
ضياء أبو معارج الدراجي
إن المتتبع للمشهد السياسي في العراق اليوم يلحظ بوضوح تخاذل القيادات الشيعية أمام تحديات مصيرية، ليس فقط في إدارة الدولة، بل حتى في الدفاع عن وجودها وهويتها. فقد بات الخوف من أمريكا، والخضوع تحت إغراءات الفساد، والتراجع عن الأولويات الوطنية، سماتٍ واضحة للطبقة السياسية الشيعية، مما أدى إلى السماح بتمدد القوى الطائفية البعثية داخل مؤسسات الدولة، وكسر شوكة الشباب الشيعي المتصدي للعمل السياسي.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن العراق لا يزال ساحة مفتوحة لصراعات النفوذ بين القوى الكبرى، لكن القيادات الشيعية، بدلًا من التحصن بإرادة الشعب والاعتماد على قوة الجماهير، اختارت الانحناء أمام الهيمنة الأمريكية، سواء بدافع الخوف من العقوبات، أو الخشية من استهداف شخصي، أو حتى بحثًا عن ضمانات للسلطة. وهذا الانحناء لم يكن بلا ثمن، فقد أفسح المجال أمام لوبيات الفساد التي أصبحت تدير الدولة من خلف الكواليس، محولةً ثروات العراق إلى جيوب الفاسدين، فيما يعيش أبناء الجنوب والوسط بؤس الخدمات وانعدام الفرص.
في غفلة أو تغافل متعمد، تمددت القوى البعثية داخل المؤسسات، وأعادت تشكيل نفوذها تحت عناوين إدارية، لتجد المناصب الحساسة اليوم بأيدي شخصيات كانت بالأمس القريب جزءًا من نظام صدام، أو على الأقل، تحمل فكره الطائفي. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل باتت القرارات تُصاغ بطريقة تضمن تقليص نفوذ القوى الشيعية الحقيقية، سواء في المؤسسة العسكرية، أو الأمنية، أو حتى في القضاء، مما أضعف قدرة الدولة على التصدي للخلايا الإرهابية النائمة التي بدأت تتحرك بجرأة غير مسبوقة.
لم يكتفِ المتخاذلون بإهمال قضيتهم، بل عمدوا إلى كسر عزيمة الشباب الشيعي الساعي إلى الإصلاح أو التصدي للمشهد السياسي. فبدل أن يُفتح المجال لهم لقيادة التغيير، يواجهون تسقيطًا ممنهجًا، وعرقلة قانونية، وتهمًا جاهزة، في حين يُفسَح المجال لوجوه بعثية قديمة، أو شخصيات متلونة تتقلب حسب المصالح.
اليوم، لم يعد الإرهاب يختبئ، بل أصبح قياديوه يتحدثون علنًا بخطابات طائفية، ويهددون ويشككون بحقوق الأغلبية الشيعية، دون خوف من محاسبة أو ردع. والأدهى من ذلك، أن الجماهير الشيعية نفسها أصبحت مكبلة، بعد أن رأت أن أي موقف واضح تجاه هذه الظواهر سيواجه بالقمع، أو التشويه، أو التهديد المباشر.
لم يقتصر القمع على السياسيين، بل امتد ليشمل حتى الكتاب والمحللين الشيعة، الذين باتوا مهددين في وظائفهم، ومستهدفين في أمنهم الشخصي، فقط لأنهم يجهرون بالحقيقة، أو يدافعون عن محور المقاومة، أو حتى يذكرون أسماء شهداء الحشد الشعبي الذين قدموا أرواحهم لتحرير العراق.
إن بقاء هذا النهج المتخاذل سيؤدي إلى ضياع ما تبقى من المكتسبات، وسيجعل من العراق ساحة مفتوحة للهيمنة الأجنبية، والبعثية المتخفية، والإرهاب المستتر تحت عناوين سياسية. إن لم يكن هناك وقفة حقيقية، ومراجعة جادة، فإن الشيعة في العراق ماضون نحو مزيد من التهميش، رغم كونهم الأغلبية السكانية وصناع القرار الأساسيين في الدولة.
الرهان اليوم ليس على القيادات، فقد ثبت تخاذلها، بل على الوعي الشعبي الذي إن لم يتحرك اليوم، فلن يجد غدًا من يدافع عنه.