
ميثم حاتم
د. ميثم حاتم**
من خلال قراءة بحثية في مجموعة مؤلفات المفكر الإسلامي الدكتور علي المؤمن ودراساته ومقالاته ومحاضراته، يمكن استخلاص المنظومة الفكرية للدكتور علي المؤمن، وموقفه الفلسفي والفكري العام، ومواقفه الفكرية السياسية، والفكرية الوطنية، في خمسة محاور أساسية:
1- تجديد الفكر الإسلامي والخطاب الإسلامي:
يمتلك الدكتور علي المؤمن رؤية عميقة في موضوع التجديد في الفكر الإسلامي؛ ويعتبره عملية ديناميكية بديهية وضرورة مستمرة؛ تنبع من قدرة الثوابت الإسلامية المقدسة على استيعاب تطورات الحياة والاستجابة لتحولاتها؛ فيكون التجديد في المتغيرات فقط، أي فيما يسميه الأستاذ علي المؤمن بمساحات (التفويض التشريعي) البشري؛ وليس في الثوابت؛ لأن الثوابت لا تتأثر بالزمان والمكان؛ بينما تتأثر المتغيرات بالزمان والمكان.
والمتغيرات هي التراث الفقهي الاجتهادي والتراث التفسيري القرآني والتراث الكلامي والفلسفي والفكري والتراث الأُصولي. وهناك متغيرات أخرى ترتبط بالنتاج الفقهي الاجتهادي المرتبط بالحاضر، ومثله النتاج الكلامي والتفسيري والفكري.
ويؤمن الدكتور علي المؤمن بالفلسفة الكونية التوحيدية، التي تتلخص في أن الكون هو كلٌّ لا يتجزأ، وما يمكن أن نطلق عليه أجزاء إنما هو إطلاق مجازي؛ ويرتبط بتنوع وظائف هذه الأجزاء؛ فهي تكمل بعضها الآخر، أي أنها لا تتجزأ إلّا من حيث تنوع وظائفها؛ ولها مناشئ واحدة، ومنطلقات واحدة، وأهداف وغايات واحدة. وهي تنطلق من اللـه الواحد الأحد، وتكدح باتجاهه، وتعود إليه؛ في دورة كونية متناسقة لا تستطيع فيها أية جزيئة مجهرية أو أكبر مجرة؛ الإفلات من سنن اللـه وقوانينه. كما يرى أن الإنسان هو جزء من هذا الكون المتنوع في وظائف أجزائه، والمتوحد في كينونته، والإنسان هو محور الخليقة في وظائفه وفلسفة خلقه.
وقد تميز الدكتور علي المؤمن عن غيره من المفكرين الإسلاميين المعاصرين في مجال التجديد الفكري، بإدخاله منهجية جديدة فرضتها نوعية التطور العلمي الهائل لعالم الغرب، والمبني على استشراف المستقبل وصناعته، وهو ما يضاعف من التحديات التي تواجه الواقع الإسلامي؛ فعمل السيد المؤمن على تأصيل الرؤية الإسلامية للمستقبل، وهي منهجية جديدة في التفكير الإسلامي، عنوانها: «المستقبلية الإسلامية»، تنطوي على رؤية إسلامية في استشراف المستقبل والتخطيط الإستراتيجي للمستقبل القريب والبعيد والغيبي، والوسائل العلمية لتوفير أدوات إمساك المسلمين بالمستقبل، وبناء الحاضر من أجل المستقبل، والدنيا من أجل الآخرة.
وقد جمع الدكتور علي المؤمن في هذه المنهجية بين ثلاثة حقول:
أ- المبادئ الإسلامية بشأن المستقبل والاستعداد له واستقباله وبنائه، سواء المستقبل الدنيوي المادي أو المستقبل الدنيوي الغيبي، كما نص عليها القرآن الكريم والسنة الشريفة.
ب- فلسفة التاريخ وسنن اللـه في خلقه ومسارات الحتميات الدينية وغايات الخلق ونهايته ونقطة ختامه.
ت- أدوات وآليات العلوم المستقبلية الحديثة والتخطيط الإستراتيجي المستقبلي التي ظهرت في الغرب في بدايات القرن العشرين الميلادي الماضي.
ولعل جهود الدكتور علي المؤمن الرائدة والتخصصية في مجال الدراسات المستقبلية الإسلامية، لا يرقى إليها جهد آخر، فردي وجماعي؛ فهو أول باحث إسلامي يؤسس مركزاً إسلامياً تخصصياً للدراسات المستقبلية، تحت اسم «المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية» في قم وبيروت في العام ١٩٩٨. وكان مديراً للمركز ورئيساً لتحرير إصداراته حتى العام ٢٠٠٤. واستعان بهيئة علمية مؤلفة من (١٦) أكاديمياً وعالم دين ومفكراً، من تسعة بلدان إسلامية، وأسس منهجية رائدة في الدراسات المستقبلية الإسلامية عنوانها «المستقبلية الإسلامية»، كما ذكرنا، وعكف على تدوينها بين الأعوام ١٩٩٨ و2001. وفي إطار المركز أصدر مجلة «اتجاهات مستقبلية» الشهرية في العام ١٩٩٩، وظل يشرف عليها حتى توقفها، ثم أصدر مجلة «المستقبلية» العلمية المحكمة في العام ٢٠٠٠، والتي استمرت حتى العام ٢٠٠٤، وكان رئيس تحريرها. كما ألّف خمسة كتب حول الدراسات المستقبلية الإسلامية، أربعة منها بمشاركة باحثين آخرين، وقد صدرت في العام ٢٠١٧، والخامس من تأليفه فقط، وقد صدر في العام 2023، والكتب الخمسة متفردة في موضوعها. إضافة الى مشاركته في بحوث ومحاضرات في عدد كبير من الندوات والمؤتمرات، فضلاً عن المقابلات التلفزيونية في موضوع الدراسات المستقبلية الإسلامية.
ويمكن استخلاص رؤيته في التجديد الفكري الإسلامي والبناء الفكري الإسلامي الجديد، وكذلك منهجيته وجهوده التأصيلية في الدراسات المستقبلية الإسلامية، من خلال كتبه ودراساته ومؤسساته: «الإسلام والتجديد»، «جدليات الدعوة»، «الفكر الإسلامي المستقبلي»، «مقاربات في الفكر والثقافة»، «قضايا التجديد في الفكر الإسلامي»،
«النظام السياسي الإسلامي الحديث»، «الفقه والسياسة»، «الفقه والدستور»، «المستقبلية الإسلامية»، «أسلمة المستقبليات»، «من المعاصرة الى المستقبلية»، «تجديد الشريعة»، «إحياء نهضة الحسين بين الشعائرية والطقوسية»، إضافة الى المجلات والمؤسسات التي ترأس تحريرها، كمجلة «التوحيد»، سلسلة «كتاب التوحيد»، مجلة «المستقبلية»، وكراس التعريف بـ«المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية» وعدد من الدراسات والمقالات والمحاضرات في هذا المجال.
2- تأصيل الفكر السياسي والدستوري الإسلامي:
ينظر الدكتور علي المؤمن الى الإسلام باعتباره نظاماً حياتيا كاملاً، يستوعب كل مجالات الحياة، ويتلاءم مع كل زمان: عمودياً، ومع كل مكان: أفقياً. وهذا النظام الحياتي هو القانون العقيدي والعملي الذي يربط دنيا الإنسان بآخرته، ويحدد مسار الإنسان ومصيره في الحياة الآخرة. وهذا الإسلام العقائدي والشعائري؛ يمتلك قابلية متفردة على الانفتاح على الحضارات الإنسانية، وعلى العصر بكل تطوره الحضاري والمدني والعلمي؛ واستيعاب كل متطلبات العصر، ولا يتخلّف عن استخدام أدوات العصر المنسجمة مع روح الشريعة، وهو إسلام العدل والحرية والسلام والحب والعمران.
ويعتقد الدكتور علي المؤمن بوجود إسلام واحد فقط، ويرفض تسميات الإسلام السياسي والإسلام غير السياسي، أو الإسلام الديني والإسلام المدني، أو الإسلام الأصولي والإسلام الليبرالي، بل يعتقد بان الإسلام واحد لا يتجزّأ وحقيقة واحدة، وتتمظهر في تعاليمه نظم مختلفة: سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها. وهذه النظم متعددة في وظائفها ومتكاملة في غايتها وهدفها. ولكن لا يمكن التنكر الى حقيقة إن قراءات المسلمين متعددة حيال الإسلام؛ حتى ظهرت تسميات ومصطلحات وكأنها تمثل إسلاماً معيناً. ولكن هذه القراءات منسوبة للمسلمين وليس للإسلام. أي أن التعددية الإسلامية هي تعددية بشرية تتعلق بقراءات بشرية، وليس بحقيقة الإسلام الواحدة.
ويمكن استخلاص رؤيته في تأصيل الفكر السياسي والدستوري الإسلامي، من خلال كتبه: «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، «الفقه والسياسة»، «الفقه والدستور»، «جدليات الدعوة»، «الفكر الإسلامي المستقبلي»، «مقاربات في الفكر والثقافة»، «قضايا التجديد في الفكر الإسلامي»، إضافة الى عدد من الدراسات والمقالات والمحاضرات في هذا المجال.
3- الاجتماع الشيعي وتفكيك البنية الطائفية:
يعمل الدكتور علي المؤمن على مواجهة الفكر الطائفي والسلوك الذي يفرزه في الواقع الإسلامي مواجهة علمية عميقة، ويدعو الى الحوار والتفاهم والتقارب بين المسلمين، وصولاً الى التعايش على أسس رصينة، دون إفراط وتفريط، وبعيداً عن التهويل والتبسيط. وهو في هذا المجال يهدم واقعاً لا إنسانياً ولا إسلامياً، ويشيد بديلاً واقعياً. وحيال ذلك؛ فإنه يطرح الموضوع الشيعي على طاولة البحث، لكي يتعرف الشيعي وغير الشيعي على الاجتماع الديني والثقافي والسياسي الشيعي؛ إذ يعتقد الدكتور علي المؤمن بأن التشيع العقائدي الشعائري الحضاري؛ بأبعاده الإنسانية والعقلية والفلسفية والفقهية والاجتماعية؛ هو تشيع آل البيت (ع) الأصيل، وليس التشيع الطائفي والطقوسي والشعبوي. والتشيع هو قراءة أل البيت للإسلام في مقابل القراءات الأخرى للإسلام. وهي القراءة التي تمثل حقيقة الإسلام. ويدعو الى النظر الى قيادة الاجتماع الديني الشيعي المتمثلة في المرجعية الدينية وولاية الفقيه، نظرة علمية وواقعية، بعيداً عن الانحيازات الطائفية والوعي الموروث.
ويرى الدكتور علي المؤمن في المرجعية الدينية الشيعية، فضلاً عن وظيفتها الدينية والعلمية، ضماناً للحفاظ على الوجود الشيعي وهويته ووحدته ونهوضه، وضماناً لعلاقة تعايش عقلانية متوازنة مع الوجود السني. وتشكل المرجعية الدينية المنظومة الدينية المجتمعية لأتباع أهل البيت (ع) في كل العالم، فلا يقتصر دورها على البعد العلمي، أو مهمة الاجتهاد والتقليد والولاية على الفتوى والأحكام الشرعية والولاية على الحقوق الشرعية؛ بل يتعداه الى الحاكمية بين أتباع أهل البيت بالمعنى القضائي وبالمعنى الاجتماعي، ولذا يسمى الفقيه بـ “الحاكم الشرعي”.
ومن هنا؛ فإن الولاء للمرجع الأعلى ليس ولاء دينياً فقهياً وحسب، ولا يستبطن التعاطف والحب والتبعية الحماسية وحسب؛ إنما هو ولاء مبني على التعاقد الديني والاجتماعي بين نائب الإمام المعصوم وبين الأمة. ويرى الدكتور علي المؤمن بأن التعمق في مأسسة الحوزة العلمية، سيعطيها قوة أكبر وتأثيراً أوسع على كل الصعد.
أما مصداق المرجع الأعلى والمرجعية الدينية العليا؛ فهو ما يفرزه أهل الاختصاص من الفقهاء، وفقاً لمعاييرهم في الأعلمية والعدالة والكفاءة الإدارية والقيادية وغيرها من المعايير التي تضع المرجع الأعلى في الموقع المحوري للمنظومة الدينية الاجتماعية الشيعية.
ويمكن استخلاص هذه الرؤية من خلال كتبه ودراساته: «جدليات الدعوة»، «الإسلام والتجديد»، «سنوات الحصاد»، «صدمة التاريخ»، «مقاربات في الفكر والثقافة»، «قضايا التجديد في الفكر الإسلامي»، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، «الفقه والسياسة»، «الفقه والدستور»، «الاجتماع الديني الشيعي»، «المنظومة الطائفية»، «إحياء نهضة الحسين بين الشعائرية والطقوسية» وعدد من الدراسات والمقالات والمحاضرات في هذا المجال.
4- إعادة كتابة تاريخ العراق السياسي المعاصر والحركة الإسلامية:
يمتلك الدكتور علي المؤمن منهجية خاصة في قراءة التاريخ الإسلامي عموماً، وتفسير التاريخ العراقي خصوصاً. ويرى إن تاريخ العراق كُتب ـ غالباً ـ بأقلام طائفية وعنصرية زيّفت الحقائق. وبدوره؛ يقسم الدكتور المؤمن المراحل التاريخية المفصلية الأساسية التي مرّ بها العراق الى خمس مراحل:
أ- المرحلة العراقية المتعددة قومياً ودينياً وثقافياً: وقد استمرت منذ ظهور بدايات المدنية في العراق وحتى الفتح الإسلامي. وحكمت فيها الدول السومرية والبابلية والآشورية والفارسية والعيلامية والعربية.
ب- مرحلة الفتح الإسلامي: والتي حوّلت العراق الى نقطة انطلاق عسكرية لجيوش المسلمين نحو شرق آسيا. وفيها حدث التحول الديمغرافي الأساس في العراق؛ إذ حكم المهاجرون الحجازيون واليمنيون العراق، وانتهت حقبة الشعوب العراقية السامية: السومرية والبابلية والآشورية، وكذا الحكومات الآرية الفارسية، ومعها أديانها ومعتقداتها التوحيدية وغير التوحيدية. وأصبح العراق بمرور الزمن بلداً مسلماً ذي أكثرية عربية؛ شأنه شأن البلدان التي فتحها المسلمون في شمال أفريقيا؛ والتي أصبحت بمجموعها تشكل مجموعة البلدان العربية.
ت- مرحلة خلافة الإمام علي والإمام الحسن: انتهت باحتلال الأُمويين للعراق في عهد معاوية بن أبي سفيان. وهي المرحلة المتميزة في تاريخ العراق؛ شكلاً ومضموناً؛ فقد تحول العراق في عهد الإمامين علي والحسن (عليهما السلام) الى مركز لحكم الإسلام المحمدي الأصيل، ومركزاً لإشعاع العدالة الإسلامية الإنسانية. كما تحول العراق الى محور جغرافي لحركة العالم عموماً وحكم العالم الإسلامي خصوصاً.
ث- مرحلة الحكم الطائفي العنصري: بدأت بعد انتهاء دولة الإمام الحسن بن علي (ع)، وانتهت بسقوط السلطة العراقية عام 2003. وقد استمرت ما يقرب من (1350) عاماً. وفيها حكمت ـ غالباً ـ السلطات الأموية والعباسية والعثمانية، ثم الاحتلال الإنجليزي والعهدين الملكي والجمهوري. ويستثنى من هذه المرحلة الفترات القصيرة التي سيطرت فيها الأُسر الشيعية على مقاليد الحكم في العراق، وخاصة الأسرة البويهية والأسرة الصفوية. ويعتقد الدكتور المؤمن إن الدول الأموية والعباسية والعثمانية كانت سلطات أسرية سلطانية تحكم بأسلوب الإمبراطوريات الثيوقراطية في شكلها، والعلمانية في مضمونها؛ شأنها شأن الإمبراطوريات البائدة: الفارسية والرومانية واليابانية والصينية والفرعونية. ولا تختلف عنها أيضا الإمبراطوريات التي حكمت باسم مذهب آل البيت (ع)، كالعلوية الديلمية والبويهية والصفوية والحمدانية والإدريسية والفاطمية والعادلشاهية والأودية الهندية.
ح – مرحلة العراق التعددي: بدأت بسقوط السلطة العراقية التاريخية التقليدية. وهذه المرحلة التي لانزال نعيشها؛ هي مرحلة شراكة المكونات العراقية في بناء الدولة والسلطة والمجتمع. وهي المرحلة الوحيدة التي يشترك فيها الشيعة العراقيون كمكون اجتماعي في إدارة قرار الدولة والسلطة؛ بعد ما يقرب من (1350) سنة من العزلة والتهميش والإقصاء والاضطهاد.
من هنا؛ يرى الدكتور المؤمن ضرورة كبرى لإعادة كتابة التاريخ العراقي بمنهجية موضوعية؛ ومن ذلك كتب التاريخ والتربية الإسلامية في المؤسسات التعليمية العراقية. وهذه الكتابة فيما لو اعتمدت بالفعل المنهجية العلمية التحقيقية؛ فإنها ستحل كثيراً من إشكاليات الحاضر والخلافات بين المكونات الدينية والطائفية والقومية العراقية. وستعيد للعراقيين حقائقهم الديمغرافية الواقعية التي تحيلهم أمة عظيمة متعايشة متماسكة.
ويعد الحركة الإسلامية مظهراً أصيلاً للواقع الاجتماعي الديني للعراق، وليست مجرد جماعات ومؤسسات وتنظيمات. وبضرورة الحركة الإسلامية التغييرية المنظمة في إيصال المجتمع الى أهداف الإسلام وغاياته على كل الصعد، وصولاً إلى تأسيس الدولة الإسلامية، مع الأخذ بالاعتبار أن أدوات تأسيس الدولة الإسلامية مختلفة. ويرى أن الحركة الإسلامية، الأصيلة في أسسها وقواعدها ومعاييرها الفقهية والعقائدية، هي حركة واحدة، وإن تعددت أسماؤها وأساليبها وأدوات عملها، دولة كانت أو حزباً كانت أو حركة أو منظمة أو تياراً أو مؤسسة. وهي نموذج الأصالة من جهة، والتحضر والمدنية والعصرنة والحداثة من جهة أُخرى.
ويمكن استخلاص هذه الرؤية من خلال كتبه ودراساته: «سنوات الجمر»، «سنوات الحصاد»، «صدمة التاريخ»، «جدليات الدعوة»، «عروس الفرات»، «الإسلام والتجديد»، «الفكر الإسلامي المستقبلي»، «مقاربات في الفكر والثقافة»، «قضايا التجديد في الفكر الإسلامي»، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، «الفقه والسياسة»، «الفقه والدستور»، «القرن العشرون»، «الاجتماع الديني الشيعي»، دراسة «الملف السياسي في حركة السيد محمد باقر الصدر» وعدد من الدراسات والمقالات والمحاضرات في هذا المجال. إضافة الى دراسات ومؤلفات أخرى، بعضها لم يُنشر بعد، مثل: «محاكمة الجريمة” و«سنوات الرماد» و«سنوات الحصاد» وغـيرها.
مميزات فكر الدكتور المؤمن ومنهجه:
من خلال ما كتبه المفكر الإسلامي الدكتور علي المؤمن وعبّر عنه في مؤلفاته ودراساته ومحاضراته؛ يمكن استخلاص مميزات فكره ومنهجه بما يلي:
1- إنه فكر عملي وليس تنظيرياً ترفياً وفلسفياً طوباوياً، كما إنه مقرون بوجود مؤسسات لتفعيله.
2- إنه فكر يكتشف الحاجات والإشكاليات النظرية والفكرية والاجتماعية والتاريخية، بمنهجية حفرية، ثم يناقشها ويحللها ويفككها، ثم يقارب الحلول، أي أنه لا يترك الإشكاليات سائبة، ولا يحدد المشاكل والحاجات وحسب، بل يجد لها البدائل.
3- إنه ذو رؤية متوازنة وواقعية للقضايا والإشكاليات ذات العلاقة بالتجديد الفكري والنظام الاجتماعي الديني الشيعي والمرجعية الدينية؛ فهو إصلاحي محافظ في هذا المجال، ويتحدث عنها بحذر، كأنه يمسك بمبضع جراح دماغ، أي أنه في بعض القضايا يجسد اليمين الإصلاحي أو الأصولية المعتدلة، وأخرى إصلاحي تغييري، وذلك تبعاً لطبيعة القضية والموضوع، وهو بذلك متأثر بمنهجيتين متقاربتين متكاملتين، هما: منهجية السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة الإسلامية الذي بقي منتمياً إليه حتى العام 2000 تقريباً، ومنهجية الإمام الخميني وأدبيات الثورة الإسلامية الإيرانية.
4- إنه فكر متجدد وإصلاحي، وينطوي على قلق فكري وعدم السكون، ولذلك نجد دائماً تنقيحات وإصلاحات في الطبعات الجديدة لكتبه، ولكنها ليست إصلاحات جذرية.
5- إنه فكر يجمع بين الأصالة والمعاصرة، أي الأصالة في الثوابت العقدية والقواعد الفكرية، والمعاصرة في المنهجية العلمية واللغة وأساليب البحث.
6- إنه فكر واضح وعلمي؛ فلغته عصرية، يصفها البعض بالرشاقة والإبداع، في الوقت الذي يستند الى المنهج العلمي.
7- إنه يجمع بين الموسوعية والتخصص؛ فالدكتور علي المؤمن من المفكرين المعاصرين القلائل الذي جمعوا بين الموسوعية والتخصص؛ إذ كتب في أكثر من اختصاص، ولذلك وصفه بعض الباحثين بالمفكر الموسوعي، لكنه لا يرى أن الاختصاصات التي كتب فيها هي اختصاصات متنوعة، قد يكون في الجانب العلمي قد مارس الصحافة والإعلام والعمل الحزبي والسياسي قبل أن يتفرغ للعمل الفكري. وفي كتاباته هناك بعض الاستثناءات الأدبية، كالقصة القصيرة والرواية، لكن حتى هذه الاستثناءات تدخل في إطار مشروعه الفكري، ولذلك يمكن القول إنه موسوعي في أدواته وليس موسوعياً في اختصاصاته.
8- إنه فكر تراكمي ويجمع بين الثبات والدينامية، بسبب استقرار الدكتور علي المؤمن على ثوابته العقدية الفكرية والاجتماعية الدينية، التي تبلورت تدريجياً منذ كان عمره (15) عاماً، حين وعى على حركة الصدر والخميني، وبقي منتمياً لمدرستهما، رغم مرور أكثر من أربعة عقود ونصف على بدء حراكه الفكري. أما المرونة والدينامية فتكمنان في عدم توقف حراكه الفكري في مساحة المتغيرات، وعدم سكون فكره؛ إذ يعتقد بأن السكون الفكري يعني موت العقل.
9- المثابرة والدأب على مواصلة العمل الفكري والبحثي، والمقرون بالمطالعة والدراسة المنهجية في الحوزة العلمية والجامعة.
وسائل الدكتور المؤمن لتنفيذ مشروعه الفكري:
اعتمد الدكتور علي المؤمن ست وسائل أساسية لتنفيذ مشروعه الفكري:
1- تأليف الكتب؛ إذ صدر له أول كتاب في العام 1991، وقد بلغ عدد مؤلفاته (34) كتاباً حتى العام 2024.
2- إصدار المجلات والدوريات ورئاسة تحريرها، وكان أولها رئاسة تحرير مجلة «التوحيد» الثقافية البحثية الفكرية في العام 1991، وآخرها مجلة «شؤون مشرقية» في العام 2008
3- كتابة الدراسات والمقالات؛ فقد كتب مئات الدراسات والمقالات التي تصب في مشروعه الفكري، والمنشورة في الدوريات العربية والأجنبية.
4- تأسيس وإدارة المؤسسات البحثية، وكان أولها «مؤسسة التوحيد للنشر الثقافي» في العام 1994، وآخرها «مركز دراسات المشرق العربي» في العام 2007، والذي لا يزال ينشط فيه.
5- المحاضرات والظهور الإعلامي: بدأ بالظهور في وسائل الإعلام بشكل مكثف منذ العام 1996، ولديه مئات المقابلات في الصحف والمجلات والإذاعة والفضائيات العربية والأجنبية.
6- المشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية: شارك في مئات الندوات والمؤتمرات المحلية والعالمية فيما يقرب من (20) بلداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الدراسة مستلة من كتاب «علی المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري» إعداد الباحثة والأكاديمية اللبنانية الدكتورة رفاه معين دياب، ومشاركة أكثر من (50) مفكراً وباحثاً.
(**) باحث وأكاديمي من العراق، أُستاذ في جامعة الأديان.