السيد مقتدى الصدر، قوتك في نصفك الشيعي

الكاتب : سليم الحسني

خذلك قادة الكرد والسنة في اللحظة الحرجة. لقد جعلوك تلمس حافة الفوز بيدك، حتى إذا ما أوشكت أن ترفع الكأس، تخلّوا عنك واتجهوا صوب الإطار التنسيقي.

وبينما كان المطلوب أن تعيد النظر بمواقفك بعد هذه التجربة، إلا إنك يا سماحة السيد لا تزال تظنّ بأن تعطيل تشكيل الحكومة يعود عليك بالمنفعة. لكنه ظنّ خاطئ، فالمنفعة التي تتصورها هي عصابة عين تحجب الرؤية.

إن الانتخابات المبكرة التي تدعو اليها، وتعمل على تعطيل تشكيل الحكومة من أجلها، لن تكون في صالحك. أعدْ النظر في هذه النقطة جيداً. فما يصلك من ضمانات بأنك ستكون الفائز الأكبر، كلام كاذب. لن يسمحوا لك ثانية بأن تكون قوياً في البرلمان. فحساب المقاعد قضية كبيرة، أبقتها أمريكا تحت سيطرتها، إنها مستعدة على سحب قواتها من العراق، لكنها لا تنسحب من التحكم بنتائج الانتخابات.

استند في كلامي هذا الى تجارب الدول التي تهيمن عليها أمريكا. فإنْ وجدتَ جهة سياسية منحتها أمريكا قوة انتخابية مرة ثانية، فافعل ما تشاء. عطلْ تشكيل الحكومة. زجْ بكل قدراتك في الانتخابات المبكرة. إملأ الميادين بجموع المتظاهرين أوأشعلها ناراً إن شئتْ.

إن أمريكا يا سماحة السيد نظام خبيث، إنْ إردتَ مواجهته فيجب أن تواجهه متحداً مع المكوّن الذي تنتمي اليه. فهي لا تطيل الصمود أمام الوحدة حتى لو كانت صغيرة. ولذلك فهي تشجّع على الانشقاق وتدعم مَنْ يخرج عن جماعته، فان خرج تركته ومصيره، وإذا ما سعى الى القوة أعاقته بكل الوسائل، ومنها تزوير الانتخابات لكي لا يعود قوياً.

أرجو أن لا تفهم كلامي هذا بأني أتحداك. لستُ من هذا النوع من الكتّاب. وحتى اختلافي مع توجهاتك السياسية لا يجعلني عدواً لك، ولا يجعلك عدوي، فأنتَ شيعي وهذا هو المهم في دولة مصممة على الطائفية الصلبة.

إنني ـ ومثلي الكثيرين ـ أحرص عليك من مقربيك. وأحرص على كل قائد من قادة الإطار من مقربيهم. وهذا ما يجعلني أوجه نقدي بشدة وبكلمات مباشرة وأحياناً بقسوة حادة.

لعلك تشعر بمرارة الانسحاب من البرلمان. لكن خطوتك كانت صحيحة بقسميها السياسي والشعبي. فمن حيث السياسة فأن الكتل البرلمانية ستمنحك المناصب الوزارية كما لو أنك لم تنسحب. ومن الجانب الشعبي ستكون أنت المضحي باستحقاقك الانتخابي من أجل الإصلاح الذي تنادي به. بهذا الشكل تكون قد حافظت على موقعك السياسي وقوتك في الساحة.

لا اتناول مساوئ التصعيد الذي حصل في المنطقة الخضراء. فهذا أمر حدث، ودخلتْ نتائجه ملفات الكبار. ليس بمقدورك حذفه، وليس من عادتهم تجاوزه. لكن الأهم أن تكون الخطوة التالية في مكانها الصحيح. وهذا يعني أن تمارس ضغطك على القادة الكرد للتعجيل باختيار رئيس الجمهورية، ومن ثم عقد جلسة البرلمان للمضي بخطوات تشكيل الحكومة الجديدة. وبعد ذلك يكون أمامك الوقت الكافي للمساهمة في ترميم البيت الشيعي الذي تداعت أركانه.

لعلك تدرك جيداً بأن قادة الكرد يتعمدون المماطلة في اختيار رئيس الجمهورية، وهم بذلك ينفذّون تعليمات الكبار لإبقاء الأزمة مشتعلة، ولإبقاء الكاظمي في مكانه فهو خير مطيع ومستجيب. فهل تريد أن تكون مصلحاً بتعطيل الحل؟ إنك بذلك تسير عكس ما ترمي اليه، وتمضي على غير ما تقول.

لن تكون قوياً يا سماحة السيد وهناك أطراف شيعية تقف ضدهم أو يقفون ضدك، على جبهة العداء. هذه الحقيقة تفرض نفسها على حسابات الأطراف السياسية الأخرى من كتل وحكومات وقوى دولية. وإن بقي الحال بينك وبين الإطار على ما هو عليه، فانت خاسر وهم خاسرون.

لا يمانع الإطار التنسيقي بحسب تصريحات قادته من الحوار واللقاء وتجاوز ما حدث، وهذا موقف منهم يقدّره الشيعة، فلا يوجد شيعي مخلص لا يريد وحدة القادة، مع الملاحظات عليهم في الأخطاء والتقصير والمصالح الشخصية، وهذه منقصة تشمل جميع القيادات السنية والشيعية والكردية بلا استثناء.

أنت الآن تقف موقف الرافض للحل. فلا تريد تشكيل حكومة جديدة، ولا تريد الحوار مع نصفك الشيعي، وهذا ما يريده قادة الكرد والسنة والمحور الامريكي. لقد خذلوك في موقف حساس، وأنت الآن تخدم توجهاتهم بشكل أو بآخر.

شيء من التأمل يكشف لك الكثير. والقوة في تدارك الفرصة قبل أن تضيع. أمامك تجارب التاريخ، وتجارب التعامل الأمريكي مع حالات مثل التي يمر بها العراق، لو تأملتها بسرعة لاكتشفت بأنك الآن على النقطة الحاسمة، إما أن تملك القوة مع اخوانك الشيعة، أو تمضي بعيداً عنهم، وتترك النتائج تُنبئك بها الأيام.

٩ تشرين الأول ٢٠٢٢

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *