شبكة الساعة
يطرح مصير تواجد القوات الأمريكية في العراق بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الكثير من التساؤلات عن جدية واشنطن في سحب القوات العسكرية كما ترغب الحكومة العراقية.
وعلى الرغم من إعلان حكومة السوداني مؤخرا انتهاء المفاوضات مع واشنطن والاتفاق على آلية لسحب قوات التحالف الدولي، إلا أن البنتاغون لم يؤكد تلك المعلومات لغاية الآن.
وتصاعدت الشكوك العراقية بشأن تنفيذ واشنطن لاتفاق الانسحاب لاسيما بعد وصول ترامب إلى الرئاسة مجددا، خاصة وأنه خلال فترة رئاسته السابقة كان يرفض موضوع الانسحاب العسكري من العراق.
وما يزيد من تلك المخاوف، التوتر والصراع الذي تشهده المنطقة على خلفية الصراع الدائر بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس في غزة وحزب الله جنوب لبنان والتصعيد مع الفصائل العراقية القريبة من إيران وجماعة الحوثي في اليمن، ودخول إيران في الصدام المباشر مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث تشير التوقعات إلى أن إدارة ترامب ستكون أكثر دعماً للكيان الإسرائيلي في الحرب الدائرة حالياً.
الحكومة تؤكد الانسحاب
وتؤكد الحكومة العراقية أنها توصلت إلى اتفاق مع واشنطن لسحب القوات الأمريكية من العراق بشكل جزئي في أيلول من العام المقبل، على أن يتم إكمال الانسحاب نهاية العام 2026.
وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: إن “العراق تقدم خطوة مهمة لحسم ملف بقاء قوات التحالف الدولي في العراق وإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة”، مؤكدا أن “الانسحاب الأمريكي العسكري سيكون في الموعد الذي تم الاتفاق عليه نهاية 2026 لاسيما بعد انتفاء الحاجة لتلك القوات التي ساهمت في دعم القوات العراقية في تحقيق النصر على تنظيم داعش”.
وأكد المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي أن وصول الرئيس ترامب إلى الرئاسة الأمريكية لن يؤثر على الاتفاق الحاصل بين بغداد وواشنطن على سحب القوات الأمريكية وإنهاء مهام التحالف الدولي نهاية العام 2026.
وقال العوادي في تصريح صحفي تابعته شبكة “الساعة”: إن “العراق يرتبط بالولايات المتحدة بعلاقة شراكة استراتيجية مبنية على 6 أساسات أبرزها اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين”.
وأضاف أن “العراق وبصفته حليفا مهما للولايات المتحدة يتطلع إلى المزيد من العلاقات الثنائية الإيجابية بين البلدين في المرحلة المقبلة وهو ما أكده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال الاتصال الهاتفي مع الرئيس ترامب”.
وأكد العوادي أن “العراق لديه اتفاق مع الولايات المتحدة باسم (إنهاء مهمة التحالف الدولي المشترك) والذي بني على أساس لجنة رفيعة من البلدين وعقدت اجتماعات عدة العام الحالي وتوصلت إلى قرار الانسحاب المرضي للعراق والولايات المتحدة”، مشددا على أن “الاتفاق على قرار الانسحاب كان بعيدا عن أي تطورات سياسية داخلية أو إقليمية أو دولية وبعيدا عن أي ضغوطات أو ظروف”.
وأشار العوادي إلى أن “الاتفاق مع الجانب الأمريكي تضمن أن يكون الانسحاب العسكري للقوات الامريكية وغير الأمريكية المنضوية في التحالف الدولي على مرحلتين، الأولى تكون في أيلول/ سبتمبر العام المقبل، والثانية تكون في أيلول/ سبتمبر عام 2026 والتي من خلالها ستنتهي مهام التحالف الدولي في العراق”.
لا وضوح في الموقف الأمريكي
وفي أيلول/ سبتمبر السابق قال تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية: إن “واشنطن وبغداد توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأمريكية والقوات الأجنبية الأخرى من العراق بحلول نهاية عام 2026”.
وذكر التقرير الأمريكي أن “مئات القوات الأمريكية وقوات التحالف المتمركزة في بغداد وغرب العراق وأجزاء أخرى من البلاد ستغادر بحلول أيلول/ سبتمبر المقبل أي خلال عام، يليها سحب القوات الموجودة في أربيل بحلول نهاية العام التالي”.
ونقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين أن “الخطوط العريضة لخطة الانسحاب اكتملت لكن بعض التفاصيل النهائية لا تزال بحاجة إلى تسوية، خاصة مع أعضاء آخرين في التحالف الدولي”.
لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إنه “حتى بعد عام 2026 من المرجح أن تظل قوة أمريكية صغيرة بصفة استشارية للدعم اللوجستي للقوات الأمريكية المتمركزة في سوريا بموجب اتفاقية أمنية ثنائية جديدة مع العراق”.
بالتزامن مع ذلك أعلن مسؤول في البنتاغون أن “الولايات المتحدة على علم بالتقارير التي ظهرت في وسائل الإعلام بشأن الخطط المحتملة لسحب القوات الأمريكية من العراق، لكن الولايات المتحدة ليست مستعدة بعد للإعلان عن أي مواعيد محددة”.
آراء متباينة بشأن الانسحاب
وبالرغم من التأكيد العراقي على انسحاب القوات الأمريكية في المواعيد المحددة في الاتفاق الأخير بين بغداد وواشنطن، إلا أن آراء المراقبين للشأن العراقي تباينت بين داعم لفكرة الانسحاب ومشكك بها.
المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية عصام الفيلي استبعد حصول الانسحاب الأمريكي في الفترة المقبلة.
وقال الفيلي في تصريح لشبكة “الساعة”: إن “القوات الأمريكية في ظل إدارة ترامب لن تنسحب من العراق”، مبيناً أن “القوات ستبقى وفقا للاتفاقية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة”.
وأضاف أن “ترامب أكد في أكثر من مناسبة رفضه لسحب القوات العسكرية من العراق، كما أنه هدد بأن الانسحاب يعني فرض مبالغ مالية كبيرة على العراق تصل لـ 7 تريليونات دولار، وهي تكلفة احتلال العراق عام 2003 وما ترتب على ذلك”.
وفي العام 2020، أكد الرئيس ترامب رفضه لسحب القوات الأمريكية من العراق، لكنه قال “إذا أرادت الحكومة العراقية سحب قواتنا من العراق فعليها أن تدفع تكاليف الوجود الأمريكي الذي يقدر بمليارات الدولارات”، فيما لوح إلى أن “عشرات مليارات الدولارات من الأموال العراقية في قبضة واشنطن”.
بالمقابل، رجح الباحث والمحلل السياسي حيدر الموسوي توجه واشنطن لسحب قواتها العسكرية من العراق خلال العامين المقبلين وفقا لما تم الاتفاق عليه مؤخرا بين بغداد وواشطن.
وقال الموسوي في حديث لشبكة “الساعة”: إن “الوجود العسكري الأمريكي في العراق بات اليوم يرتبط بالاتفاق المبرم بين الجانبين والذي ينص على سحب القوات خلال العامين المقبلين”.
وأضاف أن “موضوع سحب القوات الأمريكية يرتبط بالسياسة الخارجية الأمريكية أكثر من ارتباطه بتغيير الإدارات في البيت الأبيض”.
وأوضح أن “ترامب دائما ما يؤكد على خطأ قرار الحرب على العراق وأن وجود الجيش الأمريكي يكلف الكثير من الناحيتين المادية والبشرية، وأنه لا جدوى من بقاء تلك القوات في العراق”، مؤكدا أنه “بناء على ذلك فأن ترامب سيدفع نحو إنهاء التواجد العسكري في مناطق وسط وغرب العراق، فيما رجح إبقاء قوات عسكرية في إقليم كردستان خلال المرحلة المقبلة”.
الانسحاب العسكري من المنطقة
وبالحديث عن سحب القوات الأمريكية من المنطقة، أكد وبرت أف كندي جونيور المرشح السابق للرئاسة الأمريكية والداعم لدونالد ترامب فيها أن الرئيس يعتزم سحب القوات الأميركية من الشمال السوري.
وقال كندي إن “الرئيس المنتخب يريد سحب القوات الأميركية من شمال سوريا بدلاً من تركها وقوداً للمدافع إذا اندلع قتال بين تركيا والمسلحين الأكراد”، دون أن يتحدث عن الانسحاب الأمريكي من العراق.
في الأثناء قال المستشار السياسي للحزب الجمهوري سهيل خان أن ترامب كان واضحا في حملته عندما قال إنه يريد جيشا أميركيا قويا يحافظ على مصالح الولايات المتحدة ويحمي أراضيها.
وأضاف أن “ترامب حذر ولا يرغب في تعريض القوات الأميركية للخطر كما حدث سابقا في العراق وفيتنام وافغانستان، وأن الظروف الحالية لا تستوجب بقاء الجيش الأميركي في المنطقة”، مشيراً إلى أن “ترامب في نهاية المطاف يرغب بسحب القوات من الشرق الأوسط ولكن ليس بتسرع كما حدث في أفغانستان بل سيضع جدولا زمنيا وسيتوخى الحذر في ذلك مع التأكيد على حماية المجتمعات المحلية في دول المنطقة”.
غير أن العضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، الفين دارك: استبعد أن “يقوم ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا”، مشيرا إلى “تجارب سابقة لترامب عندما تحدث عن أمور عديدة لكنها كانت مجرد كلام ولم تترجم إلى قرارات”، بحسب تعبيره.
ويوجد حوالي 2500 عسكري أمريكي في العراق في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، كما ينتشر في البلاد مئات العسكريين من دول أخرى، أغلبها أوروبية.
وتعرضت القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة من قبل فصائل مسلحة في العراق وسوريا، على خلفية الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها على غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
يشار إلى أن البرلمان العراقي صدق عام 2020 على مشروع قانون يطالب الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب القوات الأميركية من العراق، وذلك عقب اغتيال القوات الأميركية لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد.