اسم الكاتب : شذى السوداني وعبدالحسين بريسم
تحقيقات وتقارير
الشناشيل جمع شـنشـول؛ الذي يعد عنصراً معمارياً يتمثّل في بروز الغرف في الطابق الأول أو ما فوقه، تُبنى الشـناشـيل من الخشـب المنقوش والمزخرف والمحفور والمبطّن بالزجاج الملون. وتعد إحدى عناصر البناء المعماري التقليدي الصحراوي في البلاد العربية الحارة لما لها من خاصية في تلطيف الأجواء.
وكالة الأنباء العراقية(واع)تجولت على ما تبقى من بيوت الشناشيل في مدينة العمارة
قرن من التاريخ المعماري
المؤرخ عمار القاضي قال لوكالة الأنباء العراقية (واع ): لجأ الناس الى بناء البيوت والشناشيل ابتداء من العصر العباسي إلى بلوغ أوج ازدهارها في العهدالعثماني ،وتسمى عند البعض ب(الروشن ) وفي مصر المشربية نسبة لوضع شربة الماء فيها أو المشرفية ،لأنها تشرف على الشارع.. وهي تتيح لصاحب البيت النظر إلى من في الشارع من دون أن يراه أحد بسبب الزخرفة الخشبية المتشابهة فيه بفن ،ووجود الزجاج الملون”.
وأضاف أن “مدينة العمارة تعدّ من المدن التي اشتهرت باحتضان وعمل هذا اللون والعنصر المعماري وأجادت فيه وما زالت بعض البيوتات بالرغم من تهالكها وضياع ملامحها شاهدة على هذا الفن المبهر في أحياء الصابونچية والجديدة والمحمودية والسرية وغيرها” ، مشيراً الى أن ” الباحث الأستاذ عبد الجبار عبد الله الجويبراوي أشار الى أن مراحل بناء هذه البيوت بدأ حينما جلب الحاج محمود المهدي في العام 1900اثنين من الأسطوات الشاميين فبرعوا في بناء بيوت الشناشيل وعلى يد هؤلاء تتلمذ عدد من الخلفات الذين أصبحوا يجيدون بناء بيوت الشناشيل ومنهم السيد حسين الدرازي وسيد رزوقي وسيد أحمد السامرائي وحسن خميس والحاج فيلح حسن والحاج محسن ليلو.. وللأسف فإن الإهمال طال هذه المعالم وأهملها المسؤولون إبان العهد المباد إلى أن قامت منظمة إنسانية عالمية بعد سقوط الديكتاتورية بالعناية بالتراث وإعادة الحياة الى ثلاث بيوت تراثية ،وتم تأهيلهن فظهرت مكامن الجمال والإبهار وعبق الاصالة..
واليوم يوجد العديد من البيوت التراثية في ميسان بحاجة الى رعاية واهتمام وإعادة تأهيل لما فيها من جماليات لهذه المدينة العريقة”.
وطالب القاضي المعنيين بهذا الشأن الى “الالتفات الى هذه الحضارة الميسانية والأخذ بعين الاعتبار جمال التراث الميساني لأنه بصمة تاريخية مهمة” .
تحف معمارية نادرة
الباحث جمعة المالكي من مؤسسة الهدى للدراسات قال: إن “مركز محافظة ميسان كان يزخر بعدد كثير من البيوت الجميلة ،وكما متعارف عليها بالشناشيل ،وهي ذات الشرف الجميلة والمنحوتة بشكل جميل من الأخشاب النادرة وتصاميمها الهندسية الرائعة التي تتحمل الظروف الجوية ولمئات السنين” .
وأوضح أن “في هذه البيوت ذكريات الآباء والاجداد وكذلك الشخصيات العلمية والدينية والأدبية والفنية ، وبعد ما حصل في العراق من تحول العام 2003 هُدمت تلك البيوت الجميلة وتحولت إلى أسواق وعمارات ولم يبق منها إلّا القليل ، وكم كنا نأمل بأن يحافظ على هذه المعالم الجميلة وإدامتها بالطريقة الى تحافظ على صورتها وتحويلها الى أماكن ثقافية وفنية لتعقد فيها الجلسات الأدبية والفكرية ،ومن الممكن أن يكون في أحدها مسرح ،وفي الآخر معرض للفن التشكيلي ،ومعرض دائم للكتاب ، وللأسف الشديد لم يبق منها ألّا دار واحدة أو اثنين”.
جماليات المكان
من جانبه عد الدكتور ليث صبار من جامعة ميسان ،الأزقة القديمة التي تقع في مدينة العمارة التي تتوسطها الشناشيل التراثية بتصاميها القديمة الجذابة جزءاً من الهوية التراثية الميسانية التي يفتخر بها كل مواطن .
وقال: إن ” الأزقة التراثية تضيف جمالاً ونوراً لمدينة يعود تأريخها وإرثها الحضاري للحضارة السومرية ،ومع الأسف تعرض ذلك الإرث الثقافي الى الإهمال والتهميش بل تحولت غالبية تلك البيوت الصغيرة القديمة التي تحتوي على الشناشيل إلى مخازن لمختلف البضائع أو بيوت مهجورة ومتهالكة”.
ودعا صبار الجهات المسؤولة وأصحاب الشأن الى “الالتفات لهذا الإرث الحضاري والتاريخي والثقافي وإعادة تأهيله وترميمه ليكون إشراقة لمدينة ميسان أسوة بشارع الرشيد في بغداد الذي بذلت الحكومة العراقية جهوداً لإعادة تأهيله لأنه يمثل تحفة معمارية ومزيجاً من الفن والعمارة والحضارة والإرث المعماري ،ومن الواجب الحفاظ عليه وصيانته حيث تعرف المدن بثقافتها وإرثها التاريخي ،خصوصاً أن المجتمع اليوم أكثر تمسكاً بالطراز المعماري القديم وحتى القوانين الدولية تنص على الحفاظ على ما تبقى من الإرث الحضاري والتاريخي والثقافي وفق معايير طبيعية وثقافية وهذا مثبت رسمياً في لائحة التراث العالمي لليونسكو التي شهد العراق دخولاً ضمن هذه اللائحة بعد إدراج أهواره ومناطقة التراثية العام ٢٠١٦”.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
أمنيات بتحويلها الى متاحف
من ناحيته رأى الشيخ فراس المحمداوي ،أن الحفاظ على هذه البيوت التراثية التفاتة رائعة وجيدة خاصة وأن النظام العالمي المعمول به يمنع هدم البيوت التي تجاوز عمرها المئة عام ويفضل أن تستملكها الدولة وتصبح متاحف أو منتديات ادبية وثقافية وفنية”.
وتابع أنه ” في محافظة البصرة- منطقة نظران وسط مدينة البصرة القديمة ،توجد بيوتات قديمة يعود تاريخها لزمن الاحتلال العثماني قد تم تحويلها الى منتديات ثقافية ادبية وفنية وذلك بعد صيانتها وإعادة ترميمها ،كل محافظات العراق تزخر بالمعالم التراثية ،ولكن في ميسان تم هدم قصور مهمة مثل قصر الشيخ محمد العريبي الذي هدم في تسعينيات القرن الماضي وأبدل ببنايات مشوهة وهدمت مئات بيوتات الشناشيل في منطقة السرية والسراي ومنطقة التوراة والسوق الكبير”،داعياً الى “الحفاظ على ما تبقى واقترح تحويل قصر الشيخ مجيد الخليفة الكائن بالقرب من جسر العمارة الأخضر الى متحف تراثي يحفظ تاريخ ميسان الحديث لفترة الاحتلالين العثماني والبريطاني وما بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة” .
ذاكرة مدينة
الاستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي أكاديمي من جامعة ميسان مختص بجماليات المكان أشار الى أن ” للماضي رموزاً وإشارات كثيرة ،ومنه ما يشير إلى الآزمنة ومنه ما يشير إلى الأمكنة..وفي العراق الكثير من هذه الإشارات والرموز الدالة على طبيعة الحياة الماضية ،منها طرز الأبنية ومعماريتها التي تميزت بها البنية والأشكال في العمارة وطرائق تنفيذها ومن بين هذه الطرز المعمارية الشناشيل .. فهي تشير بطريقة تنفيذها وتكويناتها إلى فترة بداية فن العمارة الحديثة مع مطلع تكوين المدن العراقية ومنها محافظة ميسان ومدنها الحضرية مثل العمارة وقلعة صالح وغيرها .. الشناشيل شكلت ذاكرة المدينة وعبق الماضي الجميل مع النهضات العمرانية الأولى وما زالت شاهدة على هذا النهوض العمراني في مدينة العمارة وأحيائها الأولى في السرية والسراي والصابونجية والتوراة وغيرها من الأحياء” .
إعمار وصيانة
الفنان محمد الخزعلي مدير المركز التنسيقي للثقافة والفنون قال :من تراثنا الجميل بيوت الشناشيل التي كانت شاخصة في أزقة ميسان القديمة وامتازت هذه البيوتات بالفن المعماري الرائع إضافة إلى جمال الزخارف والنقوش التي كانت تمثل لوحة فنية في غاية الجمال والروعة ،وما يؤسف له أن هذه البيوتات اختفت وغابت عن الوجود حيث كان المفترض بالحكومة المحافظة على هذا التراث وتحويل بعضه الى متاحف لتطلع الأجيال على مهارة وحضارة وفن الأجداد”.