتقلات والمقابر والاعدامات الجماعية  وادوات التعذيب وقمع الثورات والانتفاضات الشعبية , او تذهب الى جيوب الساسة والحكام والمرتزقة من زبانية الاجهزة القمعية واصحاب الاقلام المأجورة من العراقيين الفاسدين وغيرهم من شذاذ الدول الخارجية .

طوال 83 عاما من الحكم الطائفي والعنصري البغيض ؛ ومحافظات الجنوب والوسط محرومة من الكهرباء والماء الصالح للشرب والبنى التحتية والحياة الكريمة , فقد كانت السيارة بسعر البيت بل أغلى منه احيانا , واغلب العراقيين كانوا تحت خط الفقر : بلا سكن ولا وظيفة ولا راتب تقاعدي يكفي لسد الاحتياجات , ولا امان  ولا استقرار , فقد خلفت تلك الانظمة القمعية الدموية وراءها جيوش جرارة من المرضى والفقراء والعاطلين عن العمل والبائسين والمشردين والمعاقين والمصابين بمختلف الامراض النفسية والعقلية والايتام والارامل والسجناء والمعتقلين والجهلة والمتخلفين  … الخ .

تصور عزيزي القارئ ان شوارع العراق والى عام 2003 كانت تسير فيه سيارات رديئة وقديمة ( سكراب ) تعود لحقبة العهد الملكي , وان محافظة النجف الاشرف لا توجد فيها غير 5000 الاف سيارة فقط , واغلبهن موديلات قديمة ومتهالكة (دك النجف ) ؛ واما سيارات المرسيدس القليلة فهذه من حصة صدام و زبانيته فقط , و كان العراق العظيم  من شماله الى جنوبه  لا  يوجد فيه  اكثر من 141 الف سيارة فقط عام 2003 ؛ ولا زلت اذكر ان اغلب السيارات كانت عندما تسير في الشارع تخلف وراءها سحب من الدخان الاسود الكثيف , وكان رؤية السيارات العاطلة في الشوارع أمرا مألوفا لدى العراقيين , واما باصات النقل العام , قليلة ورديئة وغير مريحة , ويقف الناس فيها كأنهم اسرى حرب من شدة الازدحام , وعلى الرغم من قلة السيارات فرض النظام الجائر قانون الزوجي والفردي للسيارات ؛ وذلك لعدم انسيابية سير السيارات في الشوارع وما ينتج عنه من ازدحامات خانقة ؛ بسبب انهيار البنى التحتية وانعدام النظام وقلة الشوارع المعبدة بصورة صحيحة وكثرة الشوارع المتضررة  , وكانت عربات الخيول والحمير تجوب شوارع بغداد والمحافظات كافة ؛ وهذا الذي ذكرته  لك عزيزي القارئ  يعتبر غيضا من فيض  ؛ وبعد عقود الجوع والحرمان والبؤس والتخلف والامية والجهل في العهد الملكي , وبعد ايام العنف ومسلسل الدم والانقلابات العسكرية والحروب والويلات في العهد الجمهوري ؛ وبعد السنوات العجاف واعوام الحديد والنار والارض المحرقة واجرام صدام وارهاب البعث ؛ يخرج لنا احدهم ويدعي ان العراق كان غنيا وان العراقي لا يليق به ان يركب ( التكتك) الهندية  او سيارة ( السايبا ) الايرانية …؟!

نعم كلنا نطمح ان يكون العراق اعظم دولة , وان يعيش العراقيون في بحبوحة ورفاهية ؛ وان لا نستورد من الخارج  الا الصناعات الجيدة والمعروفة بجودتها وعمليتها وملائمتها للأجواء العراقية ؛  الا ان الواقع شيء والاماني شيء اخر مختلف تماما ؛ وصدق شاعرنا المتنبي عندما قال :

ما كلُّ ما يتمنى المرء يدركهُ تجري ***  الرياح بما لا تشتهي السُّفنُ.

فالأوضاع الاقتصادية الحالية في العراق ؛ تحتم علينا تنويع مصادر الدخل وكذلك تعدد وسائل المواصلات – ( بدءا من الطيران العام والطائرات الخاصة وطائرات الاجرة الخاصة , مرورا بوسائل النقل البحري والنهري المختلفة , وصولا للقطارات والمترو  والشاحنات والباصات والسيارات , وانتهاءا بالدراجات والتكتك والستوتة وعربة الدفع ( العربانه )  … الخ ) – ؛ فلسنا أعظم شأنا من الهند النووية ؛ اذ يوجد فيها كافة وسائل النقل بما في ذلك الدراجات الهوائية ذات العربة الصغيرة والتي تستخدم للأجرة والنقل ايضا , بل حتى ظهور الفيلة تؤجر للسياح والمواطنين  في بعض المناطق السياحية ؛ وكذلك ايران فقد رأيت عمال النظافة والبلدية يستقلون ( الستوتة ) ويعملون من خلالها , والبعض منهم يتنقل في المناطق الجبلية بواسطة البغال والحمير , والدراجات النارية هنالك تستخدم للأجرة  وعربات الخيول للسياحة , وكذلك مصر تستخدم كل هذه الوسائل بل تستخدم الجمال لنقل السياح قرب الاهرامات , وتستعمل عربات الخيول والحمير لنقل القمامة وفي العاصمة  … الخ .

فالمسألة ليست عبارة عن شعارات ودعوات وتمنيات ؛ اذ ترتبط وسائل المواصلات بالواقع ومتطلبات السوق  وظروف العمل ؛ فلو هبطت سفن فضائية في شمال العراق ؛ لما تخلى الكردي عن وسيلته المفضلة في التنقل عبر الجبال ؛ الا وهي البغال , وكذلك (التكتك والستوتة وغيرهما من الوسائل البسيطة ) , فقد سدت فراغا في الشارع العراقي , فمن باب اختفت وسائل النقل العام كالباصات من الشوارع فضلا عن عدم وجود  مترو , وارتفعت اسعار اجور سيارات الاجرة – التكسيات – , وبسبب تخريب البنى التحتية والتجاوزات التي ادت الى ضيق الازقة والشوارع في بعض المناطق والاوحال والمياه الاسنة المنتشرة هنا وهناك , لا يقبل اصحاب ( التكسيات ) بالذهاب اليها , بينما يقبل اصحاب ( التكتك والستوتة ) بذلك ؛ وبأجور منخفضة مقارنة بأجور اصحاب سيارات الاجرة , ولان ( التكتك) اقتصادية في التصليح والادوات الاحتياطية وصرف البنزين ؛ نجحت ,  وازداد الطلب عليها من قبل الشباب العاطلين عن العمل , وبعض الشباب يجني من العمل بها يوميا 50 دينار احيانا  بينما لا يجني البعض الاخر اكثر من 10 الاف دينار , وهكذا … الخ .

فبدلا من هذه الدعوات الطوباوية والشعارات الهلامية والتي من الصعب تحققها في الوقت الراهن وفي ظل هذه الظروف العصيبة والتحديات الخطيرة ؛ طالبوا بالمطالبات الواقعية والممكنة  ؛ كتطوير البنى التحتية لاسيما الشوارع والارصفة والانفاق والجسور والمحطات و ( الكراجات ) … الخ ؛ وفرض النظام المروري الصارم والعملي , وتشريع القوانين التي تصب في صالح الوطن والمواطن  , مع نصب اعمدة الاشارات المرورية والكاميرات الحرارية واعمدة الإنارة واشارات السير العامة وتحديد اماكن العبور والسير والوقوف … الخ ؛ وتوزيع دوريات  رجال المرور والامن والقانون في كل مكان , وتخفيض اسعار بيع ( التكتك) من خلال اعفاءها من الضرائب ورسوم ( الكمرك) او انشاء مصنع لها في العراق , او الزام التاجر والمستورد بوضع نسبة معقولة من الربح عليها ؛ اذ ليس من العدل والانصاف ان يربح التاجر على ( التكتك ) الواحدة اكثر من 3000 دولار , فقد بيعت بعضها بمبلغ 7 مليون دينار عراقي …!! , وتسهيل معاملة التسجيل واعطاء الرقم المروي ؛ والا باي حق يؤخذ من الشاب اكثر من 800 الف دينار عراقي ؛ نعم تم تخفيض المبلغ فيما بعد الى 500 الف دينار  ؛ في حين ان سعر ( التكتك ) المستعمل قد يصل في بعض الاحيان الى مليون دينار فقط , والعجيب في الامر ؛ ان التاجر استوردها بعلم الحكومة , واخذت الدولة كافة الرسوم عليها , وباعها للشباب المساكين والمظلومين والمغبونين بأوراق رسمية واموال كثيرة  وارباح مجحفة , ومع ذلك تبدأ رحلة العذاب الاولى للشباب والكسبة  في مراجعة دوائر الدولة ؛ من اجل تسجيلها والحصول على رقم ؛ اذ  يعاني الشاب المراجع الامرين ؛ ويصاب بالصداع والدوار ؛ بسبب تعدد مصادر القرار واختلافها , وكثرة الاجتهادات  وتضاربها , فضلا عن الروتين والفساد المستشري في دوائر المرور وغيرها , و بعد اللتيا والتي ؛ يحصل الشاب ( المكرود) البائس على الرقم ؛ الا ان معاناته لا تنتهي عند هذا الحد , اذ تطارده الدوريات في كل مكان , بل ان بعض الاماكن محرمة عليه وممنوع دخولها من قبله , وطالما صادرت الجهات الرسمية مئات بل الاف ( التكاتك) باجتهادات شخصية و وفقا لأمزجة المسؤولين ؛ والمصيبة انها تباع مرة اخرى للمواطن البائس في المزادات الحكومية , وتناهى الى سمعي ان دراجات الشباب العراقيين المصادرة من قبل اجهزة الدولة , تباع الى نفس التاجر المستورد تحت ذريعة المزاد العام ؛ والذي يرجع يبيعه بدوره للشاب العراقي المحارب من قبل  دوائر حكومته  , مرة اخرى …!! ؛ وكأن الامر اشبه  بتدوير المشاكل والبلاءات والعذاب والازمات ,  فهو استنزاف لمقدرات وجهود الشباب المساكين … الخ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *