الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله جل جلاله “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” ﴿النحل 93﴾ أمة اسم، أُمَّةً واحِدةً: على التوحيد. ولو شاء الله لوفَّقكم كلكم، فجعلكم على ملة واحدة، وهي الإسلام والإيمان، وألزمكم به، ولكنه سبحانه يُضلُّ مَن يشاء ممن علم منه إيثار الضلال، فلا يهديه عدلا منه، ويهدي مَن يشاء مِمَّن علم منه إيثار الحق، فيوفقه فضلا منه، وليسألنَّكم الله جميعًا يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم به، ونهاكم عنه، وسيجازيكم على ذلك. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جل جلاله “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ” وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (النحل 93) “ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة” أهل دين واحد، “ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألُن” يوم القيامة سؤال تبكيت “عما كنتم تعملون” لتجازوا عليه.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جل جلاله “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” ﴿النحل 93﴾ والآية التالية تجيب على توهم غالباً ما يطرق الأذهان عند الحديث عن الإِمتحان الإِلهي والتأكيد على الإِلتزام بالعهود والوظائف، وخلاصته: هل أنّ اللّه لا يقدر على إِجبار الناس جميعاً على قبول الحق؟ فتقول: “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً “. “أُمّة واحدة” من حيث الإِيمان والعمل على الحق بشكل إِجباري، ولكن ذلك سوف لا يكون خطوة نحو التكامل والتسامي ولا فيه أفضلية للإِنسان في قبوله الحق، وعليه فقد جرت سُنّة اللّه بترك الناس أحراراً ليسيروا على طريق الحق مختارين. ولا تعني هذه الحرية بأنّ اللّه سيترك عباده ولا يعينهم في سيرهم، وإِنّما بقدر ما يقدمون على السير والمجاهدة سيحصلون على التوفيق والهداية والسداد منه جل شأنه، حتى يصلوا لهدفهم، بينما يحرم السائرون على طريق الباطل من هذه النعمة الرّبانية، فتراهم كلما طال المقام بهم ازدادوا ضلالا. ولهذا يواصل القرآن الكريم القول بـ: “وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ”. ولكنّ الهداية الإِلهية أو الإِضلال لا تسلب المسؤولية عنكم، حيث أنّ الخطوات الأُولى على عواتقكم، ولهذا يأتي النداء الرباني: “وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ”. وتشير هذه العبارة إِلى نسبة أعمال البشر إِلى أنفسهم، وتؤكّد على تحميلهم مسؤولية تلك الأعمال، وتعتبر من القرائن الواضحة في تفسير مفهوم الهداية والإِضلال الإلهيين وأن أيّاً منهما لا يستبطن صفة الإِجبار أبداً. وقد بحثنا هذا الموضوع سابقاً (راجع تفسير الآية (26) من سورة البقرة).
عن شبكة الألوكة الشرعية مفهوم ومقومات الأمة في النص القرآني للكاتب الدكتور أسعد بن أحمد السعود: قال تعالى: “لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ” (آل عمران 164) في تحليل مكونات عبارة الآية 164: الصانع (الله)، والوسيط (الرسول)، والمؤمنون (القصد)، نجد حالة جديدة مضافة عن مكونات الآية (143) من البقرة – وهي آلية تكوين الأمة (الصيرورة) – متمثِّلة في كلمة (المنَّة)، وهذه الآلية جاءتْ بالترتيب اللغوي الموافق لترتيب مراحل التكوين أو الجعل أو الصناعة (جعلناكم)، كالتالي: التلاوة، وهو ما يخص نص الأوامر الإلهية (القرآن العظيم). التزكية، وهو ما يخص مكارم الأخلاق. التعليم، وهو ما يخص فقه النص بكل شموليته وعموميته. العلامة الفارقة البيِّنة التي نُلاحظها ما بين تكوين العبارة في الآية (143) البقرة، وعبارة الآية (164) آل عمران – هي جَعْل الخطاب الإلهي (الصانع) يتوجَّه مباشرة إلى المؤمنين المكون الأساسي للأمة بالقول: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾، ومن هذا الفارق واختصارًا لكثير من الشرح والتفسير للآية الكريمة، نتعجَّل استنباطَ مُرادنا، ونُشير إليه ونُقدِّمه واضحًا جليًّا يتوافق كُليةً مع ما آلتْ إليه صيرورةُ الأمة، ووجودُها الزماني والتكويني البشري، أو ما هو مَعيش في الحياة منذ زمن جعْلِ الأمة، وإلى ما يتمثَّل في عصرنا وأمام رؤانا، ويَتمثَّل مرادُنا فيما يلي: أن تكوين الأمة وصيرورتها يمر بمرحلتين اثنتين: المرحلة الأولى: وجود وقيادة الرسول المختار. المرحلة الثانية: غياب قيادة الرسول، وبقاء واستمرار تعليمه في المؤمنين الذين آمنوا به واتَّبعوا تعاليمه وحِكمته. فكيف كان ذلك؟ قال تعالى: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (البقرة 127 – 129). يذكر تعالى – وهو جاعل الأمة – في إشارة رمزية واضحة إلى تزامُن الارتباط في المنهج في قوله: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ ﴾، قواعد البيت العتيق مع ذكر قواعد بناء الأمة. إذًا كلمة (قواعد) لغةً هي جمع قاعدة، والفعل منها (قعد)، والصفة (قاعد)، وفي البناء فإنه لا يَرتفع ولا يقوم ثابتًا متماسكًا إلا بالقواعد، ومِن ثَم تأتي الأركان فوقها بالترتيب الثاني، ومِن ثَم يأتي السقفُ الذي يَبعث الظلَّ والأمانَ والسكينة. وفي حال (الأمة) التي صنَعها الله عز وجل تكون قواعدها أو قاعدتها ذات صفة واحدة متجانسة الفعل، سواء كانت بمفردٍ منها أو بالجمع، وهي التي دعا بها إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام عندما قالا: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ (البقرة 128).
تكملة للحلقات السابقة عن علاقة المواطنة بالأمة جاء في المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: إنّ طرحَ ثقافةِ المُواطَنة كان لأسباب مختلفة، أهَّمُها هو أنَّ الإقتِصارَ على البُعد القانونيّ والسياسيّ للمُواطَنة خلَّفَ أزمةً في الغرب، حيث وفدَ المهاجرون يحملون هويَّاتِهم وانتماءاتِهم المختلفة، وحصلُوا على المُواطَنة الإجرائية (الجنسيَّة)، وبعد فترةٍ من عيشهم لم يندمِجوا في المجتمع (الذي تأسَّست فكرة المُواطَنة فيه)، وبقيَت ثقافتهم وهويّتهم خاصّة بهم، الأمرُ الذي خلَّف تناقضات وجُزر مجتمعيّة تطفو في ذلك المجتمع، ما فرض على الغيورين على تلك الفكرة أن يُفكِّروا فيها كثقافة وانتماء للحدِّ من خطر الثقافات الوافدة، فتراجعت المواطنيَّة عن كونِها عمليّة قانونيّة فقط، وأضحَت أيضاً ما تُسَّميه (أيهوه أنغ): (صيرورة ثقافيّة لصناعة المُواطَنة). يُحدِّد الفكر الفرنسيّ خصائص المُواطَنة بنقاط تُشير لشخصيّة المواطِن: 1ـ ينتمي إلى وطنٍ، أي إلى قطعة من الجغرافيا آهلة بُسكّان وتحكمها دوله قويّة. 2ـ يخضعُ لحكمٍ مركزيٍ يُسجِّل ويحمي كلَّ التابعين له. 3 ـ يتمَّتع بجُملَةٍ من الحقوق السياسيّة، منها المساواة والحريّة التي تُمكِّنه من المشاركة في تسيير الشأن العام. 4ـ له حقُّ الملكية على ما إستطاع إليه بوسائل شريفة. ويمكن تلخيص بعض واجبات الفرد وحقوقه وفقاً للمُواطَنة بـ: أوّلاً: حقوق المواطن: والحقوق هي أكثر ما ركَّزَ عليها روَّاد المُواطَنة، حيث نجد ذلك على مستويات متعدِّدة منها: الأوَّل: على المستوى الاقتصادِيّ: للمواطن الحقّ في التجارة والعمل والبيع والشراء، وله حقُّ الملكيَّة مُطلَقاً بلا قيود، ولا حدَّ لأمواله التي جناها بطريقة شرعيَّة. وعلى الدولة السعي لإنتاج فُرَص عمل للمواطنين والعمل على إلغاء حالات الفقر في المجتمع. الثاني:على المستوى السياسيّ: المواطن فاعِل في الحياة السياسيّة، له حقُّ الانتخاب والترشيح والاعتراض والتظاهُر، وله المشاركةُ في الأحزاب السياسيّة والجمعيَّات والنوادي. ولا يجوز محاكمته على رأيه السياسيّ، تستمِدُّ السلطة شرعيتها منه، وهذا هو الوجه الديمقراطيّ للمُواطَنة. والدولة ضامنة للأمن الجماعيّ، ما يعني أن أيَّ خللٍ يُصيبُ الأمان الداخلي ويهدّده يطعن في حقِّ المُواطَنة. الثالث: على المستوى القانونيّ: القانون المدنيّ والأحوال الشخصيَّة لا تُفرِّق بين المواطنين، لا في الجنس ولا في الدِّين ولا في الأصل، والجميع مُتساوون أمام القضاء الذي يقوده سلكٌ مدني.