الكاتب : حامد العطية
قيل إن خليفة داعش مخنث، خبر مسرب من مصادر أمريكية، والله أعلم، سارع البعض لنشره، بهدف السخرية والتشفي من الإرهابيين، ولنفترض صحة الخبر، فهذا يعني أن مجموعة من شذاذ الأفاق برئاسة مخنث نجحوا في السيطرة على ثلث العراق خلال أيام قليلة، مجبرين الألاف من الفحول المدججين بالسلاح على الفرار أو الاستسلام.
ذكرني الخبر بقصة النجفي الهارب من الفأرة، في ذلك الزمن كما اليوم يحلم القرويون بسكنى المدينة، ولا يقصد الحضريون القرى إلا لزيارة أقاربهم، أيام معدودات ثم يعودون لمدينتهم، إلا تلك العائلة النجفية، حضروا بكامل العدد، ليقضوا مدة غير محددة، في ضيافة أقاربهم في ريف الشامية، كان رب العائلة النجفية حزيناً، لا يمل من ترداد بيت شعر بالعامية: (جابتنا الفأرة تطف بينا لولا جريذي قطع تالينا) ومعنى البيت لمن لا يعرف لغة أهل الجنوب كما يلي: طاردتنا الفأرة ولو كان جرذاً لقضى علينا، وبالطبع لم تكن فأرة عادية، فقد كانت تحمل جرثومة الطاعون، وهرب النجفي وعائلته إلى ريف الشامية خوفاً من الإصابة بالعدوى.
كلما تذكرت هذه القصة خطر ببالي نجفي آخر، هو أبو محمد، تعرفت عليه أثناء عملي في السعودية قبل سنين، هرب والد زوجته القبلي من جنوب العراق ولجأ لحمى آل سعود، فجمع بين النقيضين: التشيع والولاء لآل سعود. التقيت بأبي محمد مرات قليلة، فهو يفضل لعب الدومينو مع شلة من العراقيين اللاهين، سألته يوماً وقد أغضبني خبر تفجير طائفي آخر أودى بحياة عدد من شيعة العراق: لماذا لا يتصدى الشيعة لهؤلاء الإرهابيين في عقر دارهم؟ أجابني أبو محمد: لا نقدر عليهم، هؤلاء القوم يطلقون النار من بنادقهم وهم على صهوات جيادهم.
في السعودية أيضاً سخط علي أحد النجفيين، يحمل شهادة دكتوراه من أمريكا، استاء لأني اخبرت سعودي (شيعي أيضاً) بأنه شيعي من النجف، لم اكن أعرف بأنه يخفي مذهبه، درس هو والسعودي في نفس الجامعة الأمريكية، أخبرني السعودي: صاحبنا النجفي كان يخفي تشيعه عنا في أمريكا، يصلي مع السعوديين ويتظاهر بأنه على مذهبهم.
لي قريب، أبعده الله، يسكن في بغداد، منذ اشتداد الإرهاب صار يتردد على مسجد للسنة، يؤكد بأنه لم يغير مذهبه، والتقية في حالته غير مقبولة، وهو بالمناسبة ليس من النجف لكن أباه المعتوه مولود في ريف الشامية، الذي لا يبعد كثيراً عن النجف، بالأمس القريب وثقت به فخان الأمانة.
أتعرفون ما هي أسوء كوابيس النهار التي توحيها لي هذه الروايات؟ أن يهجم علينا جرذ مخنث مصاب بالوباء التكفيري، يرتدي عمامة خليفة وزياً أفغانياً، يطلق النار من بندقيته، وهو راكب على فرسه العربية الأصيلة.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)