نوفمبر 22, 2024
download (4)

الكاتب : حسين الزيادي

تميزت سنوات حكم نظام البعث في العراق ببروز ظاهرة عبادة هرم السلطة، ووصول هذا الأخير إلى مستويات مرتفعة من الغَطْرَسَة، والتَجَبُّر، والخُيَلاء والاستعلاء على الآخرين، وهناك صور ومشاهد عديدة لتكريس عبادة الفرد، بعضها من صنع الأجهزة المحيطة بالسلطة، وبعضها من صنع هرم النظام نفسه، نذكر منها على سبيل المثال: أسماءه التي بلغت (99) اسماً، في تحدٍّ صارخ للذات الإلهية، وغطرسة متعالية، وتشبيه وصاياه بالأحاديث النبوية، إذ يتم توثيقها في واجهات الصحف، والمجلّات، والكتب الرسمية، وفي بعض شعارات الأجهزة القمعية (فدائيي صدام) وضعت، الآية القرآنية (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ)، وكلّ هذه من الأمور، وغيرها كثير عززتها عوامل عدة؛ أبرزها ظواهر التزلف، والتقرب، والخوف، والطمع في المنصب، فضلاً عما تحتويه شخصية هرم السلطة من دوافع مكبوتة تميل للاستعلاء على الآخرين، وتأسيسا على ما تقدم وإمعاناً في عبادة الفرد ظهرت الملصقات، وبنيت الجداريات الضخمة على مداخل المدن، والدوائر، والمؤسسات الحكومية، والساحات، والشوارع الرئيسة والفرعية، وصرفت عليها أموال ضخمة، وأحيط بعضها بأسيجة حديدية، وهي لوحات فنية تظهر هرم السلطة بأوضاع وأزياء مختلفة، تتناسب مع طبيعة المنطقة، وعمقها الحضاري، وكان التعرّض لهذه الجداريات، أو مجرّد المساس بها، ولو سهواً يعرض صاحبها لعقوبة الإعدام.
  وكان تأمين الحماية لهذه الجداريات من الأمور التي احتلت مساحة واسعة من تفكير الأجهزة الأمنية وعملها، كما ورد على سبيل المثال في كتاب وزارة الداخلية، مديرية شؤون أفواج الدفاع الوطني ذي العدد/ (12503) بتاريخ 21 تشرين الأول 1990 الذي نص على: نرجو تأمين الحماية اللازمة للجداريات التي تحمل صور السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه، ضمن قاطع فوجكم، وإعلامنا إجراءاتكم، وفي تسعينيات القرن الماضي تشكلت لجنة مركزية مهمتها تنظيم جداريات رئيس النظام، كما ورد في كتاب ديوان الرئاسة ذي العدد (31761) بتاريخ 20-11-1993، ونص الكتاب على الآتي: لغرض تنظيم جداريات الرئيس القائد حفظه الله في إطار فني وجمالي، وعلى أسس فنية سليمة، تأخذ بنظر الاعتبار عوامل البيئة، وغيرها بما يليق بمقام سيادته، ومكانته السامية في نهضة شعبنا، وبما ينسجم بكون هذه الجداريات هي تعبير عن حب الشعب لقائده تقرر ما يلي:
  • تشكيل لجنة مركزية برئاسة مدير عام دائرة الفنون وعضوية ممثلين عن مكتب أمانة سر القطر، وجهاز الأمن الخاص، ووزارة الدفاع والداخلية، ومحافظة بغداد، وأمانة بغداد، وبعض الفنانين تتولى مهام الكشف على الجداريات، وبيان الرأي بشأنها، وتقديم الاستشارة الفنية على الجداريات المراد نصبها.
  • تشكيل لجان فرعية في المحافظات برئاسة المحافظ، وعضوية الجهات ذات العلاقة.
   وقد ألقي القبض على كثير ممن أُتهم بتخريب الصور والجداريات، أو تشويهها، وأعدموا بلا محاكمة، ولم يعرضوا على القضاء، بل تم إعدامهم مباشرةً من قبل الأجهزة القمعية للنظام، كما ورد في كتاب مديرية أمن محافظة ديالى ذي العدد/ (10632) في 25-8-1986، والملحق طياً ونصه: (في الساعة التاسعة من صباح يوم 24اب 1986، وحسب موافقة السيد مدير الأمن العام المحترم تم إعدام المجرمين كل من أحمد حميد محمد الخزعلي، ومحمد فاضل الربيعي اللذان قاما بتشويه صورة رمز العراق الرفيق المناضل صدام حسين ….، وقد تم إعدامهما من قبلنا بحضور السيد المحافظ والرفيق أمين سر قيادة فرع ديالى لحزب البعث العربي الاشتراكي، والرفاق أعضاء قيادة الفرع وجمهور من أهالي ناحية أبي صيدا، وفي المكان نفسه الذي نفذ به المذكوران عمليتهم الجبانة).
وبمراجعة سريعة للقرار المرفق طياً ومحاكمته يتضح أن هناك انتهاكات صارخة لمبادئ حقوق الإنسان، فالقرار يمكن وصفه بأنه انتقامي، إذ لم يعرض المتهم على محكمة مختصة، وهو ما نصت عليه المواثيق، والإعلانات، والاتفاقيات الدولية، فعلى سبيل المثال نصت المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على: (أن الناس جميعا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه، أو في حقوقه، والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون)، أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 في المادة العاشرة منه على أن: (لكل إنسان الحق في محاكمة عادلة، وعلنية أمام محكمة مستقلة، ومحايدة)
والقرار لا يقبلهُ المنطق، ولا يستسيغهُ العقل، ولا تقره شريعة، أو قانون؛ لأن عقوبة الإعدام من أشكال العقوبة القاسية، واللاإنسانية، والمهينة، التي تعارضها  منظمة العفو الدولية في جميع الحالات، بغض النظر عن طبيعة الجريمة، أو ظروفها، وقد نص القانون الدولي على أن استخدام عقوبة الإعدام يجب أن يقتصر على الجرائم الأشد خطورة، وفي مسألة تشويه الجداريات لا يوجد تناسب بين قساوة العقوبة والفعل الذي أحدثه المتهم، ومن جهة أخرى فإن عقوبة الإعدام يجب أن لا تتم إلا بعد إصدار الأحكام من المحاكم المختصة التابعة للسلطة القضائية، ثم يتعرض القرار للاستئناف والتمييز؛ ليكتسب القرار الصفة القطعية، فتقوم السلطة القضائية بإرسال قوائم المحكومين بالإعدام إلى رئاسة الجمهورية؛ ليتم الموافقة عليها من قبل رئيس الجمهورية، أو من ينوب عنه قانونيا، وهذه الإجراءات لم تتم في ظل نظام البعث، كما يتضح من القرار المرفق الذي يعد واحداً من عشرات الآلاف من القرارات التي راح ضحيتها خيرة شباب العراق .
فضلاً عن أن القرار لا ينسجم مع بنود الدستور المؤقت الذي أعلنه النظام عام 1970؛ والذي نص في المادة العشرين: أ ـ المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية. ب ـ حق الدفاع مقدّس، في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، وفق أحكام القانون.

المصادر

  • الأمم المتحدة، الاعلان العالمي لحقوق الانسان
  • الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، 1966
  • وفيق السامرائي، حطام البوابة الشرقية وحقائق عن الزمن السيء في العراق، دار القبس للطباعة والنشر، الكويت، 1997.
  • محمد مجيد، القسوة لدى صدام حسين، بلا ناشر،2010.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *