اسم الكاتب : رياض سعد
نعم قد ذكرت في المقالة السابقة من هذه السلسلة , والتي تخص سيرة توفيق السويدي ؛ معلومات حول دراسته , وقد اعترض البعض علي فيما يتعلق بمفردة او مفردتين من تلك المعلومات ؛ لاسيما فيما يتعلق بالدراسة في ما يسمى بالإعدادية الملكية , ولا زلت مصرا على عدم عثوري على اية معلومة تفيد بوجود هذه الاعدادية الملكية الا في مذكراته والتي كتبها بيده وقد قرأتها مرتين ؛ اذ قال فيما يتعلق بدراسته : (( … ولدت في بغداد عام 1892 في شهر اذار في محلة خضر الياس بجانب الكرخ … ودخلت الابتدائية وكان عمري ست سنوات واكملت التحصيل فيها بسنتين مع ان سنواتها ثلاث … , ثم دخلت المدرسة الاعدادية الملكية وتخرجت منها عام 1908 وانا في السادسة عشرة من عمري , وفي السنة نفسها دخلت مدرسة الحقوق الجديدة التي تأسست في بغداد , واكملت فيها سنة واحدة , وفي ايلول سنة 1909 , سافرت الى استانبول لإكمال التحصيل هناك , ودخلت كلية الحقوق العثمانية , حيث اكملت التحصيل في سنة 1912 , وسافرت توا الى باريس فقضيت فيها ثلاث سنوات , درست خلالها الحقوق الغربية في كلية الحقوق من جامعة باريس , ثم رجعت الى استانبول وتوظفت في وزارة المعارف كسكرتير للجنة تصحيح القاموس الفرنسي التركي لشمس الدين سامي , بغية ادخال اضافات مهمة عليه , ولم ابق في هذه الوظيفة الا عدة شهور , حيث طلبت للخدمة العسكرية اثناء الحرب العالمية الاولى ( 1914- 1918) واصبحت ضابط احتياط , وفي الوقت عينه دخلت المدرسة المالية العالية ودرست فيها سنتين , ثم عينت قاضيا في محكمة دير الزور ولم التحق بوظيفتي فيها لذهابي الى باريس …)) فمن قال انه دخل مدرسة الاعدادية الملكية ؛ قد اعتمد على قول السويدي في مذكراته , اذ لا توجد وثيقة رسمية تثبت وجود مدرسة بهذا الاسم قبل العام 1908 حسب علمي القاصر , اما بخصوص تشكيكي بدخوله كلية الحقوق في بغداد والتي تأسست في ايلول عام 1908 والتي تخرج منها في ايلول عام 1909 ؛ لأني لم اعرف ما المقصود منها بالضبط , فأن كانوا يقصدون الدراسة الثانوية او الدراسة الاكاديمية ؛ فها هو المرافق الدائم للسويدي والذي قرض مذكراته , قدري الكيلاني يصرح قائلا في تقديمه لمذكرات السويدي : (( … وبحسب ما نقله لؤي – ابن توفيق السويدي – ان اباه وبقية اخوته ما انهوا دراستهم الابتدائية في بغداد حتى ارسلهم والدهم لإكمال دراساتهم الثانوية والجامعية في الاستانة وباريس … )) وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان مدرسة كلية الحقوق في بغداد ليست ثانوية ولا كلية , لأنها لو كانت ثانوية فالدراسة فيها لا تتحدد بسنة وكذلك لو كانت كلية , بالإضافة الى ان توفيق السويدي وبحسب شهادة ابنه قد انهى دراسته الثانوية والاكاديمية خارج العراق كما مر عليكم وكما جاء في مذكراته ايضا ؛ وقد اكون مشتبها في هاتين النقطتين فقد يسهو القلم ويشرد الذهن احيانا .
ويستطرد فخري الكيلاني قائلا – بما معناه- او نقلا عن لسان لؤي ابن السويدي : (( … واستمر توفيق السويدي بالقفز لا على صعيد الدراسة فحسب ؛ بل في الحياة العسكرية خلال تنجيده ضمن افراد الجيش العثماني في اوائل الحرب العالمية الاولى من رتبة الى اخرى , وكذلك راح يقفز في عمله في سوريا مع فيصل فكان قاضيا فمحاميا كبيرا فأستاذا في كلية الحقوق في دمشق … و قد رجع السويدي الى بغداد بعد فشل الحكم الهاشمي في سوريا , ليعاود القفز كما عبر بذلك ابنه وفخري الكيلاني مرة اخرى , فيصبح قاضيا فعميدا لكلية الحقوق فمستشارا حقوقيا للدولة فمديرا عاما للعدلية فمراقبا عاما للحسابات ( برتبة وزير ) … ؛ فيصبح وزيرا وينتقل بين وزرات المعارف والعدلية والخارجية ثم يتولى رئاسة الوزراء لأكثر من مرة ؛ بالإضافة الى تأسيسه لمفوضية عراقية دائمة في ايران , وترأسه لوفد العراق في عصبة الامم المتحدة … الخ , ويواصل السويدي قفزه واضطلاعه بمهام التأسيس والرئاسة , وترأس مجلس النواب ومجلس الاعيان , واسس حزب الاحرار الذي وصفه فخري الكيلاني بانه من اكثر الاحزاب تنظيما وقوة وشعبية … الخ ؛ وقد اسس ونظم البنك الوطني المركزي العراقي وتولى فيه – متطوعا- منصب الحاكم العام ؛ كما كان عضوا او مستشارا او رئيسا في مجالس ادارات مصارف وشركات عراقية وغير عراقية)) وكان ختامها بؤس وشؤم , فبعد المناصب العديدة والوظائف الكثيرة ؛ اصبح وزيرا للخارجية في حكومة الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن في عام 1958 علماً بأن الاتحاد الهاشمي دام لأشهر قليلة ؛ اذ اطاح عبد الكريم قاسم بالحكم الملكي و سلطة عوائل الفئة الهجينة عندما قامت الثورة بالعراق في 14 تموز عام 1958م ؛ والى هنا توقف قفز السويدي الا ان قرود السياسة العراقية مستمرون بالقفز على الثوابت والمصالح والحقائق الوطنية والتاريخية وبالرقص على جراحنا الى هذه اللحظة .
ومن خلال ما تقدم وبشهادة الوثائق والشخصيات ودلالة الاحداث والمواقف , نعرف ان المدعو توفيق السويدي من الذين يعشقون الكرسي ويسبحون بحمد المتسلط القوي بكرة وعشيا , فهو كأسلافه السابقين واجداده الغابرين , عبد للدينار والدرهم وخادم للمحتل الاجنبي الغاشم وللحاكم المحلي الظالم , ومن شابه أباه فما ظلم ؛ الا ان لابن توفيق السويدي ورفيق دربه فخري الكيلاني رأي اخر مغاير ؛ اذ قالا في مقدمة مذكراته : (( … يولد الطفل توفيق , في دار عز ومجد , و وجاهة واصالة , وعلم وفضل ونبل )) ويدعي لؤي ان اباه لم يكن يتكالب على الحكم او المناصب لأنه لم يكن في حاجة الى سلطة او مال او جاه وليس في نفسه جوع او ظمأ الى ذلك …!!
كالعادة يدعي هذا الهجين بانهم من دار عز ومجد … الخ ؛ بل وتكلم بغرور فارغ ونرجسية مرضية عن اصولهم النسبية و تعاليهم الارستقراطي الكاذب ؛ وكذلك فعل مرافق ابيه فخري الكيلاني ؛ وطالما نبزا ابناء الامة العراقية بالصعلكة والغوغائية وغيرهما من اوصاف السوء والشر والجهل , وقد وصف لؤي اباه الماثل امام محكمة فاضل المهداوي وكذلك وصف القاضي المهداوي ؛ بأوصاف تدل على العنصرية والطبقية والنرجسية اذ قال : (( يدور الحوار بين المتهم والقاضي , بين الرفعة والرقاعة , بين العظمة والحقارة , بين الاصالة والصعلكة , بين القمة والحضيض … !! )) ونسى لؤي السويدي او تناسى فخري الكيلاني ؛ بأن الجد الاعلى لعائلة السويدي , مجهول الاصل وقد دخل بغداد غريبا فقيرا لا يملك شروى نقير, ولولا عمل امرأة السويدي بمهنة الحياكة المتواضعة ولولا رعاية احد اقرباء المرأة ؛ لماتوا جوعا ؛ لانهم نشأوا يتامى كما مر عليكم في الحلقات السابقة …!!
مع كل هذا التكالب والاندفاع نحو السلطة والتشبث بالكرسي , ومع تنفيذه لكل اوامر الاستعمار , بحيث وصل به الامر الى عدم الاكتراث لموت اخيه في المنفى , تملقا منه للحاكم والمحتل الانكليزي كما مر عليكم في الحلقات السابقة , وبعد ان سئم الشعب العراقي من تدويره وتدوير غيره من نفايات العهد الملكي ؛ فكان لسان حال السويدي ومن لف لفه : (( يا حبذا الامارة ولو على الحجارة )) فقد كانوا يلهثون اناء اليل واطراف النهار خلف المحتل ويركضون وراء المناصب والامتيازات الباطلة , حتى اطاح بهم ابناء الشعب وقتلوهم شر قتلة , وشردوهم في الاصقاع ؛ جزاءا وفاقا … ؛ يأتي المحروس لؤي توفيق السويدي ليدعي ان اباه لم يكن من عشاق السلطة , وهذا الادعاء يذكرني بادعاء المجرمة رغد صدام عندما قالت ان اباه لا يحب الدم …!!
كانت السلطة تعني لأبناء الفئة الهجينة وساسة الطائفة السنية , الايقاع بالعراقيين الاصلاء والاضرار بالجنوبيين الكرماء بصورة افقية , والارتفاع على حسابهم بصورة عمودية , والاستئثار بامتيازات الحكم والسلطة , ورمي الفتات الى احزابهم وجماعاتهم وطوائفهم احيانا ؛ وحرمان الامة والاغلبية العراقية من كافة الحقوق ؛ وقد استمرت هذه القسمة الضيزى , واصبحت سنة يفعلها الساسة ويؤمنوا بها , على الرغم من اختلاف توجهاتهم واعراقهم ؛ فكان السياسيون شر خلف لأسوأ سلف … ؛ وصدق من قال : لو أنَّ السلطة عقارٌ لا يُصرفُ إلا بإذن الطبيب، لجاء ومعه قائمة طويلة من الأعراض الجانبية السلبية فالسُّلطة قد تفسد الإنسان وتحرفه عن جادة الانسانية والوطنية ، بل ان بينها وبين الفضيلة ما صنع الحداد , الا ما رحم ربي , وبعد كل هذه الموبقات والجرائم والانتهاكات والازمات والانتكاسات والبؤس يأتي لؤي السويدي ليضفي على ابيه سمات الجلال والاكرام وسجايا الطيبة والرحمة والوطنية والانسانية والقيم الليبرالية والديمقراطية …!!
وقد اعترف لؤي السويدي بأن ذهاب ابيه واخوته للدراسة في باريس وقتذاك , كان امرا مستهجنا من قبل الاوساط الشعبية ومع ذلك اقدم جده يوسف السويدي على ارسال ابناءه الى بلاد الكفر كما كانوا يسمونها , والشيء بالشيء يذكر عندما قام احد رجال الدين المعروفين ولعله كان احد علماء شيراز الايرانية والذين استوطنوا في النجف الاشرف وكربلاء فيما بعد , بإرسال ابناءه للدراسة في المدارس الاكاديمية التي جاءت مع الاحتلال الانكليزي آنذاك , تعرض حينها الى حملات تسقيط وتشويه سمعة واتهم بشتى الاتهامات مما اضطره للجلوس في البيت واعتزال الناس … الخ .
عرفت الفئة الهجينة والجاليات الاجنبية والغريبة في بلاد الرافدين ؛ بمخالفاتها القانونية وتقاطعاتها مع الهوية الوطنية ونفورها من العادات والتقاليد العراقية , فما من أمر كانت تنظر اليه الاغلبية والامة العراقية باشمئزاز واحتقار الا وفعلوه , وما من عيب او عار الا وارتكبوه ؛ لذا تراهم هم اول العملاء واول السماسرة واول من عمل في الدعارة والغناء والرقص والتمثيل والظهور على الشاشات والتعري والاختلاط … الخ ؛ ما من امر كان او لا يزال عيبا اوعارا او مستهجنا بنظر الاغلبية الاصيلة الا وكان ابناء الفئة الهجينة يهرولون اليه ويتفاخرون به ؛ ويعتبر هذا الامر من اهم الاسباب التي جعلت الفئة الهجينة ومن لف لفها تتمدد افقيا وطوليا في بلاد الرافدين , وتستحوذ على كافة المقدرات والمناصب والوظائف والقطاعات ؛ بدءا من السلطة , مرورا بالقطاع الخاص والصناعة والتجارة , نزولا لمهنة الدعارة و ( الكلچية ) ؛ بينما حرم العراقيين الاصلاء والجنوبين الكرماء من الكثير من الفرص في الحياة بسبب تشبثهم بقيم ( العيب , والحرام , والحياء , والانفة , والكبرياء … الخ ) فضلا عن ( الممنوع ) ومحاربة السلطات لهم .
ولعل الامر الذي حمى ابناء الفئة الهجينة من الشعور بالخزي والعار واحتقار ابناء الاغلبية والامة العراقية لهم ؛ السلطة والحكم وما يتفرع عنهما من مكر ودهاء وتمثيل ومؤامرات وادعاءات واكاذيب ومسرحيات تغير حقائق الاشياء , وتقلب الامور رأسا على عقب , وتخفي بواطن الامور واسرار الشخصيات , مما يؤدي الى خداع الجماهير والضحك على ذقون المواطنين , لاسيما وان اغلبهم يتسم بالجهل والسذاجة والسطحية .
ويستطرد فخري الكيلاني بكلامه في تمهيده لمذكرات السويدي وهو يشيد بالعصر الذهبي ويعتبره العصر الذي لم يظهر فيه وباء الصعلكة والوصولية والغوغائية , لان الذين يقودون الحركات الوطنية وقتذاك هم اصحاب الثقافة والاصالة والوجاهة من الذين لم يكونوا طامعين بشيء سوى مرضاة الله وتحقيق المصالح الوطنية ؛ كما ادعى ذلك زورا وبهتانا , بل ان خياله المريض ذهب بعيدا بمعية المريض الهجين الاخر لؤي السويدي , اذ قال نقلا عن لؤي الذي يمتدح ابيه : (( … وكان رحمه الله , منذ دخل ميدان الحكم والسياسة , يكره اقحام الجيش او الشارع في شؤون الحكم والسياسة , وقد اثبتت الايام والاحداث صحة رأيه , ولاسيما في بلادنا … ؛ ويعلل ذلك بان الاحتكام الى الشارع ومغازلته من قبل الحكام والساسة يؤدي الى تدخل الشارع في السياسة وفرض اراء الجماهيرية المعروفين بحماستهم الغوغائية على الساسة وهم بذلك يسيئون الى الحكم وهيبته , بل يسيء الى وطنه وامته , اذ يخدم كل منا وطنه بان يتقن عمله , وما كان الحكم يوما من اختصاص الشارع والغوغاء … )) .
كل شعارات ودعوات وادعاءات ساسة حكومات الفئة الهجينة ؛ كانت و لا زالت مجانبة للحق والحقيقة والواقع , وهي اشبه بمساحيق التجميل التي يراد منها إخفاء الصورة القبيحة والحقيقة المنكوسة والطائفية والعنصرية لأبناء الفئة الهجينة الحاقدة والمارقة عن كل الثوابت الوطنية والقيم والمثل والعادات والتقاليد العراقية ؛ وقد وظفت الفئة الهجينة السلطة وامكانيات ومقدرات البلاد لإقصاء وتهميش الاغلبية العراقية الاصيلة وبشتى الطرق والوسائل والادعاءات , ولعل ادعاءات السويدي ومن على شاكلته والمبطنة بغلاف الوطنية وبالحنكة والثقافة السياسية والتي تدعو لإبعاد الجماهير عن شؤون الحكومة واقصاء النخب والفئات والجماعات الشعبية عن امور السياسة , من اوضح الشواهد على هذه العقلية المنكوسة الحاقدة , فالبعض من ساسة الفئة الهجينة طالب ببقاء الفلاحين في الجنوب وبضرورة تفشي الجهل والتخلف والظلم بينهم , والبعض الاخر حارب تدخل الجماهير او مشاركة الحركات الشعبية والوطنية في السياسة ان لم تكن من دائرة العوائل الهجينة , والبعض الثالث اراد استمرارية بقاء الاوضاع كما هي من دون اصلاحات او تغييرات تصب في صالح الشعب , وان يكون الحل والعقد بيد الاقلية من ابناء الفئة الهجينة والطائفة السنية … الخ ؛ ومنذ تشكيل تلك الحكومات البائسة والى حين سقوطها عام 2003 ؛ لم يعش العراقيون اجواء الحريات او الديمقراطية , بل ان الفئة الهجينة تكره الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان كره العمى كما يقول المثل الشعبي ؛ وتميل لاستخدام العنف و القسوة والاجرام والارهاب والظلم ؛ فضلا عن تفشي البيروقراطية والمحسوبية والطائفية والعنصرية والفساد والدكتاتورية والشمولية والفاشية في حكوماتها وإجراءاتها … الخ .
وبعد هذه الحقائق الدامغة والواضحة وضوح الشمس في رائعة النهار , يدعي لؤي توفيق السويدي وفخري الكيلاني ومن لف لفهما بأن المدعو توفيق السويدي كان ليبراليا او ديمقراطيا او يميل للأجواء الديمقراطية والحياة المدنية والسياسة الليبرالية , وهو ابعد ما يكون عنها …!!