الكاتب : حسين الزيادي
أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً يقضي بتشكيل لجنة من رئاسة ديوان الرئاسة، والمالية، والأوقاف يتقصى أعداد المدارس الدينية في محافظتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة؛ لمصادرتها، وتحويل جهة عائديتها إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وكان للمدرسة المهدية في كربلاء المقدسة نصيب من المصادرة، والمهدية هي إحدى الصروح العلمية التي رفدت الثقافة الإسلامية والإنسانية بالعلوم الدينية والإنسانية، وكان لها أثر بارز ومتميز في إغناء الفكر الإسلامي، فقد صودرت هذه المدرسة بناءً على قرار رئيس الجمهورية بحسب قرار قيادة الثورة المرقم 253 في 20 / 2/ 1985م والمرفق طياً، علماً أن المدرسة هي ملكية موقوفة شيدها الشيخ مهدي ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء صاحب كتاب (كشف الغطاء) سنة 1867م، على غرار مدرسة مماثلة لها شيدها في النجف الأشرف، وتتألف هذه المدرسة من طابقين، ويسكنها طلبة العلوم فيها، بينهم من الدول الإسلامية، وقد أكد مجموعة من المعاصرين أن المدرسة من موقوفات الشيخ مهدي كاشف الغطاء، إلا أن النظام لم يأخذ بتلك الشهادات، واستمر الحال حتى سقوط النظام سنة 2003؛ إذ تم إعادة المدرسة لمالكها الأصلي بحسب الوثيقة المرفقة في نهاية المقال.
وقرار المصادرة المرفق طياً يتماشى مع موقف حزب البعث الذي كان شديد التوجس بإزاء المدارس الدينية في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، وهو أمر يمكن الاستدلال عليه من خلال كتاب (المدارس اليهودية والإيرانية) لمؤلفه (فاضل البراك)، وهو أحد أعمدة النظام الذي شغل مناصب حساسة؛ من بينها مدير الأمن العام، ومدير المخابرات في نظام البعث، إذ يقول ما نصه (إن اهتمام المشرفين على هذه المدارس كان منصبا على التعليم الديني من منطلق طائفي؛ لمواصلة النهج الذي اختطه الصفويون أثناء احتلالهم العراق في القرن السادس عشر للميلاد؛ بغية خلق الانقسامات المذهبية والخلاف بين أبناء الشعب الواحد؛ بهدف تمزيق صفوفه، وإحداث نعرات في أوساطه؛ لإخضاعه لمشيئة حكام إيران)(1).
ويضيف البراك قائلاً: (ذلك إن المذهب الشيعي لديه قابلية لمعاداة المذاهب الأخرى ومحاربتها، فهو لا يرضى بمن يزاحمه في الساحة، فكيف بمن يختلف معه في الأصول والفروع؟ واتفق مع تلك السمة أن اعتنق غالب الفرس هذا المذهب، وارتضوه دينا؛ خادعين أنفسهم بأنه أحد المذاهب الإسلامية، من خلال حب آل البيت، وموالاتهم، وبغض من حاربهم، ومنعهم حقهم، وظلمهم كما يزعمون)، وبطبيعة الحال فإن تصريح كهذا من شخص مقرب من رأس النظام يمثل انتهاكاً، وتعدياً، وتجنّياً واضحاً على شريحة سكانية واسعة تمثل أكثر من 65% من سكان العراق، وهو أمر لسنا بصدد بيانه في هذا المقال الذي خصص لتقييم قرارات نظام البعث الخاصة بمصادرة المدارس الدينية.
من الناحية القانونية وبحسب القانون المدني العراقي لا يمكن المساس بالعقار الموقوف وقفاً خيرياً، بعد وقفه، وتسجيله بأي تصرف آخر ينفي عنه صفة كونه عقاراً موقوفاً وقفاً خيرياً؛ لأن المالك بقيامه بوقف العقار وقفا خيريا مؤبدا قد أخرج الملك عنه إلى ملك الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز الرجوع عنه، ويتقدم حق الملكية جميع الحقوق الأساسية للفرد، فهو من الحقوق التي تتسم بقدسية دستورية عالية يجب حمايتها، وعدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، والوقفيات تبقى أعيانها بعد وفاة أصحابها، بحكم الوصايا الموثقة في دواوين القضاء، وقد فَطن المُشرع إلى ذلك في العديد من الدساتير، فحاول إحاطة الملكية الخاصة، والعقارات الموقوفة بحماية وضمانات عديدة، وحرص كل الحرص في أن يكفل لها أبلغ الحماية، ويمنع مصادرتها والتعدي عليها، والمصادرة التي طالت المدارس الدينية إبان حكم البعث تعد من أقسى أنواع المصادرة وأخطرها؛ لأنها تتعدى شخصية العقوبة، فهي تشمل
(1) فاضل البراك، المدارس اليهودية والإيرانية والعراقية، مطبعة دار الرشيد، بغداد، 1985.
حقوق الآخرين الذين لديهم الحق في الممتلكات المصادرة، ونقصد بذلك حقوق الطلبة الذين يتلقون العلوم في هذه المدارس.
وتأسيساً على ما تقدم فإن محاكمة قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 235 المرفق طياً يظهر أن عمل سلطة البعث يُعد تعسفاً وعَملاً غير دستوري، فضلاً عن كونه يتعارض مع المواثيق والأعراف الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان؛ لأن الأموال والأملاك المصادرة هي ثمرة جهد أصحابها، وهي تؤدي وظيفة اجتماعية – تعليمية تجمع بين مقومات التملك الممنوحة لصاحب المال، وحق المجتمع في أن يكون هذا التملك غير ضار به.
وإن ما فعله نظام البعث يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (17) التي نصت على أن لكلِّ فرد حقٌّ في التملُّك، ولا يجوز تجريد أحدٍ من مُلكه تعسفًا، كما أن نظام البعث خالف دستور 1968 الذي نصت المادة 17 منه على أن: الملكية الخاصة مصونة، أما دستور 1970 فقد نص صراحة في الباب الثاني المتعلق بالأسس الاجتماعية والاقتصادية للجمهورية العراقية ضمن المادة السادسة عشرة: أن الملكية الخاصة والحرية الاقتصادية الفردية، مكفولتان في حدود القانون، ولا تنزع الملكية الخاصة إلا لمقتضيات المصلحة العامة، ووفق تعويض عادل بحسب الأصول التي يحددها القانون.
أما قانون التسجيل العقاري لعام 1971 رقم 34 فقد قسم الموقوفات بحسب المادة (6) على: الموقوفات الصحيحة وهي التي كانت مملوكة، ثم أوقفت كما هو الحال بالنسبة للمدرسة المهدية، وهناك الموقوفات غير الصحيحة، وهي الأراضي الأميرية الصرفة، وهذه تعود رقبتها، وجميع حقوقها إلى الدولة.
المصادر
- عقيل حميد عبد الرضا، المدارس الدينية في كربلاء المقدسة، مجلة تراث كربلاء. المجلد الثامن، 2021.
- موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، ج 4/1.
- فاضل البراك، المدارس اليهودية والإيرانية والعراقية، مطبعة دار الرشيد، بغداد، 1985.
- إبراهيم إسماعيل، عدم المساس بحق الملكية دراسة قانونية، مجلة العلوم الإنسانية، المجلد الأول، العدد13،2012