اسم الكاتب : رياض سعد
إذا كنت لا تعرف إلى أين تذهب فكل الطرق تؤدي بك إلى المجهول الذي يأخذك حيث يريد ، فمن لا يملك البوصلة تتلاعب به الامواج وتصبح كل الرياح لديه سواء ؛ ويبقى يبحر في الظلمات والبحار البعيدة حيث لا شواطئ ولا موانئ ؛ لأنه بلا بوصلة ولا هدف ولا خريطة ولا دليل ؛ لذا قيل : خير للإنسان أن يكون كالسلحفاة في الطريق الصحيح من أن يكون غزالاً في الطريق الخطأ ؛ ففي الطريق المجهول لا تزيدك سرعة السير الا بعدا .
البوصلة هي التي تحدِّد إلى أين تتجه السفينة والطائرة، وخريطة جوجل توصلنا إلى هدفنا وبدقة لمن يعرف كيف يتعامل معها ؛ والدليل يختصر لنا المسافات الطويلة والجهد الشاق ؛ فبالتخطيط والتنظيم والوعي والمعرفة نصل الى اهدافنا ونحقق امننا ونصون وطننا ونحمي ثرواتنا وخيراتنا … ؛ وليس بالخزعبلات والشعارات والتخبط والفوضى والمصادفات والشكليات واللانظام ؛ وقد أوصى الامام علي – وفي الساعات الاخيرة من عمره – ولده واهله ومحبيه واتباعه بالنظام والتنظيم وترتيب الأولويات في الحياة ؛ اذ قال : (( أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَنْ بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم )) فقد أكد بعد تقوى الله على أمرين وهما من الاهمية بمكان ؛ الاول تنظيم الامور والشؤون , والثاني اصلاح الجماعة البشرية او الدينية او الوطنية والحفاظ على وحدتها وكيانها وحمايتها من التصدع والتشرذم ؛ وصلاح ذات البين الذي يشير إليه الامام علي في وصيته ليس الائتلاف والاتحاد الظاهري فحسب ، أي أنْ تتفق فئتان أو جماعتان تنتميان لنفس الخط والمنهج والمذهب حول أمر ما ، وتشكّلا ائتلافاً ظاهرياً – بحيث يضحوا من مصاديق المثل الشعبي القائل : (( وجوه المؤتلفة وقلوب المختلفة )) – ، بل هو أسمى من ذلك ، أي أنْ تتصافى القلوب بينها ، وتصير الأذهان حسنة الظن ببعضها بعضاً، وألا يقع أي تجاوز وإيذاء من شخص أو جناح معيّن تجاه أي فئة أخرى … ؛ وجاء عن الامام جعفر الصادق ما يؤكد ذلك ؛ اذ قال : (( إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتى ينتهي إلى العاشر، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره )) فقد حذر اتباعه وشيعته ومحبيه من الخصام والتدابر والتنافر وتسقيط بعضهم بعضا بحجة اختلاف المقامات والدرجات او بذريعة تنوع المدارس والاتجاهات والشعارات , من خلال حملات التجريح والتخوين والاستهزاء والتكفير والاقصاء والتهميش وكيل الشتائم والاتهامات … ؛ وامرهم بالمحبة والاخوة والرفق والوعي والاتحاد والقبول بوجهات النظر الاخرى … .
والعجيب ان البعض لا يكتفي بالإهمال واللامبالاة وانعدام الوعي والرؤية الاستراتيجية بل انه يخطط للفشل والفوضى والاضطراب ؛ فكأنما يهدم بيته بمعول الاعداء ويشاركهم في تنفيذ مخططاتهم لإلحاق الاذى والضرر به و ببني قومه و وطنه , فهؤلاء اشبه بالسذج والحمقى لانهم لا يميزون بين الاعداء والاصدقاء , ولا بين المنفعة والمضرة , ويهرفون بما لا يعرفون , ولأنهم بلا هوية اصبحوا مشروعا للآخرين ومطية للأعداء , يركبها العدو متى وكيف شاء .
وبما بلاد الرافدين والامة والاغلبية العراقية , تشهد تحديات داخلية وخارجية , ومتغيرات دولية واقليمية تؤثر على الاوضاع المحلية بشكل واخر , فضلا عن المخاطر والمؤامرات التي تستهدف ثروات وخيرات الوطن , وحملات التشويه والتضليل التي تهدف الى تغيير الخريطة والهوية العراقية ؛ يجب علينا اعادة النظر بالموروث التاريخي والفلكور الشعبي والعقائد والشعائر والطقوس الدينية والافكار والرؤى السياسية والثقافة الشعبوية والنخبوية السائدة والانشطة والفعاليات الاقتصادية فضلا عن مجالات التربية والتعليم والصحة والامن وغيرها من الملفات الوطنية الحساسة , والتفكير في أولويات العراقي الاصيل و وضع استراتيجية شاملة للنهوض به وبالعراق وتجنيب البلاد شر الاخطار والفتن والقلاقل والاضطرابات والازمات والانتكاسات .
فالمطلوب منا كمواطنين عراقيين واعين , مراجعة الحسابات وجرد الخسائر والنكبات , وعدم الوقوع بالأخطاء التاريخية والسياسية والاقتصادية وغيرها مرة اخرى , واجتياز عقبات الماضي الملغومة بشتى انواع الطاقات السلبية والازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها , والشروع بنهضة ثقافية وفكرية وطنية كبرى , نميز من خلالها بين الاهم والمهم , والجيد والسيء والحسن والقبيح , حتى ننشغل بما هو أهم ومصيري ونهمل ما هو ثانوي وقشري , ولا يتم ذلك الا من خلال شن حرب شعواء لا هوادة فيها ضد الخط المنكوس وتجلياته الظاهرة والخفية , والممارسات السلبية والافكار والرؤى الظلامية والطوباوية والافرازات الناتجة عنها , والظواهر الشخصانية والعائلية والمتمثلة ببعض الاحزاب والحركات والنشاطات الدينية والسياسية والاقتصادية والتي تسعى لتحقيق المصالح والمكاسب الذاتية والفئوية الضيقة بمعزل عن مصلحة الوطن والاغلبية والامة العراقية .
وبما ان الحياة كالبحر المتلاطم الأمواج، لابد لنا من تعلم السباحة باحتراف والابحار من خلال البوصلة والربان الماهر ، وإلا سنغرق وتتحطم سفينة حياتنا ويضيع مصيرنا ؛ كذلك هي السياسة والاقتصاد والصحة والثقافة وسائر الملفات الاستراتيجية الاخرى , اذ تحتاج منا المزيد من الدراسة والوعي والتعلم وتنمية الطاقات واستثمار الموارد وتطوير القابليات ورفع سقف الامكانيات , فضلا عن القوة والعزيمة والصبر والتحدي ومواجهة الصعاب وحلحلة الازمات من خلال الاحتكام الى العقل والعلم والمنطق واسدال الستار على مرحلة الشعارات والخطب الطنانة والكلمات الرنانة والمسرحيات والمهاترات واستعراض العضلات والعنتريات والعواطف والاهازيج والحماسيات … الخ ؛ فهذه الحياة المعاصرة وهذه اللعبة السياسية الدولية الحالية لا ترحم الحمقى والمغفلين والعاطفيين والماضويين والرجعيين والسذج والاستهلاكيين ؛ وهي ليست للانهزاميين، والقشريين والهامشيين ، والضعفاء والجهلة والاميين والمتخلفين والمرضى والحالمين وانصاف المتعلمين والمثقفين ؛ كأي لعبة ، هي مليئة بالتحديات والمستويات المتدرجة في السهولة، والصعوبة ؛ وهي مليئة بالمرتفعات والمنحدرات وقد تكافئك وتعاقبك ككل الألعاب ؛ وهي تختبر قدراتك ومقاومتك وقدراتك … ؛ فأن اردت النهوض بالوطن والمواطن فأنهض بنفسك اولا , واسلك دروب المعرفة والعلم والتقنية ثانيا , واهجر الافكار والرؤى الظلامية والمتخلفة والملغومة ثالثا .
ولكي لا يختلط عليك الامر عزيزي العراقي الاصيل ؛ يجب عليك وضع خريطة عمل وخارطة طريق ؛ من خلالها تسير وعلى ضوئها تقرر , وسبين لك شيئا منها وعلى شكل نقاط :
- لا تثق بأية دولة خارجية ولا تعتمد عليها في أخذ حقوقك او استرجاع اراضيك المسلوبة وثرواتك المنهوبة ؛ لان الامر لا يخلو من الاحتمالات التالية : اما ان تكون من الدول الغاصبة لأراضيك او الناهبة لثرواتك او المستفيدة من واقعك المتردي وازماتك ؛ ومن سابع المستحيلات ان تضحي تلك الدول بمصالحها لأجلك او لسواد عينيك ؛ نعم قد لا تكون من الدول انفة الذكر الا انها ايضا قد لا تقدم خدماتها ومساعداتها لك مجانا ولوجه الله ؛ فالسياسة ليست مبرة ايتام او مؤسسة انسانية ؛ وهنا تكمن شطارتك في اقناع القوى الكبرى في حماية بلدك ومصالحه واسترجاع حقوقه من باقي الدول المجاورة وغيرها مع تقديم تنازلات للدول الكبرى الا انها اقل بكثير من تنازلات وخسائر المرحلة الراهنة ؛ لان الامن يشترى كما يقولون ومن باب ان بعض الشر أهون .
- لابد لك و وفقا لكل الاعراف واغلب الديانات والثقافات من تقديم مصلحة وطنك على باقي الاوطان والاخلاص له والعمل من اجله والسهر على حماية ثرواته وخيراته وحدوده , والرأفة والعطف والرحمة والعناية والرعاية والاهتمام بأخيك المواطن الاصيل والذي يسكن معك منذ مئات السنين على هذه الارض , فالقوة الداخلية والمنعة والعزة الوطنية تعتمد اعتمادا كليا على كرامة وعزة وتكاتف المواطنين وتوفير العيش الكريم لهم وصون حقوقهم … , والعمل على تخليص البلاد من الغرباء والاجانب والدخلاء , والغاء كافة عمليات التجنيس المشبوهة والتي استمرت خلال قرن من الزمان , من اجل احداث التغييرات الديموغرافية والطائفية والقومية المنكوسة ؛ فلا يجوز بحال من الاحوال تقديم مصالح العرب على مصالح عرب العراق وكذلك لا ينبغي الحاق الضرر بشيعة العراق من اجل شيعة الخارج , او تفضيل سنة الدول الاسلامية على سنة العراق , او مساعدة الاكراد على حساب الاكراد العراقيين … الخ ؛ فالعراقي الاصيل أولى من كل مواطني الدول الاخرى , ومن لم يكن فيه خير لأهله وبني جلدته و وطنه فلا خير فيه مطلقا بل هو خائن وعميل ودوني واحمق .
- العمل وبكل ما أوتينا من قوة على تجنيب العراق والاغلبية والامة ؛ الحروب والازمات الخارجية ؛ لاسيما مع القوى الكبرى , فالحرب ليست نزهة او مسرحية او رحلة مدرسية , بل هي الدمار بعينه والخراب نفسه , لذا تجنبها الزعماء الحكماء والقادة الوطنيين المخلصين في اغلب الدول العالم وعبر مراحل التاريخ الطويلة , ولو دار الامر بين تقديم مليار دولار للقوى الكبرى – مثلا – وبين خوض حرب مجهولة العواقب او قد تكلفنا مئات المليارات وملايين الشهداء ؛ عندها نعطي المليار ونتجنب الحرب ؛ لأننا لو خضناها , لأصبحنا مصداقا للمثل الشعبي الشهير : ( ما رضه بجزة , رضه بجزة وخروف ) الا في حالة استرجاع الاراضي التاريخية العراقية المعروفة ومع ذلك يجب حساب الامر بمنطق الامر الواقع والخسائر والمنافع .
- العمل على تقليل معدلات الاستهلاك بكل اشكاله وانواعه , ورفع المستوى الانتاجي والابداعي الجمعي والفردي , واستغلال الموارد المحلية للنهوض بالوطن والمواطن , وعدم التفريط بالمقدرات الاقتصادية وطاقات الوطن البشرية , واستغلالها استغلالا كاملا بما يعود بالنفع على الاغلبية والامة العراقية , وعدم السماح بانتشار وشيوع ثقافة التبذير والاسراف والتبرع للأجانب والغرباء والدخلاء من اموال الشعب او اعفائهم من الرسوم او تقديم الامتيازات لهم ؛ نعم قد يقدم العراق المساعدات او المنح البسيطة لهذه الدولة او تلك ولكن بشرط الامتيازات والمردود الايجابي الذي يرجع للعراق والعراقيين من تقديم تلك المساعدات لتلك الدول الخارجية ؛ ففي العراق الحالي يجب ان لا يقدم اي شيء مجانا للأجانب والغرباء .
- مراجعة كافة الاتفاقيات التاريخية والحالية وعلى اختلافها والغاءها وابطال العمل بها , لأنها كلها وبلا استثناء لم ولن تصب بمصلحة العراق والاغلبية والامة العراقية , بل تصب بصالح الدول والقوى الخارجية , لأنها عقدت في ظل ظروف استثنائية او حكومات عميلة او جاهلة او ضعيفة , وبالتالي هي لا تمثل ارادة الجماهير ومصالح الاغلبية والامة العراقية قط .
- يجب تقوية الاغلبية العراقية ومدها بعناصر التفوق وفي كافة المجالات , لان وحدة و قوة وهوية العراق مرهون بوجودها , فهي بمثابة الاخ الاكبر او الوالد الشرعي لكل الطوائف والجماعات والاقوام العراقية الاخرى , فأن انخرط عقد سلسلة الاغلبية انخرط عقد الامة العراقية جمعاء , واستحالت أثرا بعد عين , وعليه لابد من تمكين الاغلبية العربية الشيعية العراقية من الحكم , واستبعاد الفئة الهجينة من الحكم , لأنها ومن خلال التجارب التاريخية القديمة والمعاصرة قد الحقت افدح الاضرار بالعراق والعراقيين الاصلاء , واستولت على مقدرات الوطن بالمكر والخداع والعمالة والخيانة والباطل , فلو فرضنا تقاطع مصالح واراء الاغلبية مع المكون الكردي او الفئة الهجينة او المكون السني او المسيحي او غيرها ؛ قدمت مصالح واراء الاغلبية للأسباب انفة الذكر , وفي حال تقاطع مصالح المكونات الوطنية مع شيعة الخارج او عرب الدول العربية وسنة الدول الاسلامية ؛ قدمت مصالح المكونات العراقية عليها ؛ نعم في حال تمرد احدى المكونات ضد الاغلبية الاصيلة او تأمرها ضد العراق والاغلبية والامة العراقية , جاز للأغلبية الاصيلة محاربتها والتنسيق مع القوى الخارجية للإطاحة بها وارجاعها الى حضيرة الوطن الام ومعاقبة الخونة والانفصاليين .
- في حال تعارض اراء ومواقف ومصالح الشيعة في العالم مع الحركات التكفيرية والمنظمات الارهابية والمدارس الوهابية والسلفية المتشددة , او مع سنة العالم ؛ يجب على الاغلبية العراقية الوقوف مع شيعة العالم ؛ للأسباب التالية : اولا : لان بلاد الرافدين كعبة التشيع ومركز الشيعة ومهد الحركات الشيعية والحوزات العلمية الدينية وفيها مراقد ال البيت … ؛ ثانيا : الشيعة كلهم يركبون نفس القارب ويتعرضون لنفس الاخطار والتحديات , وبما انهم اقلية وسط المجتمعات السنية والتكفيرية والارهابية والاتجاهات والمدارس الطائفية الحاقدة ؛ وجب نصرة بعضهم لبعض , ولو من باب (اذا حلقت لحية جارك فاسكب الماء على لحيتك ) ؛ بل ان نصرة الاقلية من بطش الاغلبية الحاقدة من اهم المبادئ الانسانية والاخلاقية ؛ وعليه من السفاهة والحمق وقوف ابناء الاغلبية العراقية مع النواصب والحاقدين والتكفيريين والذباحين والارهابيين الطائفيين ومن لف لفهم ضد الشيعة في ايران او لبنان او البحرين او غيرها , وان كان ولابد فلا أقل التزام الصمت والحياد من قبل ابناء الاغلبية العراقية تجاه الاحداث او المواقف الخارجية التي تتعلق بشيعة العالم وهذا يعتبر من اضعف الايمان ؛ فأن كنت ايها العراقي الاصيل لا ترغب بنصرة الشيعي الايراني او التركي او السوري او الاذربيجاني فلا أقل لا تقف ضده او تنصر عدوه .
- في حال تقاطع مخططات وتطلعات الاغلبية العراقية مع شيعة الخارج فضلا عن غيرهم ؛ وجب العمل بما تمليه المصالح الوطنية وتحقيق المكاسب للأغلبية وبغض النظر عن تضرر شيعة الخارج او غيرهم ؛ فليس من المنطقي ولا المعقول ان يدفن الشيعي العراقي رأسه في الرمال كالنعام ؛ اذا قام شيعة ايران او الكويت او غيرهما من الاعتداء على الاراضي الجنوبية الشيعية او العراقية او قاموا بنهب ثروات الوطن وخيرات الجنوب , او حاولوا الحاق الضرر بأبناء الجنوب والوسط , او تحكموا بمقدرات شيعة العراق الدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها … الخ ؛ بل الواجب عليه التصدي لهم والحاق الهزيمة بهم , وحماية ارضه وثرواته وخيراته ومقدراته من نفوذهم وسيطرتهم واعتداءاتهم وتداخلاتهم السلبية , و وضع حد لكل ذلك ؛ حتى لو اضطر العراقي الاصيل للتعاون مع القوى الخارجية والدولية الكبرى في سبيل حماية مقدراته او استرجاع حقوقه ؛ وهذا الامر لا يتقاطع مع ما ذكرناه انفا بل هو يندرج ضمن مقولة : ( اني واخي ضد ابن عمي , وانا وابن عمي ضد الغريب ) وهذا التفكير يندرج ضمن استراتيجية الاولويات وتقديم الاهم على المهم , والاوجب على الواجب , والمصيري على الثانوي ؛ فالعاقل لا يخرب بيته لأجل أخيه , ولا يفتل نفسه فداء للغير , ولا يتبرع بقوت عياله الجياع للآخرين … ؛ ولنا في الشيعي الايراني أسوة حسنة ؛ فهو يقدم مصلحة الشيعي الايراني على بقية الملل والطوائف الايرانية ؛ لأنه يرى فيه الهوية الوطنية والاغلبية السكانية ؛ ثم يقدم مصلحة الامة الايرانية بكردها وفرسها واتراكها وعربها واذرها وبلوشها وبمختلف دياناتها على شيعة العالم أجمع وغيرهم ؛ فقد يستولي الشيعي الايراني على اراضي الشيعي العراقي لإضافتها الى محافظة كرمنشاه الكردية السنية , وقد يهدد النظام السياسي في افغانستان ( طالبان) عندما يقطعون او يقللون حصة ايران من نهر هلمند والذي ينبع من افغانستان الا انه يصب في المناطق السنية الايرانية , وقد يقف مع ارمينيا المسيحية ضد اذربيجان الشيعية ذات الجذور الايرانية اذا اقتضت المصلحة السياسية الايرانية ذلك , وقد يتفاوض مع القوى الدولية الكبرى ويجنب ايران ويلات الحروب , ويضحي بحلفائه الاقليميين من الشيعة والسنة او يجعلهم حائط صد وجبهة امامية خارجية , فضلا عن ان الشيعي الايراني لا يعطي تومانا واحدا من دون تفكير وحساب , فهو يعطي دولار باليمين ليأخذ مئة دولار باليد اليسرى , لذلك تراه لا يقدم أي شيء مجاني لزوار الامام علي الرضا من الشيعة وغيرهم , بل يجني الاموال الطائلة من السياحة الدينية ولا يسمح لأي شيعي سواء كان عربيا او اجنبيا ومهما كان مقامه الديني ومستواه العلمي بالتحكم او السيطرة على المراقد الدينية او الحوزات العلمية في ايران ؛ ولا يقدم على أية خطوة الا وهو يدرسها دراسة موسعة ومستفيضة وتصب في صالح الاغلبية والامة الايرانية ؛ ولا يفرط بأي مورد من موارد ايران لأجل عيون الشيعة في العراق او غيره ؛ فعندما يصدر غاز الى العراق بقيمة تتراوح من ( 9 الى 11 ) مليار دولار سنويا ؛ ومواد غذائية وانشائية وغيرهما بقيمة قد تصل الى 20 مليار سنويا , هذا لا يعني انه يعطي السلاح الى العراق مجانا او يقدم تسهيلات مالية وامتيازات اقتصادية للزوار العراقيين ؛ بل انه يتعامل بمنتهى الذكاء مع كل هذه الملفات ؛ ففي الوقت الذي يضغط فيه الجانب الايراني على الجانب العراقي لإلغاء الفيزا بين الطرفين , يعمل على تعويض مبلغ الفيزا الايرانية بطرق ملتوية عديدة , فالجانب الايراني يعرف تمام المعرفة بأن الايرانيين بصورة عامة يميلون للاقتصاد والزهد والتقشف وعدم التبذير والاسراف والصرف الزائد عن الحد أولا ؛ ويعلم علم اليقين ان المدارس والمؤسسات والمواكب الدينية فضلا عن بيوت العراقيين سوف تفتح ابوابها وتستقبل الزوار الايرانيين والبالغ عددهم الملايين حيث يتم توفير الطعام والشراب والسكن لهم مجانا ؛ بل حتى الفنادق الاهلية يتم تقييده بسعر خاص ومحدد لا يتجاوز ال 7 دولارات للشخص الواحد ولليلة الواحد مما يؤدي الى تكبد اصحاب الفنادق العراقية خسائر فادحة , حتى وسائل النقل التابعة للعتبات المقدسة و باقي دوائر الدولة تقوم بنقل الزوار الايرانيين وغيرهم من الاجانب الى الحدود مجانا ؛ وفي المقابل لا يتجاوز عدد الزوار والسياح العراقيين الذين يسافرون الى ايران المليون سنويا , وهم معروفون بالبذخ والتبذير والاسراف , فضلا عن ان الجانب الايراني لا يقدم لهم أي شيء مجانا بل يأخذ الإيرانيون منهم احيانا اجورا مضاعفة , فقد يصل سعر المبيت في الفندق لليلة الواحد الى 200 دولار , وعندما يعلم البائع الايراني بأن المشتري عراقي يقوم برفع الاسعار عليه واستغلاله , وبعد قرار الغاء الفيزا بين الطرفين , قامت السلطات الايرانية بإصدار قرار يتضمن رفع اجور وسائل النقل الداخلية كافة على الاجانب بما فيهم العراقيين بل لعل العراقيين هم المقصودون من القرار , لانهم الاكثر سفرا الى ايران , بحيث يسافر الايراني من عبادان الى مشهد ب 50 دولار بينما يسافر العراقي ب ( 100 الى 200 دولار ) , وعندما تقوم شركات الطيران الايراني بتخفيض الاسعار عند العودة من العراق الى ايران ؛ لأنها تأتي بالزوار الايرانيين الى العراق وتعمل بشتى الطرق الى عدم الرجوع الى ايران والطائرة فارغة , اذ تضطر الى تخفيض الاسعار ( 50 دولار واكثر ) ؛ تعوض هذا التخفيض وبأسعار مضاعفة من خلال عودة الزوار والسواح العراقيين اذ يضطر العراقيون الى الرجوع وفي هذه الحالة تقوم شركات الطيران الايراني برفع اسعار العودة بحيث يصل المبلغ احيانا الى 300 دولار , وهو أعلى من سعر الخطوط الجوية العراقية نفسها , ناهيك عن حالات السرقة والاحتيال على العراقيين المتكررة والتي تتساهل معها السلطات الايرانية ولا تنصف العراقيين وتميل الى الايرانيين وان كانوا مجرمين ؛ ومن خلال ما تقدم نعرف ان قرار الغاء الفيزا بين الطرفين ؛ يصب في صالح الايراني ويلحق أفدح الاضرار بالجانب العراقي ؛ والشيء بالشيء يذكر : في احدى المرات في بداية سقوط النظام البعثي , قامت بعض الجهات الايرانية ولا اعلم هي اهلية ام حكومية , بإرسال اموال عراقية مزورة , لتسديد فواتير السكن وغيرها للجانب العراقي , وقد فاحت رائحة تلك الفضيحة وقتها الا انه قد اسدل الستار عليها , وغيرها الكثير الكثير , وهذا الامر يشمل الكل وبلا استثناء ؛ فالخليجيين والاردنيين والاتراك والمصريين وغيرهم كلهم استغلوا الواقع العراقي شر استغلال … الخ .
- بما ان الاغلبية العراقية عربية الثقافة والجذور ؛ ينبغي عليها الاعتزاز بهويتها الثقافية , مما يعرض العراقي الاصيل ( الشيعي العربي العراقي ) الى هجوم مزدوج ؛ فالعراقي الاصيل يدافع عن هويته العريقة والتي ترتكز على ثلاثة ركائز : انه وريث حضارات بلاد الرافدين القديمة اولا , وثانيا سليل ممالك ميسان والحضر والحيرة العربيات وابن جماجم العرب والقبائل والعشائر العربية العريقة , وثالثا الراعي الاول والاخير لبذرة التشيع الاسلامي ؛ مما يحتم عليه التصدي للذين يطعنون بالعروبة والعرب والذين يقدحون بالشيعة والتشيع , والحاقدين على الارث الحضاري الرافديني ؛ وعليه سوف يتعرض لهجمات الاعداء المختلفين , والاضداد والفرقاء الحاقدين , وسيبقى هو بلا ناصر ولا معين , فليس للعراقي الاصيل سوى العراقي الاصيل ؛ وعندما يدافع العراقي الاصيل عن العروبة والتشيع فإنما يدافع عن نفسه وهويته , لان هويته الثقافية والتاريخية تتركب من هذين العنصرين بالإضافة الى العناصر الوطنية الاخرى المعروفة , ولا يعني انه محامي عن الغير او يقوم بدور الدفاع عن الاخرين ؛ فالمدار هنا يعتمد على الاغلبية السكانية الاصيلة , فلو تحولت الاغلبية الى ديانة اخرى او هجرت العربية وتكلمت بلغة اخرى بمرور الزمن , كما حدث في الماضي , عندها سندافع ايضا عن هويتنا الثقافية الجديدة ؛ فالمناط في الدفاع هو العراقي الاصيل ومصلحة بلاد الرافدين وسكانها الاصلاء من ذوي الوطنية والولاء .
10-لا يفهم من كلامي انف الذكر انني اناقض نفسي بنفسي من خلال مقالاتي السابقة , نعم فطالما امتدحت الجانب الايراني او اللبناني او غيرهما واشدت بالمواقف التي تبناها الحزب الفلاني , الا ان هذا لا يعني انني اتبنى كل ما اذكره في مقالاتي اولا , فقد صرحت بذلك مرارا وتكرارا بأني انقل ما يدور في الشارع العراقي وما تتفوه به النخب والجماعات والحركات الوطنية المختلفة , وثانيا يجب الفصل بين العاطفة والعقل , والتاريخ والحاضر, والعقيدة والوطنية , وبين الواقع والطموح او المفروض تحققه في الخارج , والحقائق والاحداث والوقائع وبين الشعارات والتنظيرات ؛ فليس كل الايرانيين شيعة وليس كل الشيعة مؤمنون بالإسلام او النظام الاسلامي , وليس كل المسؤولين والموظفين في ايران يعملون لصالح التشيع والشيعة في العالم , فمنهم الخائن ومنهم القومي الحاقد , ومنهم السياسي الذي يفرط بكل شيء ويضحي بالشيعة وغيرهم من اجل ايران ؛ وكذلك هو الحال في العراق وبقية دول العالم , فمن غير المنطقي وضع الجميع في سلة واحدة والتعامل معهم بنفس الطريقة , فقد تشاهد ايراني يحب العراق والعراقيين وينصر الاغلبية بكل ما أوتي من قوة ويدعم تجربتهم السياسية والديمقراطية في حكم العراق , ويقف معهم بوجه الاعداء والارهابيين والطائفيين والانفصاليين والبعثيين الحاقدين ؛ ويمدهم بالعدة والعدد ويقدم لهم المشورة والنصيحة ؛ بينما قد تجد عراقيا او عربيا يفعل عكس ذلك تماما , والعكس صحيح ايضا ؛ وعليه يجب على العراقي الاصيل التعامل مع الاخرين وفقا للمصالح والمكاسب الوطنية والرؤى المشتركة ؛ فاذا وقف معنا الايراني في مواجهة الاعداء والذين يريدون ارجاع عقارب الساعة الى الوراء والعودة الى المربع الاول ؛ ودعم تجربتنا في الحكم , وقدم التسهيلات والامتيازات للجانب العراقي ولاسيما الاغلبية الاصيلة ؛ عندها نقدم له التسهيلات والامتيازات , كأن نستورد منه بعض الاحتياجات والبضائع الضرورية بقيمة 10 مليار دولار سنويا مثلا , وكذلك الامريكان نفعل معهم نفس الفعل , فالتاريخ سوف يشهد بأن الذين وقفوا مع الاغلبية العراقية في تجربتهم الديمقراطية هم الإيرانيون والامريكان وشيعة العالم الاسلامي فقط ؛ اما الدول الاسلامية السنية والانظمة العربية والكثير من الدول الاوربية ولاسيما بريطانيا فقد وقفوا بوجه التغيير الديمقراطي وعارضوا اسقاط النظام الصدامي الدموي ؛ وعليه من الحماقة والغباء ان نستورد من تركيا سنويا مواد وبضائع وخدمات تتجاوز كلفتها 20 مليار , وكذلك الامر بالنسبة للدول العربية وغيرها , اذ يجب على المفاوض الوطني والسياسي العراقي الاصيل العمل بمبدأ المقايضة او التعامل بالمثل ؛ فلا يدفع دينارا واحدا الا مقابل أمر ما , ولا يضع دولارا واحدا الا في محله , فعندما نستورد من تركيا بضائع بهذه الاموال الطائلة ؛ يجب الضغط عليها للخروج من الاراضي العراقية او دخولها بأمر الحكومة المركزية للضغط على الانفصاليين وتأديبهم , وعدم حرمان العراق من حصته المائية , وعدم ايواء الارهابيين والمطلوبين للعدالة , وغيرها من الملفات , وكذلك الامر ينطبق على الاردن ومصر وغيرهما … الخ .