الكاتب : حسن حامد سرداح
في مشهد من ايام الحرب على لبنان وجنوبه بوجه التحديد، نقلت مواقع التواصل الاجتماعي قصة رجل مسن كان يجلس في غرفة داخل منزله وصواريخ الكيان تتساقط على الابنية المجاورة، تاركةً خلفها اصوات انفجارات وعصف شديد وجد طريقه للتسلل عبر نوافذ الغرفة كضيف ثقيل بعثر جميع الاغراض بداخلها، لكنه فشل بإثارة انتباه الرجل المسن الذي بقي جالسا في مكانه ينظر حوله بكل ثبات ولم يقطع حديثه مع أفراد عائلته الذين كانوا يراقبون تعامله مع الموقف وكأنه يقول لا تنشغلوا بتلك الأصوات فإنها لن تغير إيماننا المطلق بهزيمة العدو وتحقيق الانتصار.
تلك القصة واحدة من عشرات اللحظات الحقيقية التي عاشها اللبنانيون بمختلف مكوناتهم والانتماء، منذ اليوم الثاني على طوفان الأقصى قبل سنة وأقل من شهرين حتى تحولها لمعركة برية وجوية يقودها الكيان ضد اهالي الجنوب وحزبهم قبل نحو خمسين يوما، استهدفت خلالها حتى العاصمة بيروت بهجمات لم يفرق فيها العدو بين مدني ومقاوم وأبنية عامة ومقرات لحزب الله، ضمن حرب سقطت امامها جميع القوانين والالتزامات الدولية التي ترسم خطوط المعارك ومحرماتها، لان الكيان الغاصب رفع خلالها شعار إبادة الحزب الذي اختار مساندة غزة بعد تخاذل المجتمع الدولي وتفرج اقطاب الوطن العربي والإسلامي على ذبح اهلها بقنابل أمريكية تلقيها طائرات اسرائيلية.
تطوع الحزب لخوض معركة غير معركتهم حتى لا يقال عنهم تراجعوا عن معتقداتهم وتنازلوا عن قضيتهم بتحرير فلسطين وقدسها، ليسجلوا صموداً أسطورياً امام جيش كامل مجهز باحدث الأسلحة وبجميع أنواعها البرية والجوية، وحققوا انتصارات اجبرت العدو على إخلاء العديد من مستوطناته في شمال فلسطين المحتلة ودفعوا سكانها للنزوح وترك منازلهم، رغم تقديمهم قافلة كبيرة من الشهداء ضمت جميع قيادات الصف الاول، وتاج المقاومة وسيدها حسن نصر الله، والذي اعتقد العدو باستشهاده انتهاءً مشروع الممانعة في لبنان وتفكك الحزب، لكن رجال المقاومة أعادوا ترتيب صفوفهم بمساندة شعبية وفرتها حاضنتهم التي فضلت الصمود على الهزيمة وتحملت النزوح وتدمير المنازل والممتلكات ولم تفكر بالانقلاب على المقاومة.
ليكون صمود الحزب واصراره على مواجهة العدو بجميع أدواته ورفع مستوى قدراته الصاروخيّة ومدياتها التي وصلت لوسط تل ابيب، وتهديده لحياة نتنياهو بعد استهداف منزله بطائرة مسيرة جعلته “حبيس” الملاجئ، وسيلة ردع اجبرت رئيس حكومة الكيان على القبول باتفاق لا يحقق اهداف الحرب التي كان “يتبجح” بها، فسكان الشمال لم يعودوا إلى مستوطناتهم، وتعهداته بانهاء قدرات حزب الله العسكرية اصبحت من الماضي، وتصريحاته عن تدمير مخزونات حزب الله الصاروخية “اكلها الذئب”، وأحلامه بالاستيلاء على القرى في جنوب لبنان #ذهبت مع الريح”، وحتى مخططاته بوصول جيشه لنهر الليطاني وابعاد المقاومة لم تتحقق واصبحت “حبرا على الورق”، ليكون الاتفاق على وقوف اطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن انتصاراً جديداً للمقاومة التي تمتلك سجلاً حافلاً بمعارك تأديب الكيان الغاصب منذ تأسيس حزب الله في ثمانينات القرن الماضي مرورا بالعام 1993 حينما ألغى الكيان عملية “عناقيد الغضب”، وهروب جيشه من بيروت في العام 2000، والانتصار الذي تحقق في حرب تموز 2006، جميع تلك الانتصارات يضاف لها ماتحقق في نصرة الطوفان سيتذكرها الكيان وقياداته بمرارة الهزيمة وقد تجعل بنهاية حكومة نتنياهو لاسباب عديدة في مقدمتها وجود مسؤولين في الكابينة الوزارية يعارضون الاتفاق ويتهمون نتنياهو بالتضحية بأمن الكيان والمستوطنين مقابل مكتسبات سياسية.
الخلاصة:. ان حزب الله اثبت مرة اخرى قدرته على حسم المعركة لصالحه وكسب جولة جديدة من حرب الوجود مع المحتل رسمت نتائجها بدماء سيد المقاومة وخليفته هاشم صفي الدين ورفاقهما التي جعلت الحزب اكثر تماسكا في التصدي للمشككين وبعض المحسوبين على الهوية العربية الذين كانوا يطبلون لنصرة العدو، ويشمتون بشهداء المقاومة وأكثرهم يعتاش على موائد الزعامات والملوك المطبعين متناسين بان الحزب “انتفض” لنصرة قضية العرب الاولى في فلسطين حينما تخاذل عنها من يدعي العروبة وقيادة الأمة.. اخيرا… السؤال الذي لابد منه.. ماذا عن غزة.؟..