الكاتب : حسين الزيادي
ادعى نظام البعث أن انشاء القنوات والسداد التي تمنع وصول المياه إلى الأهوار هو للأغراض الزراعية والبيئية، وأن تجفيف الأهوار سيسهم في زيادة المساحات المزروعة، وإمكانية إقامة قرى نموذجية، لكن الوثيقة المرفقة طياً تفند هذه الادعاءات، وتبين أن الهدف من تجفيف الأهوار هو القضاء على الثوار والهاربين من بطش النظام والرافضين لسياسته الجائرة، والذين احتموا بمناطق الأهوار التي تمتاز بوعورتها، وصعوبة التنقل فيها، ووجود الموارد المعيشية التي يستعين بها الثوار في أمور حياتهم، وبمجرد أن جففت الأهوار قام نظام البعث بشق الطرق فيها، وتسيير قطعاته العسكرية التي وصلت إلى أعماق الأهوار.
وثبت من خلال تسجيل صوتي لرئيس النظام وهو يتصل مع أحد أعوانه بعد الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991، يؤكد فيه على تقديم طلب من وزير الري؛ لإعداد دراسة لغرض تجفيف الأهوار (تنشيف الأهوار نهائياً بحسب كلامه)، وأن للأهوار حساب آخر بعد انتهاء أحداث شمال العراق.
لقد كان تجفيف الأهوار جريمة إنسانية بيئية كارثية بكل المعايير؛ لأنه أدى إلى تدمير نظام بيئي فريد من نوعه، تمتد جذوره لخمسة آلاف عام، وأسهم في زيادة أعداد النازحين، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أعداد النازحين من الأهوار قد وصل إلى نحو 300000 نسمة؛ بسبب فقدانهم لأسباب معيشتهم، فقد تدهورت مهن صيد الأسماك، والطيور، وتربية الحيوانات، وتقلصت المساحات الزراعية الواسعة المخصصة لزراعة الرز، وتلاشت غابات القصب والبردي.
قام نظام البعث في أوائل التسعينات بحملة هندسية منظمة واسعة وممنهجة؛ لتجفيف أهوار جنوب العراق من خلال إقامة سلسلة من السداد، والقنوات؛ بهدف منع دخول المياه إلى الأهوار، الأمر الذي أدى إلى تجفيفها بنسبة تزيد على 90% قبل سقوط النظام، وقد أدت عملية التجفيف إلى أضرار بيئية واسعة، وتحطيم نظام حياتي، وحضارة شهدت تجليات الحرف الأول، فقد أدى التجفيف إلى انقراض العديد من اللبائن المستوطنة للمنطقة، واختفاء أنواع نادرة من الطيور، ومجاميع نباتية كانت موجودة في الأهوار قبل التجفيف، وأن التجفيف أدى إلى تدهور نوعية ما تبقى من مياه الأهوار، وبالتالي اختفاء أنواع عدة من الأسماك، وتوفر القائمة الحمراء للأنواع المعرّضة للانقراض التي يصدرها الاتحاد الدولي IUCN معلومات عن كثير من أنواع الطيور المهاجرة، والمتوطنة التي تواجه حالات تدهور، أو انقراض محتمل في أهوار جنوب العراق؛ بسبب سياسة التجفيف (1)، وقد تم تقييم سبعة أنواع معرضة للانقراض عالمياً، ونوعين مهددين بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للطيور المهددة عالمياً التي وضعها اتحاد ( IUCN)، فضلاً عن ذلك أدى التجفيف إلى انخفاض أعداد الجاموس، ونفوق الآلاف من هذا الحيوان الذي يقترن وجوده بالأهوار منذ مئات الآلاف من السنين.
إن أفعال النظام الخاصة بجريمة التجفيف ترتقي لمصاف الإبادة الجماعية؛ لأن هذه العملية تُعد إحدى الأفعال التي تمت بنية التدمير الكلي، أو الجزئي لأمة، أو لمجموعة إثنية، أو عرق، أو مجموعة مذهبية، وهذا ينطبق تماما على تعريف الإبادة الجماعية بحسب الفقرة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، وتميزت الجريمة بتوفر أركانها المادية والمعنوية ، فالركن الأول تمثل بالفعل الذي قام به النظام، أي السلوك الإجرامي، والنتيجة الإجرامية، والعلاقة السببية التي تربط الفعل بالضرر، أما الركن المعنوي لهذه الجريمة، فالقصد الجرمي واضح، بحسب الوثيقة المرفقة، وهو تجفيف الأهوار، ومنع المياه عن مجموعة من السكان، وقد كان النظام مدركاً للضرر المادي الآني والمستقبلي الذي يترتب على فعله.
وتأسيساً على ما تقدم تنعقد المسؤولية الدولية عن جريمة تجفيف الأهوار بوصفها جريمة بيئية، وفعل غير مشروع قام به النظام بواسطة بعض أفراده، أحدثت ضرراً
(1) جمهورية العراق، وزارة البيئة، التقرير الوطني العراقي الرابع الى اتفاقية التنوع البايولوجي.
مادياً أصاب الأفراد، والممتلكات، وضرراً معنوياً يتعلق بالاعتبار، والاحترام الأدبي والإنساني لشريحة من السكان رُحِّلوا قسراً عن مناطقهم، وحُرموا من مواردهم الاقتصادية، والضرر هو قوام هذه المسؤولية، وعنصر أساسي من عناصرها، والضرر هنا واقعة مادية يمكن إثباتها بكل وسائل الإثبات.
أما قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969؛ فقد عالج موضوع التعدي على البيئة، ووضع عقوبات لمن يحدث ضرراً فيها، كما في المادة (497) والمواد (479) و (488) و (491) و (499)، وهي مواد في مجملها تشكل حماية غير مباشرة للبيئة، فهي تضع عقوبات لمن أعتدى على الأشجار، والنباتات، واتلفها، أو ألحق الضرر بالحيوانات، ومن هنا يتضح أن نظام البعث خالف حتى قانون العقوبات الذي كان سارياً إبان حكمه.
المصادر
- حسين الزيادي، أهوار جنوب العراق أرضا وسكانا، دار الفيحاء، بيروت، 2019.
- إحسان عوض وحسن أحمد شحاته، مقدمة في علم البيئة، جامعة الأزهر، القاهرة، 2005.
- سامي محمد عبد العال، البيئة في منظور القانون الدولي، جامعة طنطا،2005