اسم الكاتب : عماد الزهيري
من المصطلحات التي وردت في كتاب القران الكريم : ( الاذن الواعية ) وقد ذكر هذا المصطلح مرة واحدة في سورة الحاقة : (( … وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ…)) , والمقصود بالإذن الواعية ؛ السامعة والحافظة والواعية والتي تعقل ما تسمع , ومما جاء في الاثر الشريف , ان رسول الله (ص) قرأ : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) ثم التفت إلى الامام عليّ (ع) ، فقال : ” سأَلْتُ الله أنْ يَجْعَلَها أُذُنَكَ”، فقال الامام عليّ (ع) : فما سمعت شيئا من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فنسيته … ؛ وقال الصحابي بريدة سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لعليّ: ” يا عَليُّ؛ إنَّ اللهَ أمَرَنِي أنْ أُدْنِيَكَ وَلا أُقْصِيَكَ، وأنْ أُعَلِّمَكَ وأنْ تَعي، وحَقٌّ على اللهِ أنْ تَعِي”، قال: فنـزلت ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ).
قد يستغرب بعض القراء والاصدقاء , من تطرقي لمثل هكذا مواضيع اسلامية وعقائدية وبعيدة كل البعد عن تخصصي العسكري , ودراساتي المتعلقة بفنون الحروب والاستراتيجيات الخاصة بالدولة والامن القومي … الخ ؛ نعم السبب الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع واستهلال المقالة بهذه الآية الكريمة , ما تعرض له بلدي العزيز من غزو ثقافي وحرب ناعمة تستهدف امن واستقرار المجتمع ؛ والذي يعتبر من اهم اوليات رجال الدولة والامن القومي والوطني ؛ فالقلم قد يفتك بالمجتمع وابناءه كما الاسلحة بل واكثر احيانا وللإعلام دورا سلبيا لا يقل عن الهجمات العسكرية , اذ ان خسائر الحروب واستخدام الاسلحة ممكن ان تعالج , واما سموم الاعلام فقد تطيح بالوطن والمواطن وعلى المدى الطويل بحيث تتفاقم المشاكل والازمات يوما بعد يوم , ويصعب علاجها وتلافيها عند استفحالها .
وعليه لابد من مواجهة جيوش الحرب الناعمة والذباب الالكتروني والمواقع والفضائيات و وسائل الاعلام التي تعمل جاهدة اناء الليل واطراف النهار , لنشر الرذائل والظواهر السلبية والسلوكيات الهابطة في مجتمعنا المحافظ , وتهديم المنظومة القيمية والاخلاقية , وتغييب الهوية الوطنية الاصيلة , واستهداف الشباب وهم طاقة الوطن ومستقبل البلاد من خلال مواقع وبرامج الاغراء والابتذال والشهوات والاستخناث والشذوذ والانحراف … الخ ؛ ولمواجهة الامور انفة الذكر , والتصدي لها واحباطها وافشال مخططات الدول المعادية في اضعاف الجبهة الداخلية الوطنية ؛ ينبغي علينا اتباع الخطوات التالية :
- مراقبة ورصد كل وسائل الاعلام في البلاد , وحظر المواقع التي تستهدف العراق والعراقيين , مع وضع معايير وطنية واعلامية ايجابية وتصب في صالح العراق والعراقيين وحث جميع العاملين في الاعلام والثقافة باتباعها .
- التحكم بساعات البث الفضائي وكذلك شبكة الانترنت , واتاحة مجال حر للشباب والمواطنين بممارسة الانشطة الحياتية المختلفة الاخرى ؛ كالقراءة والدراسة والزراعة والرياضة وباقي الفعاليات الايجابية , فالاستغراق في عالم السوشيال ميديا والانترنت قد يؤدي الى نتائج سلبية على الصعيد الشخصي والعام ؛ وكل شيء زاد عن حده انقلب الى ضده كما يقولون .
- انشاء المكتبات العامة الكثيرة والمختبرات العلمية في المدارس والجامعات والمؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية وفي كل مدن وقرى ومحافظات البلاد , ورفدها بأفضل العناوين وبمختلف التخصصات والمجالات المعرفية والثقافية والعلمية , واخر الاصدارات العالمية بما يسهم في تنمية الطاقات البشرية والشبابية وتطور وازدهار البلاد .
- عمل ورش تدريب تنموية متنقلة للشباب والموظفين والمواطنين ؛ تعمل على نشر الوعي بين المواطنين من خلال تمكينهم من القراءة الواعية واتقانهم لمهارة النقد , والتمييز بين الضار والنافع والسيء والجيد والقبيح والجميل والصالح والطالح والشر والخير , كي يتمكنوا فيما بعد من احباط مخططات الاعداء ومجانبة مواقع الشر والانحراف ومحاربة برامج الرذيلة والجريمة ؛ فالأذن الواعية تستطيع بسهولة معرفة الحق والصدق وكذلك كشف الباطل والتدليس والتضليل ؛ لان صاحبها يسمع اولا ثم يقلب وجوه النظر في ما سمعه وما شاهده ثانيا , ثم يعرضها على بساط النقد والتحقيق والتمحيص ثالثا , ثم الخروج بنتيجة واقعية وعلمية يتوصل اليها من خلال المقدمات المنطقية والتفكير السليم .
- الشروع في تنفيذ المشاريع الثقافية والدورات التنموية والامنية , وبمستويات متعددة , والتي تهدف الى رفع المستوى الثقافي والمعرفي والتخصصي , والحس الامني للضباط الاعوان والمراتب وشريحة الامرين والقادة ؛ فهم العين الساهرة على حماية الوطن والمواطن , وهم أولى من غيرهم بضرورة معرفة وسائل الغزو الثقافي وطرق الحرب الناعمة الملتوية والتي تستهدف امن الوطن والمواطن ؛ والتأكيد على تنمية ملكة القراءة الواعية بشقيها العامة والتخصصية ورصد التحركات والانشطة والفعاليات الاعلامية والثقافية المعادية من خلال الاذن الواعية ؛ واعادة قراءة التاريخ المعاصر والاستفادة من العبر والدروس والمعارك التي خاضها الجيش العراقي والعربي مع قوات الاحتلال الاسرائيلية , وكذلك الاستفادة من الحروب التي خاضها الجيش العراقي خلال الخمسين عاما المنصرمة ؛ لاسيما حربنا مع التنظيمات الارهابية كالقاعدة وداعش وغيرهما من فلول وشراذم الاجرام والارهاب , وكذلك التأكيد على عميلة البناء المعنوي الرصين للطاقات والموارد البشرية ,و المنتجة لإرادة القتال المهنية مع مراعاة تحفيز منظومة القيم والاخلاق التي ستساعدنا في انتاج جيش مهني ووطني ؛ يراعي حقوق الانسان ويصون أمن الوطن والمواطن .