b7d7999a-85c5-4203-9415-3767cc5cb91d

الكاتب : انوار داود الخفاجي

تعد مشكلة السكن واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في العراق، حيث يعاني البلد من نقص حاد في الوحدات السكنية نتيجة عقود من الحروب والصراعات وعدم الاستقرار الاقتصادي. وقد شهد العراق خلال السنوات الأخيرة توجهًا متزايدًا نحو بناء المجمعات السكنية الاستثمارية كجزء من الجهود المبذولة لحل هذه الأزمة. ومع ذلك، يبقى السؤال الجوهري: هل نجحت هذه المجمعات في تقديم حل جذري لمشكلة السكن في العراق؟

تعود أزمة السكن في العراق إلى مجموعة من العوامل المتداخلة التي تراكمت على مر العقود. من بين هذه العوامل، تدمير البنية التحتية نتيجة الحروب المتكررة، وغياب التخطيط الحضري الفعّال، والنمو السكاني السريع، بالإضافة إلى البطء في تنفيذ برامج الإسكان الحكومية. وأدى ذلك إلى تزايد الطلب على الوحدات السكنية، بينما ظل العرض غير كافٍ لتلبية هذا الطلب.

وفي محاولة لمواجهة هذه الأزمة، لجأت الحكومات العراقية بالتعاون مع القطاع الخاص إلى إنشاء مجمعات سكنية استثمارية. وتتميز هذه المجمعات بأنها مشاريع واسعة النطاق تُبنى وفق تصاميم حديثة، وتوفر خدمات متكاملة مثل الأمن، المرافق الترفيهية، والمدارس. ومن أمثلة هذه المجمعات “بسماية” في بغداد، و”مدينة اليمامة” في البصرة، وغيرها من المشاريع التي تهدف إلى تقديم وحدات سكنية مناسبة للطبقات المتوسطة والعليا.

تتمتع المجمعات السكنية الاستثمارية بعدة مزايا تجعلها خيارًا جذابًا للكثير من العراقيين من أبرزها:

*التصميم الحديث والبنية التحتية المتطورة**: تقدم هذه المجمعات بيئة معيشية متكاملة مع مرافق حديثة، مما يجعلها جذابة للأسر الباحثة عن حياة مستقرة ومريحة.

*تخفيف الضغط عن المدن**: تساهم هذه المجمعات في تخفيف الاكتظاظ السكاني في مراكز المدن الكبرى، مثل بغداد والبصرة، من خلال إنشاء مجتمعات سكنية جديدة على أطراف المدن.

*فرص العمل**: أسهمت المشاريع السكنية في توفير فرص عمل للعديد من العراقيين في قطاع البناء والخدمات المرتبطة بها.

 ورغم الفوائد التي تقدمها هذه المجمعات، إلا أنها لم تسلم من الانتقادات والتحديات التي تحد من قدرتها على حل أزمة السكن بشكل شامل منها:

*ارتفاع الأسعار**: غالبًا ما تكون الوحدات السكنية في هذه المجمعات باهظة الثمن مقارنة بقدرة المواطن العراقي العادي، مما يجعلها بعيدة المنال بالنسبة للطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود.

*غياب العدالة الاجتماعية**: تميل هذه المشاريع إلى استهداف الفئات الميسورة، بينما تظل الفئات الأكثر احتياجًا للسكن خارج المعادلة.

*ضعف التخطيط الإقليمي**: تتركز معظم المشاريع السكنية في بعض المدن الكبرى، بينما تعاني المحافظات الأخرى من نقص المشاريع المماثلة، مما يفاقم التفاوت الإقليمي في السكن.

*عدم كفاية الإنتاج**: رغم العدد الكبير من المشاريع، إلا أن الطلب على السكن ما زال يفوق العرض بشكل كبير، مما يعني أن المجمعات السكنية وحدها ليست كافية لسد الفجوة.

ولحل مشكلة السكن بشكل جذري، يجب تبني سياسات شاملة تأخذ بعين الاعتبار مختلف شرائح المجتمع. من بين هذه الحلول:

1. توفير دعم حكومي مباشر لبناء وحدات سكنية ميسورة التكلفة.

2. تحسين التخطيط الحضري وتوزيع المشاريع السكنية بشكل عادل بين جميع المحافظات.

3. تشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير مشاريع سكنية تستهدف جميع فئات المجتمع.

4. تقديم قروض ميسرة للمواطنين لتمكينهم من شراء أو بناء مساكن خاصة.

 اخيرا وعلى الرغم من أن المجمعات السكنية الاستثمارية قد قدمت بعض الحلول لمشكلة السكن في العراق، إلا أنها لم تكن كافية لحل الأزمة بشكل جذري. لا تزال هناك حاجة إلى استراتيجيات شاملة تأخذ في الاعتبار احتياجات جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود. إن معالجة أزمة السكن تتطلب تعاونًا بين الحكومة والقطاع الخاص، مع التركيز على تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان توفير السكن للجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *