ديسمبر 3, 2024
3906bcb97

الكاتب : فاضل حسن شريف

جاء في موقع اسلام ويب عن لفظ (الأمة) في القرآن الكريم: ولفظ (الأمة) في اللغة يعني: كل جماعة يجمعهم أمر ما؛ إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد؛ وبتعبير آخر لفظ (الأمة) يعني: الجيل والجنس من كل حيٍّ. ويُجمع هذا اللفظ على (أمم). قال صاحب “اللسان” ما معناه: كل مشتقات هذه المادة ترجع إلى معنى (القصد)، ولا يخرج شيء منها عن ذلك. ثم إن لفظ (الأمة) في القرآن ورد على سبعة معان: أحدها: الجماعة من الناس، وهو الاستعمال الغالب في القرآن، من ذلك قوله تعالى: “تلك أمة قد خلت لها” (البقرة 141)، أي: الجماعة من الناس؛ ومثله قوله سبحانه: “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير” (آل عمران 104). ثانيها: الشريعة والطريقة والمنهج، وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: “إنا وجدنا آباءنا على أمة” (الزخرف 22)، أي: على طريقة ومنهج من الدين، نحن سائرون عليه، لا نحيد عنه. ثالثها: الرجل المقتدى به في كل شي، ومنه قوله سبحانه: “إن إبراهيم كان أمة” (إبراهيم 120)، أي: كان إماماً وقدوة للناس، يهتدون بهديه، ويقتدون بنهجه. رابعها: الفترة من الزمن، ومنه قوله تعالى: “وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة” (يوسف 45)، أي: بعد فترة من الزمن، وعلى هذا المعنى قوله تعالى أيضاً: “ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة” (هود 8)، أي: إلى أجل معلوم. خامسها: الخلق عموماً، من إنسان وغيره، وعلى هذا المعنى جاء قوله سبحانه: “وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم” (الأنعام 38)، يعني: خلقاً مثلكم. سادسها: أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الإسلام خاصة، وعليه قوله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس” (البقرة 110)، أي: الأمة المسلمة؛ ومنه قوله سبحانه: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا” (البقرة 143)، يعني: المسلمين خاصة. سابعها: الكفار خاصة، ومنه قوله سبحانه: “كذلك أرسلناك في أمة” (الرعد 30)، يعني: الكفار. والذي ينبغي استحضاره في هذا السياق، أن اللفظ هنا ليس بحد ذاته هو الذي يحدد المعنى، وإنما يشاركه في ذلك السياق، فيتعاونان معاً لتوضيح المراد والمقصود من النص القرآني.

عن  تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز من قائل “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ” ﴿البقرة 143﴾ بين سبحانه فضل هذه الأمة على سائر الأمم فقال سبحانه “وكذلك جعلناكم أمة وسطا” وقد ذكرنا وجه تعلق الكاف المضاف إلى ذلك بما تقدم أخبر عز اسمه أنه جعل أمة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم عدلا وواسطة بين الرسول والناس ومتى قيل إذا كان في الأمة من ليس هذه صفته فكيف وصف جماعتهم بذلك فالجواب أن المراد به من كان بتلك الصفة ولأن كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم. وروي بريد بن معاوية العجلي عن الباقر عليه السلام نحن الأمة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه وفي رواية أخرى قال إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصر وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن علي عليه السلام أن الله تعالى إيانا عنى بقوله “لتكونوا شهداء على الناس” فرسول الله شاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه ونحن الذين قال الله تعالى “كذلك جعلناكم أمة وسطا”. وقوله “لتكونوا شهداء على الناس” فيه ثلاثة أقوال (أحدها) أن المعنى لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا وفي الآخرة كما قال وجيء بالنبيين والشهداء وقال ويوم يقوم الأشهاد وقال ابن زيد الأشهاد أربعة الملائكة والأنبياء وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم والجوارح كما قال يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم الآية (والثاني) أن المعنى لتكونوا حجة على الناس فتبينوا لهم الحق والدين ويكون الرسول عليكم شهيدا مؤديا للدين إليكم وسمي الشاهد شاهدا لأنه يبين ولذلك يقال للشهادة بينة (والثالث) أنهم يشهدون للأنبياء على أممهم المكذبين لهم بأنهم قد بلغوا وجاز ذلك لإعلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياهم بذلك.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ” ﴿البقرة 143﴾ قوله تعالى: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”، الظاهر أن المراد كما سنحول القبلة لكم لنهديكم إلى صراط مستقيم كذلك جعلناكم أمة وسطا، وقيل إن المعنى ومثل هذا الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا وهوكما ترى، وأما المراد بكونهم أمة وسطا شهداء على الناس فالوسط هو المتخلل بين الطرفين لا إلى هذا الطرف ولا إلى ذاك الطرف، وهذه الأمة بالنسبة إلى الناس وهم أهل الكتاب والمشركون على هذا الوصف فإن بعضهم وهم المشركون والوثنيون إلى تقوية جانب الجسم محضا لا يريدون إلا الحياة الدنيا والاستكمال بملاذها وزخارفها وزينتها، لا يرجون بعثا ولا نشورا، ولا يعبئون بشيء من الفضائل المعنوية والروحية، وبعضهم كالنصارى إلى تقوية جانب الروح لا يدعون إلا إلى الرهبانية ورفض الكمالات الجسمية التي أظهرها الله تعالى في مظاهر هذه النشأة المادية لتكون ذريعة كاملة إلى نيل ما خلق لأجله الإنسان، فهؤلاء أصحاب الروح أبطلوا النتيجة بإبطال سببها وأولئك أصحاب الجسم أبطلوا النتيجة بالوقوف على سببها والجمود عليها، لكن الله سبحانه جعل هذه الأمة وسطا بأن جعل لهم دينا يهدي منتحليه إلى سواء الطريق وسط الطرفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء بل يقوي كلا من الجانبين جانب الجسم وجانب الروح على ما يليق به ويندب إلى جمع الفضيلتين فإن الإنسان مجموع الروح والجسم لا روح محضا ولا جسم محضا، ومحتاج في حياته السعيدة إلى جمع كلا الكمالين والسعادتين المادية والمعنوية، فهذه الأمة هي الوسط العدل الذي به يقاس ويوزن كل من طرفي الإفراط والتفريط فهي الشهيدة على سائر الناس الواقعة في الأطراف والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو المثال الأكمل من هذه الأمة هو شهيد على نفس الأمة فهو صلى الله عليه وآله وسلم ميزان يوزن به حال الآحاد من الأمة، والأمة ميزان يوزن به حال الناس ومرجع يرجع إليه طرفا الإفراط والتفريط، هذا ما قرره بعض المفسرين في معنى الآية، وهو في نفسه معنى صحيح لا يخلو عن دقة إلا أنه غير منطبق على لفظ الآية فإن كون الأمة وسطا إنما يصحح كونها مرجعا يرجع إليه الطرفان، وميزانا يوزن به الجانبان لا كونها شاهدة تشهد على الطرفين، أو يشاهد الطرفين، فلا تناسب بين الوسطية بذاك المعنى والشهادة وهو ظاهر، على أنه لا وجه حينئذ للتعرض بكون رسول الله شهيدا على الأمة إذ لا يترتب شهادة الرسول على الأمة على جعل الأمة وسطا، كما يترتب الغاية على المغيي والغرض على ذيه. على أن هذه الشهادة المذكورة في الآية، حقيقة من الحقائق القرآنية تكرر ذكرها في كلامه سبحانه، واللائح من موارد ذكرها معنى غير هذا المعنى، قال تعالى ” فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا” (النساء 41)، وقال تعالى “وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ” (النحل 84)  وقال تعالى “وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ” (الزمر 69)، والشهادة فيها مطلقة، وظاهر الجميع على إطلاقها هو الشهادة على أعمال الأمم، وعلى تبليغ الرسل أيضا، كما يومىء إليه قوله تعالى ” فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ” (الأعراف: 6)، وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة يوم القيامة لكن تحملها في الدنيا على ما يعطيه قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام “وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” (المائدة 117) وقوله تعالى “وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” (النساء: 159)، ومن الواضح أن هذه الحواس العادية التي فينا، والقوى المتعلقة بها منا لا تتحمل إلا صور الأفعال والأعمال فقط، وذلك التحمل أيضا إنما يكون في شيء يكون موجودا حاضرا عند الحس لا معدوما ولا غائبا عنه وأما حقائق الأعمال والمعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران، وبالجملة كل خفي عن الحس ومستبطن عند الإنسان – وهي التي تكسب القلوب، وعليه يدور حساب رب العالمين يوم تبلى السرائر كما قال تعالى “وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ” (البقرة: 225) فهي مما ليس في وسع الإنسان إحصاؤها والإحاطة بها وتشخيصها من الحاضرين فضلا عن الغائبين إلا رجل يتولى الله أمره ويكشف ذلك له بيده، ويمكن أن يستفاد ذلك من قوله تعالى “وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (الزخرف: 86)، فإن عيسى داخل في المستثنى في هذه الآية قطعا – وقد شهد الله تعالى في حقه بأنه من الشهداء – كما مر في الآيتين السابقتين، فهو شهيد بالحق وعالم بالحقيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *