الكاتب : فاضل حسن شريف
الإِعراض عن المشركين، أو أعداء المقاومة العراقية بالمفهوم الحديث، بمعنى الإهمال، أو ترك مجاهدتهم وحربهم، لأنّ المسلمين في ذلك الوقت، أو المقاومة العراقية حاليا لم تصل قدرتهم بعد لمستوى المواجهة مع الأعداء وحربهم كما هو حاصل الآن. جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ” (الحجر 94) ثمّ يأمر اللّه تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ” فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ”، أيْ لا تخف من ضوضاء المشركين والمجرمين، ولا تضعف أو تتردد أو تسكت، بل أدعهم إِلى رسالتك جهاراً. ” وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ “، ولا تعتنِ بهم. “فاصدع”، من مادة (صدع) وهي لغةً بمعنى (الشق) بشكل مطلق، أو شق الأجسام المحكمة بما يكشف عمّا في داخلها، ويقال أيضاً لألم الرأس الشديد (صداع) وكأنّه من شدته يريد أن يشق الرأس. وهي هنا.. بمعنى: الإِظهار والإِعلان والإِفشاء. وعلى أية حال.. فالإِعراض عن المشركين هنا بمعنى الإهمال، أو ترك مجاهدتهم وحربهم، لأنّ المسلمين في ذلك الوقت لم تصل قدرتهم بعد لمستوى المواجهة مع الأعداء وحربهم.
جاء في معاني القرآن الكريم: عرض العرض: خلاف الطول، وأصله أن يقال في الأجسام، ثم يستعمل في غيرها كما قال: “فذو دعاء عريض” (فصلت 51). والعرض خص بالجانب، وأعرض الشيء: بدا عرضه، وعرضت العود على الإناء، واعترض الشيء في حلقه: وقف فيه بالعرض، واعترض الفرس في مشيه، وفيه عرضيه. أي: اعتراض في مشيه من الصعوبة، وعرضت الشيء على البيع، وعلى فلان، ولفلان نحو: “ثم عرضهم على الملائكة” (البقرة 31)، “وعرضوا على ربك صفا” (الكهف 48)، “إنا عرضنا الأمانة” (الأحزاب 72)، “وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا” (الكهف 100)، “ويوم يعرض الذين كفروا على النار” (الأحقاف 20).
عن تفسير الميسر: قوله تعالى “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ” (الحجر 94) فاجهر بدعوة الحق التي أمرك الله بها، ولا تبال بالمشركين، فقد برَّأك الله ممَّا يقولون. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ” (الحجر 94) وَأَعْرِضْ: وَ حرف عطف، أَعْرِضْ فعل. “فاصدع” يا محمد “بما تؤمر” به أي اجهر به وأمضه، “وأعرض عن المشركين” هذا قبل الأمر بالجهاد. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ” (الحجر 94) ادع إلى ربك بالحجة والبرهان، ولا تبال بإعراض من أعرض وإدبار من أدبر.
جاء في كتاب أضواء على ثورة الحسين لسماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: لا شك أن التقية واجبة عندنا بنص القرآن الكريم والسنة الشريفة إجماع علمائنا. أما القرآن الكريم ففي أكثرمن آية واحدة كقوله تعالى “الَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة ” (ال عمران 28). وأما السنة الشريفة فأكثر من نص كقوله عليه السلام: (التقية ديني ودين آبائي). وقوله عليه السلام (لا دين لمن لا تقية له). وقوله عليه السلام (التقية درع المؤمن الحصينة). ويغر ذلك وأما الاجماع فهو واضح لمن استعرض فتاوى علمائنا، بل الحكم يعتبر من ضروريات المذهب. إذن فالتقية واجبة. وهذا ما حدى بالمعصومين عليهم السلام جميعاً العمل بها إلا الحسين عليه السلام. فلماذا لم يعمل بها هذا الإمام الجليل. إذ من الواضح أن أحداً من المعصومين غيره لم يتحرك مثل حركته، بل كانت الثورات متعددة، والحروب في داخل البلاد الإسلامية وخارجها موجودة. وهم معرضون عنا لا يشاركون بأي شيء منها. حتى لو كان الثوار والمحاربون من أبناء عمومتهم كذرية الحسن أو الحسين الذين تحركوا خلال العهدين الأموي والعباسي بكثرة، عدّ منهم في مقاتل الطالبيين عشرات. الا أن المعصومين سلام الله عليهم. لم يكونوا من بينهم بأي حال من الأحوال. بل كانوا يسلكون سلوكا مغايراً لذلك تماما عملاً بالتقية الواجبة التي يحسون بضرورتها التشريعية والواقعية عليهم سلام الله عليهم.لا يستثني من ذلك إلا واحد معين منهم هو الإمام الحسين عليه السلام في حركته العظيمة. إن العمل بالتقية رخصة لا عزيمة. ومن هنا يمكن القول أن الإمام الحسين عليه السلام كان مخيراً يومئذ بين العمل بالتقية وبين تركها ولم يكن يحب العمل بالتقية في حقه. وما دام مخيراً فقد اختار الجانب الأفضل في نظره، وهو فعلاً الأفضل في الدنيا والأفضل في الأخرة، وهو نيله للشهادة بعد صموده ضد الانحراف والظلم والظلال. ومن هنا، أيضاً، كان عمل أصحاب الأئمة والمعصومين عموماً. مع العلم أنهم كانوا عارفين بالأحكام متفهمين للشريعة مرتفعين في درجات الإيمان. فعمار بن ياسر عمل بالتقية حين طلب منه مشركوا قريش الطعن بالإسلام ونبي الإسلام.