الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” ﴿الإسراء 7﴾ أي ليهلكوا الذي غلبوا عليه اهلاكا فيقتلوا النفوس ويحرقوا الأموال ويهدموا الابنية ويخربوا البلاد، واحتمل ان يكون ما مصدرية بحذف مضاف وتقدير الكلام: وليتبروا مدة علوهم تتبيرا، والمعنى الأول أقرب إلى الفهم وأوفق بالسياق. والمقايسة بين الوعدين أعني قوله: “وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” ﴿الإسراء 7﴾ وقولة: “لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ” (الاسراء 7) يعطى ان الثاني كان أشد على بني إسرائيل وامر وقد كادوا ان يفنوا ويبيدوا فيه عن آخرهم وكفى في ذلك قوله تعالى: “وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” ﴿الإسراء 7﴾. والمعنى فإذا جاء وعد المرة الآخرة وهي الثانية من الافسادتين بعثناهم ليسوءوا وجوهكم بظهور الحزن والكآبة وبدو الذلة والمسكنة وليدخلوا المسجد الأقصى كما دخلوه أول مرة وليهلكوا الذي غلبوا عليه ويفنوا الذي مروا عليه إهلاكا وافناء. وقوله”وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ” (الأنبياء 78) السياق يعطي أنها واقعة واحدة بعينها رفع حكمها إلى داود لكونه هو الملك الحاكم في بني إسرائيل وقد جعله الله خليفة في الأرض كما قال”يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ” (ص 26) فإن كان سليمان يداخل في حكم الواقعة فعن إذن منه ولحكمة ما ولعلها إظهار أهليته للخلافة بعد داود. قوله “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا” (الأعراف 137) فدلت الآية على أن استيلاءهم على الأرض المقدسة وتوطنهم فيها كانت كلمة إلهية وكتابا وقضاء مقضيا مشترطا بالصبر على الطاعة وعن المعصية، وفي مر الحوادث.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الأسباط جمع سبط، و الأسباط أحفاد يعقوب، و هم اثنا عشر سبطا من اثني عشر ابنا، أو أنهم قبائل من بني إسرائيل، و السّبط في اللغة: الجماعة يرجعون إلى أب واحد، و السبط على وزن درج قد يأتي بمعنى: الشجر، و الأسباط الذين هم من شجرة واحدة، و يقال: سبط عليه العطاء، إذا تابع عليه حتى يصل بعضه ببعض. المقصود من الأسباط إذن ليس أبناء يعقوب، فهؤلاء ارتكبوا جميعا ذنبا بحق أخيهم و لا يصلحون للنبوّة، بل المقصود قبائل بني إسرائيل، أو أحفاد يعقوب ممن كان لهم أنبياء. و لما كان بين هؤلاء الأسباط أنبياء، فالآية عدتهم بين أولئك الذين نزلت عليهم آيات اللّه. أسباط جمع سبط بفتح السين و بكسرها تعني في الأصل الأنبساط في سهولة، ثمّ يطلق السبط و الأسباط على الأولاد و بخاصّة الأحفاد لأنّهم امتداد العائلة. و المراد من الأسباط أيضا قبائل بني إسرائيل و فروعها، الذين كان كل واحد منها منشعبا و منحدرا من أحد أولاد يعقوب عليه السّلام. قوله تعالى “وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً” (الأعراف 160). و قد كانت الينابيع هذه مقسمة بين أسباط بني إسرائيل بحيث عرف كل سبط منهم نبعه الذي يشرب منه”قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ” (البقرة 60). وسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم معناه أي: طائفة وقطعة منه. يمكن القول بأن الذي يقاتل الحسين فإنه سيدخل في دائرة الذي يريد أن يقضي على نسل الرسول حتى قيام الساعة، أي سيكون بمثابة الذي يريد أن يخلع الشجرة بجذورها، وهذا قمة الفساد في الأرض. قوله تعالى “وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ قالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ” (الأعراف 142) لمإذا التفكيك بين الثلاثين و العشر؟ إنّ أوّل سؤال يطرح نفسه في مجال الآية الحاضرة، هو: لمإذا لم يبيّن مقدار الميقات بلفظ واحد هو الأربعين، بل ذكر أنّه واعده ثلاثين ليلة ثمّ أتمّه بعشر، في حين أنّه تعالى ذكر ذلك الموعد في لفظ واحد هو أربعين في الآية “وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ” ﴿البقرة 51﴾. ذكر المفسّرون تفسيرات عديدة لهذا التفكيك، و الذي يبدو أقرب إلى النظر و أكثر انسجاما مع أحاديث أهل البيت عليهم السلام هو أنّه و إن كان الواقع هو أربعين يوما، إلّا أنّه في الحقيقة وعد اللّه موسى في البداية ثلاثين يوما ثمّ مدّده عشرة أيّام أخرى، اختبارا لبني إسرائيل كي يعرف المنافقون في صفوف بني إسرائيل. فقد روي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال: إنّ موسى عليه السلام لما خرج وافدا إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوما، فلمّا زاده اللّه على الثلاثين عشرا قال قومه، قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا (من عبادة العجل). و أمّا أن هذه الأيّام الأربعين صادفت أيّام أي شهر من الشهور الإسلامية، فيستفاد من بعض الرّوايات أنّها بدأت من أوّل شهر ذي القعدة و ختمت باليوم العاشر من شهر ذي الحجة (عيد الأضحى).
جاء في جريدة الأخبار عن الفرق بين اليهود وبني إسرائيل في القرآن للشاعر الفلسطيني زكريا محمد: الآيات التي تعرض لليهود تختص بعلاقتهم بالإسلام والمسلمين في يثرب: ويبدو لي كذلك أن القرآن يرى في النصارى استمراراً لخط بني إسرائيل ونبوتهم. وخذ هذه الآية كدليل على ذلك: “وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين” (الصف 6). وكما نرى فعيسى بن مريم رسول لبني إسرائيل لا لليهود. أكثر من ذلك، فإن الإسلام يعتبر نفسه تتمة لبني إسرائيل ونبوتهم. وهذه نقطة التلاقي الكبرى بين الإسلام والمسيحية. وقد أصر النبي محمد دوماً على ربط وحيه بوحي موسى، واعتبر نفسه متمماً لرسالته. وموسى هو جوهر وحي بني إسرائيل. لذا كثيراً ما وصفه بأنه “أخي موسى”: (أقول كما قال أخي موسى: “ربّ اشرح لي صدري * ويسّر لي أمري” (طه 25-26)) (ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق). وفي حديث آخر أنّ الأنصار جمعوا مالاً كي يبنوا مسجداً للنبي في المدينة بعد الهجرة فرفض مفضلاً أن يصلي في عريش مثل موسى: “ليس لي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى” (مجمع الزوائد، الهيثمي). وهذه حقيقة مركزية في فهم الإسلام، وفهم الأديان التي سبقته. انطلاقاً من هذا، يمكن فهم كيف أن الإسلام كان يمتح في بعض الأحيان من مصادر قديمة قبل تبلور اليهودية التي نعرفها، وقبل تبلور التوراة التي نعرفها. التوراة تقوم على دمج بني إسرائيل باليهود. أما القرآن، فيقوم على الفصل بينهما. يؤيد هذا مثلاً أن هناك ذبيحاً واحداً فقط في التوراة هو إسحق. أما في التقليد الإسلامي، فهناك ذبيحان: إسحق وإسماعيل. وقد حذفت التضحية بإسماعيل من التوراة. أي حذفت أضحية الولد البكر. الأضحية مذكورة في التوراة لكن نموذجها، الذي هو إسماعيل، محذوف: (لي كل فاتح رحم، وكل ما يولد ذكراً من مواشيك بكراً من ثور وشاة) (خروج 34: 19). أبقي على الذبيح الأصغر، إسحق، وحذف الذبيح البكر: إسماعيل. لكن تقليد الذبيح البكر، أو “فاتح الرحم” حسب تعبير التوراة، ظل حياً في الإسلام. وهو دليل على أن الإسلام كان يمتح بشأنه من تقاليد سابقة للتوراة. وقد عرضت بالتفصيل لمسألة الذبيحين في التقليد التوراتي والإسلامي في كتابي (عندما سحقت حية موسى: نشوء الديانة اليهودية في فلسطين في العصر الفارسي).
في محاضرة للشيخ حبيب الكاظمي عن سوء العاقبة: إن من النماذج المخيفة لسوء العاقبة، ما ذكره القرآن الكريم عن بلعم بن باعوراء وهو رجل من بني إسرائيل، آتاه الله الآيات العظمى وكفر بها. إذ يقول الله تعالى عنه في خطاب للنبي صلى الله عليه وآله: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ”. وقد جاء في الروايات أن سبب هذه العاقبة السيئة، نيته لاستغلال الاسم الأعظم في الدعاء على رسول الله موسى عليه السلام، استجابة لطلب فرعون. فأصبح يضرب به المثل. قال الباقر عليه السلام في قوله تعالى “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا”: (الأصل في ذلك بلعم، ثم ضربه الله مثلاً لكلّ مؤثرٍ هواه على هدى الله من أهل القبلة).
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: يمكن أن نلاحظه في تكرار قصة موسى والفرق بين روحها العامة في القصص المكي وروحها في القصص المدني، فإنها تؤكد في القصص المكي منها العلاقة العامة بين موسى من جانب وفرعون وملئه من جانب آخر، دون أن تذكر أوضاع بني إسرائيل تجاه موسى نفسه، إلا في موردين يذكر فيهما انحراف بني إسرائيل عن العقيدة الإلهية بشكل عام، وهذا بخلاف الروح العامة لقصة موسى في السور المدنية فإنها تتحدث عن علاقة موسى مع بني إسرائيل، وتتحدث عن هذه العلاقة وارتباطها بالمشاكل الاجتماعية والسياسية.