ديسمبر 27, 2024

الكاتب : أسامة القاضي

دخلت فصائل المعارضة المسلحة السورية فجر يوم الاحد الى العاصمة دمشق، وسيطرت على جميع المرافق الحيوية والحكومية فيها، وتزامن ذلك مع انباء اشارت الى مغادرة الرئيس بشار الأسد الى جهة غير معلومة.

مستقبل سوريا، بل وحتى المنطقة، مرتبطان وبشكل وثيق بسلوكيات تعامل الفصائل المسلحة مع الشأن الداخلي السوري، لما لسوريا من مكانة وموقع استراتيجي في غاية الاهمية في المنطقة، فانعدام الامن فيها يعني بالضرورة انعدام الامن في المنطقة والعكس صحيح.

تقع على الفصائل المعارضة المسلحة التي دخلت دمشق، مسؤولية خطيرة، فابامكانها تجنيب سوريا الويلات، التي حلت ومازالت تحل ببعض بلدان منطقتنا منذ اكثر من عقد، عبر عدم السماح لجهات لا تضمر الخير لسوريا وشعبها، وعلى راس هذه الجهات الثنائي الامريكي الاسرائيلي ، الذي يعمل ليل نهار، لكي تعصف الفوضى بربوع سوريا، حتى تتوفر الارضية لتنفيذ اجندته الخبيثة.

تطورات الاحداث حتى الان، رغم وجود بعض المظاهر السلبية، تميل الى احتمال ان ترجح كفة العقلانية والحكمة على الانفلات والفوضى، ومن هذه التطورات البيان الذي تلاه رئيس الحكومة الحالي محمد غازي الجلالي، فجر اليوم والذي اعلن فيه عن استعداده للتعاون مع أي قيادة يختارها الشعب ولأي إجراءات تسليم للسلطة. كما أعلن عن مد يده إلى المعارضين بعد إعلانهم عدم التعرض لأي مواطن. واعرب عن أمله بأن يفكر جميع السوريين بعقلانية بشأن مصلحة وطنهم، والحفاظ على مؤسسات الدولة لان سوريا ملك للكل.

ليست هناك من جهة في المنطقة تتمنى ان تسود الفوضى وانعدام الامن في سوريا سوى الكيان الاسرائيلي، الذي يتربص بسوريا كوجود، بهدف قضم المزيد من ارضيها، وليس هناك من دليل اوضح على ذلك، من تحركات جيش الاحتلال وتصريحات رئيس وزراء هذا الكيان بنيامين نتنياهو، خلال هذا اليوم فقط. فقد تواصلت الإعتداءات الاسرائيلية على سوريا بذرائع شتى، حيث استهدف العدو الصهيوني قاعدة خلخلة الجوية في جنوب سوريا، ومواقع في حي المزة، وفي منطقة جبل قاسيون في العاصمة السورية دمشق، والقاعدة الجوية الرئيسية الواقعة شمال مدينة السويداء، والتي تضم مخزونا كبيرا من الصواريخ والقذائف التابعة للقوات المسلحة السورية، في اصرار لافت على تدمير قدرات سوريا العسكرية.

اللافت اكثر ان العدو الاسرائيلي تمادى اكثر من ذلك عندما كشر عن انيابه، واثبت انه عدو لسوريا كبلد وجغرافيا ووجود وشعب، بغض النظر عن طبيعة النظام في دمشق، حيث اعلن نتنياهو وبصريح العبارة ، كما نقلت عنه وكالة رويترز :” انتهاء اتفاقية فك الاشتباك مع سوريا لعام 1974″، واصدر اوامره بالاستيلاء على المنطقة العازلة في الجولان، وقام بنشر قواته في المنطقة. بينما اكدت العديد من المصادر دخول دبابات الاحتلال إلى بلدة خان أرنبة ومناطق أخرى في القنيطرة السورية.

ما حصل خلال الساعات الماضية في الجولان المحتل، والعدوان الاسرائيلي المتواصل على سوريا لتدمير عناصر قوتها، هو ما كانت تحذر منه طهران دائما، وخاصة عندما استخدم الثنائي الامريكي الاسرائيلي ورقة “داعش” لتهديد سوريا كوجود، وهو ما دعا ايران للاستجابة لطلب الحكومة السورية، بارسال مستشارين عسكريين لمساعدتها على التصدي لارهاب “داعش”، وانقاذ سوريا والسوريين من هذا السرطان التكفيري.

بعد زوال خطر “داعش” عن سوريا، قلصت ايران من عدد مستشاريها العسكريين في سوريا، وانطلاقا من حرصها على امن واستقرار سوريا شاركت وبشكل فاعل في مسار استانة لخفض التصعيد الى جانب تركيا وروسيا. ايران كانت ومازالت تؤمن ايمانا راسخا بان الشعب السوري هو الذي يحدد مصيره بنفسه، دون اي تدخل خارجي.

ما تشهده منطقة الجولان من عدوان صهيوني سافر و اطماع صهيونية باتت مكشوفة بالاراضي السورية، وكذلك العدوان الصهيوني على لبنان رغم قرار وقف اطلاق النار، والعدوان الصهيوني على غزة، رغم الادانة الواضحة لنتنياهو كمجرم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، كل ذلك يؤكد صوابية موقف ايران في دعم حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي ومحور المقاومة، فهذا العدو لا يمكن ان يقف عند اي حدود، الا حدود القوة.

اليوم هناك خياران امام سوريا، الاول خيار مواصلة الصراع العسكري بهدف الانتقام وصولا للفوضى ومن ثم الانهيار والتشتت، والثاني خيار انهاء الصراع العسكري، والبدء بحوارات وطنية بمشاركة كافة أطياف المجتمع السوري، للوصول الى تشكيل حكومة شاملة تمثل كافة أبناء الشعب السوري، وتضمن أمن جميع المواطنين السوريين ورعايا الدول الأخرى، وكذلك الحفاظ على حرمة الأماكن الدينية المقدسة، وكذلك حماية الأماكن الدبلوماسية والقنصلية وفقا لمعايير القانون الدولي.

احداث الجولان المحتل منذ امس واليوم، اثبتت للسوريين ان عدوهم الاول والاخير هو الكيان الصهيوني، الذي يتربص بهم الدوائر، في الوقت الذي تتعامل ايران مع سوريا كدولة مهمة ومؤثرة في منطقة غرب آسيا، ولا تدخر ايران جهداً للمساعدة في إرساء الأمن والاستقرار فيها، وستواصل مشاوراتها مع كافة الأطراف المؤثرة في المنطقة، من اجل تحقيق هذا الهدف، فالعلاقات بين إيران وسوريا لها تاريخ طويل وكانت دائما ودية، ومن المتوقع أن تستمر هذه العلاقات في المستقبل، ومن اجل ذلك ستتابع ايران التطورات في سوريا بدقة، لستتبنى النهج والمواقف المناسبة وفقا لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *