الكاتب : ادم مهدي دويغر الكعبي
—————————————
أن تكون أكاديميًا… بين الأصالة والانحراف بين أصالة علي الوردي وبلاغة سامي المظفر… وهاوية المساومة ..
بقلم الكاتب والمحلل الأكاديمي
أ د م مهدي علي دويغر الكعبي
أن تكون أكاديميًا ليست مسألة تتعلق بلقب وظيفي يُذيل به توقيعك في مخاطبات رسمية ولا منصب إداري تتكئ عليه لترفع صوتك على الآخرين أن تكون أكاديميًا يعني أن تكون شاهدًا على الزمن وسندًا للحقيقة ومُضيئًا في العتمات التي يتخبط فيها العقل البشري.
إن الأكاديميا الحقيقية هي تلك التي تأسست على قيادات أصيلة رجال ونساء لم يكتفوا بتعليم الطلبة بل ألهموهم ولم يبحثوا عن النفوذ بل حموا القيم ولم يهادنوا الفساد بل حاربوه بالفكر والموقف. هؤلاء لم يكونوا معصومين لكنهم كانوا مخلصين وكانوا يرون أن الجامعة ليست جدرانًا بل ضميرًا وأن البحث العلمي ليس أوراقًا تُنشر بل رسائل تُبنى.
في المقابل نشهد اليوم ملامح أكاديميا جديدة مشوهة ومفرغة من أخلاقيات المهنة حيث يُختزل الأكاديمي إلى موظف طامع يمارس سلطته على الطالب لا ليبني بل ليهدم. حين يتحول الأستاذ من “أبٍ علمي” إلى مساومٍ رخيص من مرشد إلى متحرش من حامل رسالة إلى ناقل صفقات… عندها نعلم أننا خسرنا شيئًا جوهريًا .. أخلاق الأكاديميا.
نعم ربما وُجدت في الماضي حالات شاذة لكن كان هناك أيضًا سياج من الهيبة والاحترام يردع وبيئة تربوية تربي وأسماء تشبه النخيل … سامقة . ثابتة. مثمرة. واليوم حين نقارن بين علي الوردي — بعبقريته الجريئة ورؤيته النقدية — وبين بعض من يحسبون على الأكاديميا ممن يبيعون درجات الامتحان كما تُباع السلع ندرك الفجوة الأخلاقية والمعرفية التي اتسعت بين الأمس واليوم.
وحين نذكر الدكتور سامي المظفر العالم النقي المثقف الذي تنبع كلماته من قلب الوطن نجد أن الأكاديمي الحقيقي يشبه النبي في صبره لا يتكلم إلا بالحق ولا يصمت إلا حكمة. يقف موقفًا حتى لو خسر منصبه لأنه يدرك أن الثمن الحقيقي هو خيانة العلم لا خسارة الكرسي.
فكن وطنياً قبل أن تكون أستاذاً.
كن مربّياً قبل أن تكون باحثاً.
كن ضميراً قبل أن تكون قائداً.
العلم ليس زينة ولا سلماً للسلطة بل عهد عهدٌ بينك وبين الله بينك وبين طلابك بينك وبين الوطن والعهد لا يُنقض.
أن تكون أكاديميًا يعني أن تُعيد الاعتبار لمعنى أن تكون إنسانًا أولاً ثم عالِمًا.
يعني أن تمشي على درب الوردي لا من ساوم على شرف الأكاديمية ممن انتهكوا عرض العلم قبل أن يُهينوا الطالب فحوّلوا منبر المعرفة إلى سوقٍ للمصالح ومن القاعات مسارحَ للتملق والانحدار المتاجر بالشرف.
يعني أن ترى في كل طالب ابنًا لا ضحية. وفي كل سؤال فرصة للوعي لا أداة للهيمنة.
الأكاديمي الحقّ هو ذاك الذي لا يُستدرج للهاوية ولا يخون رسالة العلم بل يبقى جسرًا بين الأصالة والمعاصرة بين الفكر والموقف وبين العلم والكرامة
نحن لا نطلب معجزة… فقط نطالب بأن يعود الأستاذ إلى مكانه الطبيعي …. ضوءٌ في طريق الجيل
فلا تكن مجرد “منظّر”… كن قدوة.
ولا تكن متعاليًا… كن أبًا تكن عالمًا بحق.