نوفمبر 22, 2024
393525783_1250374525632980_3064613385562165735_n

اسم الكاتب : رياض سعد

لم تتعرض أمة من الامم للهجوم والتشويه والتسفيه كما تعرضت الامة العراقية الاصيلة , ولم ينتقد شعب بالحق والباطل كما تم انتقاد واستهداف الشعب العراقي النبيل ؛ وهذه الهجمات المنكوسة  والحملات الشرسة لا تستهدف تاريخ شعب العراق وحاضره فحسب ؛ بل وجوده ايضا ؛   ومما تقدم تعرف ان هويتنا الوطنية وعراقيتنا الاصيلة كانت ولا زالت معرضة للخطر الدائم والمستمر  ؛ وهوية كل بلد تعتمد بالدرجة الاولى على سكانه الاوائل ومواطنيه القدامى ؛ وبما ان الاغلبية العراقية  الاسلامية الشيعية العربية  تمثل البوتقة الوطنية  التي انصهرت فيها اقوام بلاد الرافدين الغابرة واديان وطوائف وثقافات العراق القديمة … ؛ اضحت الاغلبية العراقية تساوق مفهوم الامة العراقية ؛ وهذا لا يعني خروج الاخرين من دائرة مفهوم الامة العراقية ؛ فأثبات الشيء لا ينفي ما عداه ؛ فنحن هنا نتكلم عن النسب الوطنية في التركيبة  السكانية العراقية وتأثيرها على التاريخ الوطني والثقافة العراقية والهوية الشعبية ؛ اذ مما لا شك فيه ان نسبة الاغلبية عالية جدا , ولا تقارن بها اية فئة او مكون او مجموعة اخرى , مما جعلها تتصدر المشهد العراقي طوال التاريخ ؛ ولعل هذه المقولة المنسوبة لصدام تكشف لنا حقيقة الامر ؛ فقد نقل احدهم في احدى البرامج المتلفزة ؛ انه قال لصدام : لماذا تحاربون شعائر الدين الشيعية كالتطبير ولا تحاربون طقوس الدروشة والدراويش ؛ فأجابه صدام : ان الاولى واسعة الانتشار وتمثل ثقافة العراق و لسان حال الوطن ؛ بينما الظاهرة الثانية محدودة ومحصورة ولا تعكس ثقافة الشعب العراقي …!! ؛ فوجود الهوية العراقية يعتمد اعتمادا كليا على وجود هوية الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ فكلاهما وجهان لحقيقة واحدة ؛ و من ذلك نتعرف على ان الوحدة الشيعية العراقية سبيل للوحدة الوطنية العراقية  ؛ فهي تفضي اليها فيما بعد , و وحدة الشيعة ليست صمام امان للأغلبية  الوطنية الاصيلة فحسب ؛ بل هي صمام امان وقارب نجاة للامة العراقية جمعاء … ؛ وعليه لا يمكن ان نحقق الاهداف الوطنية والسيادة العراقية الا من خلال التأكيد على هوية الاغلبية العراقية  الاصيلة و العمل على وحدتها الوطنية  ورص صفوفها الجماهيرية … ؛ فنحن اليوم معنيون بفتح ابواب الحوارات الشيعية المختلفة والتي تفضي الى وحدة الاغلبية العراقية  لاسيما فيما يتعلق بثوابت الهوية العراقية والسيادة الوطنية والثوابت السياسية … , وعلينا مقاطعة ومكافحة الذين يغردون خارج السرب الشيعي العراقي الوطني ؛ فلابد من العمل الدؤوب من اجل ان يكون جميع ابناء الطائفة الشيعية  العربية العراقية تحت مظلة  وحدة الاغلبية العراقية  والتي تمثل وجه العراق الحقيقي والبهي … ؛ ومن هنا تعرف ان دونية الشيعة وحمقى وجهلة و مرتزقة الاغلبية العراقية الاصيلة ضررهم لا يقتصر على الشيعة فحسب بل يطال الهوية الوطنية والامة العراقية برمتها … ؛ فمن العار ان تتدعي انك مواطن عراقي اصيل وعربي  شيعي  نبيل اولا ؛  وصاحب انتماءات اخرى ثانيا ؛ ولا شغل لك سوى الانسياق خلف الدعايات والافتراءات  المنكوسة , والسيناريوهات المفبركة التي يبثها اعداءك واعداء بني جلدتك … ؛  ونقد التجربة السياسية الديمقراطية بشتى الطرق القانونية وغيرها , بل والعمل على اسقاطها جملة وتفصيلا  , والدعوة الى العودة الى زمن التسلط التكريتي والاجرام البعثي والرعب الصدامي … , بالإضافة  الى حصر ظاهرة  النقد الهدام وحملات التسقيط والتخوين والقدح والاستهزاء والسخرية  داخل دائرة الاغلبية العراقية فحسب … ؛  فإلى متى يستمر هذا القيء السمج , وجلد الذات , والقيح المليء بالدونية وفقدان الهوية والغيرة الوطنية الشيعية الاصيلة ؟!

وهذا لا يعني ترك النقد البناء وعدم بذل الجهود الوطنية المخلصة لتصحيح الامور وبالطرق الذكية والوسائل السلمية والادوات العلمية والواقعية ؛ وذلك من خلال تمكين شرفاء واحرار وغيارى وكفاءات وشخصيات الاغلبية والامة العراقية سياسيا  , وتشجيعهم على تبوء المناصب الحساسة والمهمة , ودفعهم للسيطرة على كافة مرافق الدولة الاقتصادية والثقافية  والعامة , و مراكز القرار الديني والاجتماعي والاعلامي … الخ . 

ولعل خطورة المواقف الدولية وتربص الاعداء بنا  , وشدة بأس خصومنا واجرامهم  ؛ يجعلنا نغض الطرف عما جرى بين بعض فصائل وجماعات وفئات  وشخصيات واحزاب الاغلبية العراقية الاصيلة  ؛ ونغفر لهم اخطاءهم وهفواتهم احيانا ؛  بل ونصبر على حماقات البعض منهم وتصرفات  وقرارات البعض الاخر السلبية … ؛  وندعو الى حلحلة  المشاكل والملفات الشائكة  من خلال الحوار الودي فيما بيننا  ؛ وذلك تجنبا للصدام الدموي او الانزلاق نحو مستنقع الحروب الاهلية والصراعات الداخلية المدمرة ؛ فلا سبيل للنهوض بالعراق والاغلبية والامة العراقية الا من خلال تفعيل ادوات الحوار الحضاري بين ابناء الاغلبية العراقية ومن ثم بين ابناء باقي مكونات الامة العراقية الاخرى … .

ومن اعظم الاخطاء التاريخية الفادحة التي اعترضت طريق احرار وغيارى الامة العراقية ؛ الخلط المقصود والفكر المنكوس الذي طالما ربط بين  وجود الشيعة كوجود بشري قديم  ومكون اجتماعي اصيل وبين المدارس والعقائد الدينية التي تتدعي تمثيل الشيعة والتشيع , وتختزل سكان العراق الاصلاء ؛ بفكرة دينية واحدة ومدرسة مذهبية فاردة .

و ظلت بعض الحركات الإسلامية الشيعية العراقية على مدى عقود من الزمن ؛  تحشد التعاطف الجماهيري وتوسع القاعدة الشعبية  المساندة لمشروعها الهلامي ؛ وبوسائل بدائية وادوات بسيطة ؛ وتستجدي الدعم المادي من هذا وذاك  ؛ والذي لا يوظف بصورة صحيحة لخدمة الاغلبية العراقية بل يذهب بجيوب بعض العوائل الدينية والشخصيات الاسلامية ذات الاصول غير العراقية  ؛ ومع كل هذه السلبيات والخطوات المتعثرة ؛ حققت بعض التأييد الشيعي العراقي والدعم الجماهيري ؛ لا لكونها اهلا لذلك , او جاء هذا التأييد نتيجة للجهود المنظمة الحثيثة ؛ بل لفراغ الساحة العراقية الشيعية من غيرهم , ولاندفاع الاغلبية العراقية وراء كل صوت معارض حتى وان كان تافها وسطحيا واجنبيا وغريبا ومنكوسا , وتصديقهم بالأدعياء  من اشباه القادة والرجال  وانصاف المتدينين , والخطباء  المأجورين و (الروزخونية ) النفعيين …  ؛ والمصيبة ان هؤلاء يدعون ادعاءات اكبر من حجمهم وفكرهم الضحل ؛ ويبشرون بمشاريع وبرامج سياسية واجتماعية وثقافية واخلاقية واقتصادية … ؛ تكون بديلة عن المشاريع والرؤى الحضارية والمدنية والسياسية التي تبشر بها الاحزاب العلمانية والليبرالية واليسارية … ؛ وعندما يعرضون بضاعتهم الكاسدة والفاسدة على الجماهير البسيطة ؛ يربطون بينها وبين الاسلام ؛ ويتشدقون بأن الحل يكمن في الاسلام والاسلام فحسب , وهم يقصدون بذلك اسلامهم المشوه والمقلوب ؛ فهؤلاء ينطبق عليهم قول الشهيد المطهري : ( انا احب الاسلام بشرط ان اكون انا حجة الاسلام ..!! ) … فهم يعتقدون انهم باب الله , وفكرهم يمثل شرع الله  , ومن خالفهم ؛ حلت عليه لعنة الله …!! .

وعلى الرغم من تسنم البعض منهم المسؤولية العامة واحتكارهم للأموال السياسية والدينية الطائلة ؛ واعتمادهم على المخزون الروحي العراقي والذي يشكل اساسه الاسلام العلوي – ان جاز التعبير –  …  ؛ وتسلم بعضهم زمام السلطة بعد العام 2003 ؛ الا انهم فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق امال الشيعة وتطلعات الاغلبية العراقية الاصيلة في الحياة الكريمة والعيش الرغيد … ؛ ولا زالوا والى هذه اللحظة يخلطون بين تعاليم الاسلام النبيلة وبين سلوكيات احزابهم وتنظيماتهم السياسية الفاسدة والمشبوهة والمنكوسة  ؛ ولأنهم يدعون التدين , ويتكلمون نيابة عن المتدينين ؛ صارت هذه الحركات والاحزاب والتنظيمات جزءا من الدين وتعبيرا عنه ؛ فلا يؤخذ الدين من سواهم ؛ وان الحقوا به افدح الاضرار المعنوية وشوهوا سمعته التاريخية  .  

فقد كرست بعض الحركات الإسلامية الشيعية  لدى عموم العراقيين الاصلاء  فكرة احتكارها للدين وأن المخرج من حالة الاستبداد والفقر والجهل والظلم … ؛  هو تطبيق الشرع والذي قد يبيح لهم سرقة اموال الشعب والوطن بذرائع وحجج مختلفة … ؛ ومن المعلوم ان هذه العوائل الدينية والحركات الاسلامية القشرية فقدت بريقها وشعبيتها ابان حراك الشيوعيين واليساريين والقوميين والبعثيين والعلمانيين والمثقفين  في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم … حتى ان اغلب ابناء العوائل الدينية  وقتذاك ؛ ارتموا في احضان تلك الاحزاب المعارضة للدين جملة وتفصيلا  ؛  الا ان اجرام النظام البعثي التكريتي ودموية السلطة آنذاك , واضطهادها لمختلف المعارضين وانقلابها على الشيوعيين … ؛ دفع الاغلبية العراقية للتعاطف مع تلك الحركات والاحزاب ولو بصورة محدودة ؛ واستثمرت تلك الاحزاب والحركات هذا الامر ؛ ومارست دور الضحية , والاغلبية تتعاطف مع ضحايا الحكومات الطائفية بصورة عفوية ولا ارادية … ؛ وبهذه الثنائية السياسية السلبية , حصدت تلك الاحزاب والحركات ثمارا لم تزرعها قط , وانما جادت بها يد القدر . (1)

وعليه لابد لنا من وضع دستور وطني وعرف عراقي متفق عليها بين كافة الفصائل والحركات والاحزاب والشخصيات والتوجهات الشيعية وبغض النظر عن عقائدها الدينية واراءها الاسلامية ؛ اذ اننا في هذا المقام نتحدث عن اغلبية سكانية ومكون اجتماعي لا عن طائفة دينية او مجاميع من الملتزمين دينيا بهذه المدرسة الدينية او تلك … ؛ ويمثل كافة مصالح وتطلعات وتوجهات ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ بما يضمن حرية الرأي وسيادة الهوية الوطنية العراقية الاصيلة ؛ وهذا الامر يتطلب من الجميع التنازل عن بعض مطالبهم الشمولية ونظرتهم الدوغمائية وآرائهم الجزمية  , و وضع قواعد سياسية وطنية واقعية وعلمية وركائز ثقافية تسود المشهد العراقي ؛ ولا يحق لأي شخص او جهة او فئة الخروج عليها  … ؛  كي نسدل الستار على صفحات الاتهام بالعمالة والتخوين , والتراشق بالسباب والشتم , ورفع الشعارات الطنانة والتشدق بالخطب والعبارات الرنانة ؛ ونعمل بروح الفريق الواحد … .

…………………………………………….

  1. عن مقالتي : لا تحتكروا التشيع العراقي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *