نوفمبر 21, 2024

اسم الكاتب : محمد ناصر البخيتي

الجزء الاول

من خلال متابعتي المستمرة لوسائل الإعلام المحلية والعربية لاحظت أنها تتعمد تغييب العقل والواقع في مقابل استحضار العاطفة والأسطورة عند مناقشة أي موضوع له علاقة بالشيعة.

حتى أصبح الشيعة في أذهان الكثيرين كائنات غريبة تختلف طبائعها عن طبيعة بقية البشر. فهم يتميزون بالقدرة الفائقة على التآمر الجماعي وعبر مئات السنين بدون أن ينكشف أمرهم بسبب استخدامهم مبدأ التقية. فهم يتظاهرون بالإسلام ويظهرون الاعتراف بالقرآن ويحرصون على حيازته ودراسته بهدف التموية إلا أن لديهم قرآن آخر يسمى بمصحف فاطمة ولكنهم لا يظهرونه لأحد من غير ملتهم حتى لا ينكشف أمرهم.

فالشيعة هم سبب بلاء هذه الأمة نتيجة لأحقادهم الدفينة ومؤامراتهم الخبيثة, فهم سبب كل الفتن التي المت بالمسلمين من زمن مؤسس مذهبهم عبد الله ابن سبأ إلى اليوم, وهم سبب سقوط بغداد بيد المغول وهم من تعاون مع الصليبيين ضد صلاح الدين وهم سبب سقوط بغداد بيد الأمريكان. أما ما يقال عن مقاومة حزب الله الشيعي لإسرائيل فأن ذلك لا يعدو كونه تمثيلية تم الاتفاق عليها بين الشيعة واليهود من اجل خداع عامة اهل السنة والجماعة عبر إظهار الشيعة بمظهر المدافعين عن الإسلام من أجل أن يتسنى لهم هدم الاسلام من الداخل ونشر مذهبهم الضال. وعلى فرض صحة مقاومة حزب الله لإسرائيل فإن الهدف من ذلك ليس تحرير لبنان أو فلسطين وإنما بهدف خدمة المشروع الصفوي. والأمر لا يتعدى كونه تنافس بين الصفوية والصهيونية لفرض سيطرتهم على العرب من أهل السنة والجماعة. وبما أن الصهاينة قد تخلوا عن فكرة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات فإن المشروع الصفوي أصبح الآن أخطر من المشروع الصهيوني. وعليه فإن الأولوية أصبحت في مواجهة الصفوية حتى ولو تطلب الأمر التعاون مع الصهيونية.

إن هذه المفاهيم عن الشيعة وإيران أصبحت حقائق راسخة في وعي الكثير من العرب. وأصبحت هي الهاجس الرئيسي الذي يشغل الوعي العربي ويحركه. لذلك لم يعد مستغربا ولا مستهجنا أن يعبر الكثير من المسئولين والمثقفين العرب عن تخوفهم من تنامي نفوذ ايراني في العراق وفلسطين وكأن المشكلة لم تعد في الاحتلال الأجنبي وإنما في تنامي نفوذ إيران في البلدان العربية المحتلة. وقد لاقت تحذيرات سعود الفيصل من تدخلات إيران وتزايد نفوذها في العراق قبولا وتأييدا واسعا. وهكذا اصبحنا أمام وضع عربي شاذ يقبل باستخدام أراضيه لاحتلال دولة عربية و يتقبل التعايش مع هذا الاحتلال ‘كما هو الحال مع فلسطين والعراق والصومال’ بينما يتحسس من وجود أي نفوذ لإيران في هذه الدول. حتى أصبح دعم إيران لصمود الشعب الفلسطيني أمام إسرائيل جريمة وتهمه تحاسب عليها إيران بدعوى أنها تتلاعب بعواطف الشعوب العربية لخدمة مشروعها ومصالحها, فيا ترى كيف يكون الموقف من إيران لو أنها هي من احتلت العراق أو أفغانستان أو الصومال.

ونتيجة لإصابة الوعي العربي بمرض الشيعة فوبيا بمعنى الخوف المرضي من الشيعة بدأت دول الخليج والدول العربية المعتدلة بعقد صفقات اسلحة بمليارات الدولارات بالتزامن مع الاعلان عن مساعدات عسكرية لإسرائيل بمليارات الدولارات بهدف اعداد الدول العربية وإسرائيل لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.

يتضح لنا من ما تقدم أن أمريكا قد نجحت في تغييب خطر المشروع الصهيوامريكي عن الوعي العربي ونجحت في غرس ما يسمى بخطر المشروع الصفوي مكانه. بل إن الأمر وصل حد خلق صورة إيجابية للمشروع الصهيوامريكي في وعي العرب بكونه أصبح الوسيلة الوحيدة لحماية العرب من المشروع الصفوي.

ولعل تصريحات وزيرة الخارجية الاسرائيلية في مؤتمر الدوحة تعبر عن هذا الواقع الجديد حيث قالت: ‘نحن المعتدلين في المنطقة كلنا أعضاء في المعسكر نفسه لمواجهة التحدي نفسه الذي يرفعة امامنا المتطرفون’. والملفت انها استخدمت كلمة نحن لتعبير عن إسرائيل والعرب, اما الآخر الذي يجب مواجهته فتقصد به إيران وحلفائها حيث قالت: ‘ من المصلحة المشتركة للمنطقة العمل معا ضد التطلعات النووية لإيران’. وقالت أيضا: ‘ إيران تحاول تقويض أنظمة أخرى وتعمل مع عناصر شيعية مثل حزب الله كما تدعم حماس’.

رغم التعارض الصارخ بين مشهد تصريحات ليفني في مؤتمر الدوحة وهي تلقن المسؤلين العرب الدروس وبين مشهد الحصار والقصف الوحشي الذي تتعرض له غزة إلا أن هذا الواقع الشاذ أصبح مقبولا في الوعي العربي المرعوب من إيران والشيعة.

وهذا يؤكد أن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلن عنه بوش قبل غزو العراق قد تحقق ولم يفشل كما يعتقد الكثيريين.

وقد عبر الدكتور أبو بكر السقاف بشكل دقيق عن نجاح المشروع الامريكي حين قال: لقد نحجت أمريكا في تعريب واسلمت صراعها مع إيران.

الجزء الثاني

في الجزء الاول من المقال سعيت لإبراز وتحديد ظاهرة الشيعة فوبيا ليتمكن القارئ من رصدها وفي هذا الجزء سوف أحاول رصد العوامل التي ساهمت في تضخيم هذة الظاهرة.

ويمكن تقسيم هذه العوامل إلى ثلاث مجموعات, عوامل نفسية مرضية وعوامل نفسية طبيعية بالإضافة إلى الخلل المعرفي حول الشيعة.

العوامل النفسية المرضية:

1- عندما تتعرض أي جماعة إنسانية للهزيمة وتتعمق لديها مشاعر العجز على الموجة فإنها تبحث عن مبررات لتبرير هزيمتها وعجزها في محاولة للهروب من تحمل المسؤلية وللحفاظ على شعور ولو زائف بالكرامة والكبرياء. فمثلا علق معظم المواطنين العرب آمالا كبيرة على انتصار العراق في حرب الخليج الاولى والثانية بدافع العاطفة القومية والدينية. ولأن المواطن العربي كان يجهل او يتجاهل انعدام مقومات النصر فقد كان وقع الهزيمة مؤلما لذلك تقبل المواطن العربي بسهولة دعوى تحميل الشيعة مسؤلية الهزيمة بسبب خيانتهم رغم أن انتفاضة الشيعة في جنوب العراق عام 92بدأت بعد أيام من توقيع اتفاق وقف اطلاق النار, ورغم أن احتلال أمريكا للعراق عام 2003 قد انطلق من البلدان العربية التي تحكمها حكومات سنية.

2- العامل النفسي الثاني هو عامل الحسد.فنتيجة للهزائم العربية المتكررة ونتيجة لاستمرار اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل بدأت تنتشر ثقافة العجز الداعية للخضوع وتقبل الأمر الواقع بحجة استحالة القدرة على المواجهة. وفي ذروة ازدهار الخطاب الاستسلامي او الانبطاحي كما يحلو للبعض تسميته برزت على الساحة قوة جديدة ممثلة بإيران الثورة استطاعت بإمكاناتها المحدودة وبتخطيطها الجيد أن تثبت إمكانية القدرة على الصمود والمواجهة, بل إنها تحولت إلى كابوس مرعب يقض مضاجع إسرائيل التي طالما أرعبت العرب, وإلى تحدي قوي يهدد المشروع الامبراطوري الأمريكي برمته والقائم على السيطرة على الشرق الاوسط ومنابع النفط. لقد تسبب هذا البروز المفاجئ والناجح في إثارة نوعين متناقضين من المشاعر في وعي المواطن العربي. فقسما منهم تغلبت عليه مشاعر الأمل فأصبح من المؤيدين لإيران ومن الداعين لتقليد نموذجها والقسم الآخر تغلبت عليه مشاعرالغيرة و الحسد فأصبح من المعادين لإيران ومن الداعين إلى مواجهتها بحجة إنها تمثل خطرا أكبر من ما تمثله إسرائيل. ولعل أبرز مثال على مشاعر الغيرة والحسد هو ظهور فتاوي تحرم مجرد الدعاء لحزب الله في اثناء حربة مع اسرائيل بحجة أنه حزب شيعي مدعوم من إيران.

العوامل النفسية الطبيعية

وهي عوامل ذات أبعاد نفسية ولكنها طبيعية اذا لم تتجاوز حدودا معينة ويمكن تقسيمها الى عاملين:

1- نتيجة لدخول العديد من التقنيات الحديثة في صميم حياتنا من مواصلات واتصالات وإنترنت وتلفزيون وصحف ومجلات وكتب وغيرها فإنها قد ساهمت في زيادة مساحة التماس والاحتكاك المذهبي بين السنة والشيعة. وهذا ساهم بدورة في زيادة نسبة التحول المذهبي سواء من التشيع الى التسنن أو من التسنن إلى التشيع. ونتيجة لاختلال ميزان التحول المذهبي لصالح الشيعة وبشكل ملفت ولأسباب عديدة لسنا في مجال ذكرها فإن هذا قد ولد مشاعر عدم الرضى عند السنة. وهذه المشاعر طبيعية حيث أنها تختلج نفوس أتباع أي مذهب أو ديانة. وما يخرج هذه المشاعر من حدودها الطبيعية إلى حدودها غير الطبيعية هو تحولها إلى تصرفات هستيرية. وأبرز مثال على ذلك هو تلك التصريحات والدراسات التي تحذر من انتشار المذهب الشيعي وتدعوا الى فرض حظر على الفكر الشيعي وتشديد الحصار والرقابة على أتباعه حتى لا ينتشر مذهبهم. وهذة التحذيرات تصدر أحيانا بصيغ صريحة مثل التحذير من الاختراق الشيعي لمناطق أهل السنة والجماعة, من تمدد الأخطبوط الشيعي, من الهلال الشيعي, من تمدد نفوذ إيران في المنطقة, وأحيانا أخرى تصدر بصيغ مشفرة غاية في الإبهام بحيث يصعب على المنصفين رصدها في الوقت الذي يسهل على المتعصبين فهمها من أجل العمل على تنفيذها, وأبرز مثال على ذلك هو ما أعلن عنه مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك عبد الله قبل أيام عن تصدي المملكة للأخطار المحدقة ببعض الأقطار العربية والتي تهدد وحدتها الوطنية وتعرضها للهيمنة الخارجية و الإقليمية, وتستهدف تغيير تركيبتها الاجتماعية. والمقصود بالهيمنة الخارجية والاقليمية هي إيران, أما التهديد الذي يستهدف تغيير التركيبة الاجتماعية لهذة الدول فهو انتشار التشيع.

2- عندما تتعود اي جماعة انسانية على امتيازات معينة على حساب جماعة أنسانية أخرى تشاركها العيش في نفس المحيط فإنه يصعب على تلك الجماعة قبول التنازل فجأة عن تلك الامتيازات حتى ولو كان ذلك من مقتضيات المساواة والعدالة. لذلك نلاحظ معارضة شعبية لنيل الشيعة حقوقهم ومساواتهم بغيرهم من المذاهب سواء في الدول التي يمثل الشيعة فيها الاقلية او الاغلبية. وهذة الممانعة هي نتيجة لمشاعر طبيعية ويمكن تجاوزها بمنح الشيعة حقوقهم بصورة تدريجية. وما يخرج هذة الممانعة من حدودها الطبيعية الى حدودها المرضية هو تحولها الى عقدة نفسية ترفض تقبل إعطاء الآخر أي حقوق حتى في أضيق الحدود. وابرز مثال على ذلك هو امتعاض البعض من وقف حرب صعدة نتيجة لعقد نفسية ترفض وجود الاخر.

الجزء الثالث

من الأسباب المهمة التي ساعدت على انتشار ظاهرة الشيعة فوبيا هو الخلل المعرفي في ثقافة المواطن العربي حول الشيعة وايران. والخلل المعرفي هو نتيجة لندرة المعلومات الصحيحة حول الشيعة في مقابل انتشار الكثير من المغالطات حولهم والتي اصبحت من المسلمات في أذهان الغالبية الساحقة من العرب ويتم تداولها وكأنها حقائق غير قابلة للنقض بالإضافة إلى شيوع منهج انتقائي في تقييم الشيعة. وسوف اقتصر هنا على تناول المغالطات السياسية والحقوقية واتجنب مناقشة المغالطات العقائدية لانها تحتاج الى اطالة.

بعض المغالطات حول الشيعة وايران.

1- الادعاء بأن طهران هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها جامع واحد لأهل السنة. وقد حيكت حول هذا الموضوع الكثير من القصص الخيالية والتي يتم تداولها كمسلمات. كالقول بان اهل السنة لا يجدون مكانا في طهران لصلاة الجمعة الا السفارة السعودية والباكستانية إلى أن منعتهم الحكومة الايرانية من ذلك. والقول بأن المرجع الشيعي المعروف مصباح اليزدي وفي معرض رده عن سؤال حول سبب امتناع الحكومة الإيرانية السماح ببناء مسجد لاهل السنة في طهران اجاب قائلا: متى سمح لنا ببناء حسينية في مكة عند إذ سوف يسمح لهم ببناء مسجد في طهران. وكل هذة الادعائات لاساس لها من الصحة لانه يوجد في طهران عشرات الجوامع السنية كما يوجد فيها العديد من المدارس الدينية السنية. ومن الطريف ان هذة التهمة تصح على البلدان العربية التي ترفض السماح ببناء مساجد شيعية سواء في عواصمها او في القرى الصغيرة في الوقت الذي تسمح فيه ببناء الكنائس كما هو الحال عندنا في اليمن.

2- اصبح ما يسمى بالمشروع الصفوي من المسلمات في اذهان الكثيرين رغم عدم توفر اي دليل مادي أو نظري يثبت وجوده. فنحن عندما نتحدث عن الصهيونية مثلا فإننا نتحدث عن تنظيم له مقرات ومؤسسين واعضاء وبرامج ومنظرين, ونفس الشيئ ينطبق على الماسونية رغم انها تنظيم يشوبة الكثير من الغموض. كما اننا لم نسمع الى حد الان عن أي تنظيم أو أي شخصية تتبنى الصفوية في الوقت الذي بدأنا نسمع فيه عن تبني الكثير من التنظيمات والشخصيات المتطرفة قضية مواجهة الصفوية. يضاف الى ذلك ان مدعي وجود الصفوية لا يملكون تعريف محدد لمصطلح الصفوية. لذلك فاننا نلاحظ وجود فوضى واضطراب منهجي عند استعمال مصطلح الصفوية. ومن طرائف هذة الفوضى هو ترويج البعض لمفهوم جديد يقسم الشيعة الى قسمين متصارعين. شيعة صفوية وابرز ممثليه الخامنئي والسيستاني وشيعة عرب وابرز ممثلية محمد حسين فضل الله. وقد سُأل فضل الله عن هذا فأجاب بأن الصفوية لا وجود لها في الوقع. قد يقول البعض ان الصفوية مصطلح يعبر عن المشروع الخارجي للثورة الاسلامية في ايران. اقول ان المشروع الخارجي للثورة الاسلامية في ايران موجود وبشكل واضح في ادبيات قادة الثورة ودستورها ويتحكم في سياسة ايران الداخلية والخارجية وهذا مالا تنكرة الحكومة الايرانية او تخفية. ولكني أتساءل لماذا لا يتم دراسة ونقد المشروع الايراني من خلال ادبيات الثورة ودستورها و من خلال سياسة حكومة ايرن الداخلية والخارجية بدون الحاجة الى استحضار مصطلحلات ومفاهيم اسطورية. كما اتسائل عن القيمة المعرفية التي نحصل عليها بمجرد الاكتفاء بإطلاق مصطلح الصفوية على مشروع الثورة الإسلامية وكأنه يفسر كل جوانبها وابعادها. اعتقد ان سبب تهرب مناهضي الثورة الاسلامية من مناقشتها بمنهج علمي واقعي يعود لقوة منهج الثورة في مقابل ضعف حجتهم. ولإيضاح ذلك سوف اقدم دراسة نقدية مختصرة حول المشروع الخارجي للثورة الاسلامية في ايران.

يمكن تلخيص المشروع الخارجي للثورة الاسلامية في ثلاثة مبادئ.

المبدأ الأول :

تحقيق الوحدة الإسلامية على أساس القواسم المشتركة وفي اطار الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية لا في إطار وحدة المذهب. تقول المادة الحادية عشر من الدستور الإيراني: (بحكم الآية الكريمة ]إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون[، يعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية فـي العالم الإسلامي. ). وفي سبيل تحقيق هذا الهدف اسست ايران المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية وفي نفس السياق تم تاسيس جامعة المذاهب في ايران, وهي تدرس العلوم الاسلامية حسب اراء كافة المذاهب الاسلامية, ويُدرس فيها اساتذة من مختلف الطوائف الاسلامية, وتستقبل طلابها من مختلف دول العالم الاسلامي ومن مختلف المذاهب, ويتميز خريجيها بإلمامهم الكامل بآراء كافة المذاهب الإسلامية رغم احتفاظ كل طالب بمذهبه. وهذة الجامعة فريدة من نوعها حيث لا يوجد لها مثيل في العالم الاسلامي كله. وفي نفس السياق تقدمت الحكومة الايرانية في يونيوا 2007عبر سفارتها في مصر بطلب رسمي لشيخ الأزهر بإنشاء فرع لجامعة الأزهر في إيران للتقريب بين المذهب السني والشيعي, وكذلك السماح للطلبة الشيعة بالدراسة في جامعة الأزهر وكذلك بالسماح لعدد من اساتذة الازهر بالتدريس في جامعات إيران والسماح لأساتذة الجامعات الإيرانية بالتدريس في جامعة الازهر. أن هذا الانفتاح المذهبي لإيران لا نجد له مثيل في بقية الدول الاسلامية. فنحن لا نتوقع أن تسمح الحكومة اليمنية بإنشاء مدرسة لتدريس المذهب الشيعي, أو أن تسمح جامعة الإيمان السلفية لأساتذة شيعة بالتدريس فيها.

المبدأ الثاني:

في مشروع إيران الخارجي هو نصرة المستضعفين في الارض ضد المستكبرين بغض النظر عن قوميتهم أو ديانتهم. حيث تقول المادة رقم (154) : (تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان فـي المجتمع البشري كله قضية مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية، وإقامة حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الناس فـي أرجاء العالم كافة، وعليه فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين فـي أية نقطة من العالم، وفـي الوقت نفسه لا تتدخل فـي الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى ).وانطلاقا من هذا الالتزام الأخلاقي لنصرة المستضعفين كانت إيران في مقدمة الداعمين لنضال السود في جنوب افريقيا ضد نظام التفرقة العنصرية.

المبدأ الثالث:

في مشروع إيران الخارجي هو تحرير فلسطين وهذا يقع ضمن اهداف الثورة الإسلامية في إيران.

من ما تقدم نستشف أن مشروع إيران الخارجي يتمثل في تحقيق الوحدة الإسلامية في إطار وحدة الموقف لا في اطار وحدة المذهب, وفي نصرة المستضعفين ضد المستكبرين, وفي تحرير فلسطين. ولأن المعادين لإيران لا يستطيعون النيل من هذا المشروع الأخلاقي لذا يلجئون إلى اختراع أسماء ومفاهيم أسطورية بعيدة عن الواقع ويحاكموا مشروعها من خلاله حتى يتمكنوا من تشويهه. ولهذا الغرض اخترعوا ما يسمى بالصفوية رغم أن هذا المفهوم ليس له وجود في أدبيات الثورة الاسلامية.

3- الادعاء بأن الدستور الإيراني قد أقصى أهل السنة حيث يتم تداول الجزء الاول من المادة (12) من الدستور الايراني التي تقول: ‘ الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب هو المذهب الجعفري الاثنى عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير.’. ويتم تجاهل بقية نفس المادة حيث تقول: ‘ وأما المذاهب الإسلامية الأخرى والتي تضم المذهب الحنفـي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل، واتباع هذه المذاهب أحرار فـي أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي فـي مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والإرث والوصية) وما يتعلق بها من دعاوى فـي المحاكم. وفـي كل منطقة يتمتع أتباع أحد المذاهب بأكثرية، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة – فـي حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية – تكون وفق ذلك المذهب، هذا مع الحفاظ على حقوق اتباع المذاهب الأخرى. ‘.

4- الادعاء بعدم وجود ممثل واحد لاهل السنة في مجلس الشورى في ايران بينما يوجد ممثلين لليهود والمسيحيين والزاردشتيين. وهذا الادعاء غير صحيح حيث ان متوسط عدد النواب السنه في مجلس الشورى يصل الى عشرين نائبا وذلك حسب نتائج كل دورة انتخابية.

5- الادعاء بأن القومية الفارسية تضطهد بقية القوميات في ايران ويستدل على ذلك بذكر الجزء الأول من المادة رقم (15) من الدستور الايراني والتي تعتبر أن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية للدولة ويتم تجاهل بقية المادة. ونص المادة كاملة هو: ‘لغة الكتابة الرسمية والمشتركة هي الفارسية لشعب ايران فيجب ان تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب الدراسية بهذة اللغة والكتابة, ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الاخرى في مجال الصحافة ووسائل الإعلام العامة وتدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية’. وبخصوص اللغة العربية فأن الدستور ينص على وجوب تدريسها حيث نصت المادة (16) ‘ بما ان لغة القران والعلوم والمعارف الاسلامية العربية, وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل لذا يجب تدريس هذة اللغة بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية في جميع الصفوف والاختصاصات الدراسية’.

6- الادعاء بتعمد المسؤلين الإيرانيين ومراجع الشيعة الإساءة لرموز أهل السنة وخصوصا الخلفاء الثلاثة وعائشة زوجة الرسول بدافع إذلال أهل السنة في ايران. وقد حيكت الكثير من القصص الخيالية حول تلك المزاعم وتُتداول كمسلمات. مثل لادعاء بأن رفسنجاني عند زيارته لمقام الرسول بالمدينة بصق على قبر ابي بكر وعمر. ومثل هذة الادعاءات لا أساس لها من الصحة. حيث ان الحكومة الايرانية تتعامل بحزم مع مثل هذة القضيا نظرا لحساسيتها. وعلى سبيل المثال حصل خطأ مطبعي في الأول من فبراير 2007 في صحيفة ‘سياسة روز’ الايرانية حيث ورد اسم عمر ابن الخطاب خطئ في موضوع يتحدث عن شخصية أخرى. ورغم أن الصحيفة اعتذرت في اليوم الثاني عن الخطئ المطبعي الا ان مجلس الرقابة قرر حظر الصحيفة واحالتها الى المحكمة. وعلى اثر ذلك اصدر خمسة أعضاء من البرلمانيين السنة بيانا يقول: ما كان يتعين حظر الصحيفة لأنها أوضحت خطأها على الفور.

اعتماد أسلوب معرفي انتقائي في دراسة وتقييم الشيعة.

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تصيد اخطاء بعض المنتمين للمذهب الشيعي الأحياء منهم والأموات وذلك في إطار ما يمكن تسميته بتسجيل النقاط. ومصادر هذه الأخطاء إما اجتهادات شاذة لبعض مشائخ الشيعة او زلات لسان او خطأ في التعبير عن المعنى المراد أو أقوال صادرة من شخصيات شيعية تعاني من اختلالات نفسية وعقلية أو من شخصيات جاهلة غير مسئولة. وبسبب التطور التكنولجي أصبح من السهل الترويج لهذة الأخطاء في كل مكان و بالصوت والصورة. وهذة الأخطاء المنتقاة مضافا إليها المغالطات التي أشرنا إليها سابقا أصبحت هي المصدر المعرفي الرئيسي حول الشيعة في ظل الحصار المفروض على الكتب الشيعية في معظم البلدان العربية.

خاتمة:

لقد ركزت في هذة الدراسة على الجوانب السياسية والنفسية والحقوقية في دراسة ظاهرة الشيعة فوبيا. ومن اجل إثراء هذه الدراسة سوف أتناول لاحقا عددا من المواضيع التاريخية والعقائدية حتى يصل القارئ إلى فهم أشمل حول موضوع الشيعة, حيث سأتناول القضايا التالية: سقوط بغداد بيد المغول, عبد الله ابن سبأ, صلاح الدين والفاطميين, تحريف القرآن, موقف المدرستين من الصحابة. وأتمنى أن تفتح هذه الدراسة الباب لنقاش موضوعي حول الشيعة بعيدا عن العصبية والاحكام المسبقة.

والله من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *