اعداد : محرر الموقع
يتحدث دوستويفسكي في فصل من فصول روايته (الأبله) عن عدد من الرجال ممن تحوم حولهم الشبهات كانوا مجتمعين ذات مساء في دار ناستاسيا فيليبوفنا، احدى بطلات الرواية.
يتفق الحضور في تلك الأمسية على أن يروي كل واحد منهم حكاية حقيقية حول إثمٍ كان قد اقترفه في حياته. يروي حينها (فيردشيشنكو) أنه كان مدعواً في بيت صديق له مع عدد من الضيوف. وبعد تناول الغداء جلس البعض يتسامر أمام كأس، فقرر أن يطلب من ماريا، ابنة صديقه، أن تعزف شيئاً على البيانو، وانه اجتاز بعد ذلك إحدى غرف الدار فشاهد ورقة نقدية خضراء (3 روبلات) تُركت على منضدة ماريا، وقدّرَ أن الفتاة لا بد كانت قد حضّرتها لشراء حاجات للمنزل.
لم يكن في الغرفة أحد فقرر أن يدسّ الورقة في جيبه وعاد مسرعاً ليجلس مع الآخرين مكثراً من الثرثرة والضحك كي يخفي ارتباكه.
اكتشفت ماريا بعد برهة اختفاء الورقة النقدية وحامت الشبهات حول الخادمة (داڤيا) وبدأوا باستجوابها. قرر فيردشيشنكو أن يشارك باستجواب الخادمة، ولما لاحظ خوفها وارتباكها، راح يقنعها بضرورة الاعتراف، وأقسم لها بأنه سيضمن عفو سيدتها إذا اعترفت بالسرقة.
يقول فيدرشيشنكو إنه شعر أثناء استجواب الخادمة بلذة عميقة للغة الوعّاظ التي تدفقت من لسانه بصوت مسموع أمام الجميع بينما كانت ورقة الروبلات الخضراء في جيبه.
توجه بعد ذلك إلى إحدى الحانات وتناول أفضل أنواع النبيذ واعترف أمام الحضور بأنه “لم يشعر بأي ندم يُذكر لا في ذلك الحين ولا في بعده”.
سألته ناستاسيا بعد ذلك عن مصير الخادمة فأجاب بكل هدوء إنهم طردوها من العمل في اليوم الثاني.
حينها هاج الحضور واتهموه بالدناءة والخسّة والقذارة فأجاب: وهل كنتم تنتظرون مني أن اعترف وأن أشي بنفسي؟!
أرى فيردشيشنكو كل يوم في وجوه السياسيين الفاسدين في بلادنا الذين يتقمّصون دور الوعّاظ ويتوعّدون اللصوص بالعقاب، ويعقدون ندوات ومؤتمرات يزعمون أنها مكرّسة لاسترداد أموالنا المنهوبة التي نعرف جميعا أنهم دسّوها في جيوبهم.
نواف طاقة