الامام الصادق وعصمة ائمة أهل البيت عليهم السلام

د. فاضل حسن شريف

يقول الامام مالك عن الامام الصادق عليه السلام (إنه كان من العلماء العبّاد الزهّاد، ولم يمنعه زهده وتبتله عن الكسب وطلب المعاش من وجوهه المشروعة مع الإجمال في الطلب والاعتدال في الأنفاق وأداء الحقوق، كما أنه ينهى عن الكسل والبطالة). قال الإمام أبو حنيفة النعمان: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد، لمّا أقدمه المنصور الحيرة، بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيّئ له من مسائلك تلك الصعاب، قال فهيّأتُ له أربعين مسألة ثم بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة فدخلتُ عليه، وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرتُ بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمتُ وأذِن لي، فجلستُ ثم التفت إلى جعفر، فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا، قال نعم، هذا أبو حنيفة ثم أتبعها قد أتانا. اكثر العلوم الدينية التي تميز بها الامام الصادق عليه السلام علوم التفسير حيث كان له احاطة كبيرة بتفسير آيات القرآن الكريم، بالاضافة الى الحديث. كان المنصور العباسي الد اعداء الامام الصادق عليه السلام وحاول مرات عديدة اغتياله في اكثر من مكان في العراق والحجاز. جاء في كتاب نهج الدعوات للسيد بن طاووس: دعا المنصور قائد من قواده فقال: انطلق الى المدينة في ألف رجل فاهجم على جعفر بن محمد وخذ رأسه ورأس أبنه موسى بن جعفر في مسيرك.

العصمة لا تكون بدون العلم اللدني وهذا التلازم يدركه العقل ويقول به المنطق فأنكشاف ألاشياء للمعصوم نبيا كان أو وصيا تجعله في موضع الثقة وألاطمئنان من قبل الذين يتعاملون معه من الناس مثلما تجعله مقبولا للذين يأتون من بعدهم وأن لم يشاهدوا النبي والوصي ولكن تكون أثارهم حاضرة ومناقبهم معروفة يتناقلها الناس. والظاهرة البشرية عند النبي والوصي لاتنسخها العصمة ولكن تبقى تتجلى في أحسن صور ألادمية سلوكا وفهما فالنبي والوصي: يأكل الطعام ويمشي في ألاسواق ويؤدي المعاملات ويتزوج ويهرم ثم يموت قال تعالى “أنك ميت وأنهم ميتون” (الزمر 30) قال نبينا صلى الله عليه وأله وسلم: (مابعثت بالرهبنة وأن من سنتي النكاح) وقال تعالى “ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم مايلبسون” (ألأنعام 9) هنالك دعا زكريا ربه: قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة أنك سميع الدعاء” (آل عمران 38) وقال تعالى:” وما أرسلنا من قبلك ألا رجالا نوحي اليهم فسألوا أهل الذكر أن كنتم لاتعلمون ” (النحل 42). ولذلك نرى أن المحاججة التي كادت تقع مع علماء النصارى وتراجعوا عنها كانت مبنية على العلم الذي أفاضه الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى “فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين” (آل عمران 61). وهذه ألاية الكريمة المباركة أختصرت وصاية النبي صلى الله عليه وأله وسلم والتي عرفت في ألاسلام بألامامة فكيف يعقل أن يكون النبي الذي لاينطق عن الهوى أن هو ألا وحي يوحي لاسيما وأن الله تعالى خصه في ألاية رقم -61- من سورة آل عمران “فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين” (آل عمران 61) بأفاضة العلم عليه فكيف يعقل أن يصطحب النبي معه للمباهلة من سماهم أبناءنا ونساءنا وأنفسنا وهم كل من:- 1- الحسن والحسين. 2- وفاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. 3- وعلي بن أبي طالب وقد سمته ألاية نفس محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهؤلاء هم الذين فزع منهم علماء النصارى وقالوا لقومهم: إذا جاء محمد مع أهل بيته فأياكم ومباهلتهم فتصعقوا وإذا جاءكم بغير أهل بيته فباهلوهم؟ وكان ألاحرى بالمسلمين وعلمائهم أن يلتفتوا الى حقيقة هذا الموقف ولا يقدموا أحدا مهما كانت منزلته في ألاسلام على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين هم ذرية بعضها من بعض بوصف القرأن الكريم وهذا خيار لأنملك منه شيئا بأمر الله تعالى وأرادته “الذين أستجابوا للله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم وأتقوا أجر عظيم” (آل عمران 172) والذين لم يهتدوا الى مفهوم ألامامة وأنكروا وجودها في القرأن أو في تعريف جبرئيل عليه السلام للآيمان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمام جمع من المسلمين والذي عقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك اللقاء بقوله: هذا جبرئيل جاء يعلمكم دينكم؟

جاء في الصفحة الاسلامية في موقع وكالة انباء براثا عن ذكرى ولادة الامام جعفر الصادق عليه السلام للكاتب مجاهد منعثر منشد: كان جدُّه زين العابدين عليه السلام أيضاً من أكابر العلماء والزّهاد. حيث كانت حياة الامام ما بين عام 83 و148 هـ فقد قارنت شطراً من حياة الامام السجاد وأيام امامته، حيث كانت امامته ما بين عام 61 و95 ه، فقد عاش معه أثنى عشر سنة، ثم عايش إمامة أبيه الباقر عليه السلام التي شرعت عام 95 هـ وامتدت إلى عام 114هـ.وقد تميزت امامة الباقر عليه السلام بتصديه لنشر العلم، ولذا يقول الشيخ المفيد: ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهما السلام من علم الدين والاثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الادب ما ظهر عن أبي جعفر.و قام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام بإمامة الأمّة في سنة 114هجرية، عاصر في مجمل فترة إمامته عدّة حكّام من بني أميّة وبني العباس، فمن الأمويين: هشام بن عبد الملك بن مروان، ووليد بن يزيد بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وإبراهيم بن وليد بن عبد الملك، ومروان بن محمَّد، ومن العباسيين: أبي عبد اللّه بن محمَّد السفاح وأبي جعفر منصور الدوانيقي.وعاصر من المجازر المروعة في عهد بني أميّة ما لحق بزيد بن عليّ الذي صلب وعلق على المشنقة في سنة 122ه، ناهيك عما لحق به من تمثيل، ولـم يكتفِ الأمويون بذلك فقتلوا ولده يحيى بشكل مروع.وعايش الامام الصادق عليه السلام حقائق ثلاثة في تاريخ الامة الاسلامية وهي قدرة الإسلام على التجديد والابداع والعطاء في كافة المجالات.وانحراف الحكام وحدوث هوة سحيقة بين المبادئ الإسلامية وبين السلطة الحاكمة.وحيوية الامة الإسلامية وقدرتها على التحرك ضد الحكام المنحرفين عن الإسلام.فكان الامام الصادق عليه السلام منصرفا عن الصراع السياسي المكشوف الى بناء المقاومة بناءً علميا وفكريا وسلوكيا يحمل روح الثورة، ويتضمن بذورها لتنمو بعيدة عن الأنظار وتولد قوية راسخة، وبهذه الطريقة راح يربّي العلماء والدعاة. يتصفح التاريخ قبل قيام الدولة الصفوية، يلاحظ أن الحكومات الشيعية التي قامت في البلاد الشرقية كانت معدودة، وأشهرها حكومة البويهيين، كما يلاحظ أن هذه الدول لم تتوسل بالقوة أو النفوذ السياسي لنشر المذهب الشيعي، وإنما اقتصرت على التمسك بالتقاليد والأعراف والمبادئ الشيعية، وفي مقدمتها الاحتفالات الدينية في أيام التعزية، وبصورة خاصة يوم عاشوراء عام 61 للهجرة الذي استشهد فيه الإمام الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء، ولم يكتب لدولة شيعية أن تستقر طويلاً في بلاد الشرق بعد البويهيين، باستثناء دولة الفاطميين في غرب العالم الإسلامي، إلى أن قامت الدولة الصفوية في القرن العاشر الهجري ( 1502 ـ 1736م ).ومع ذلك، أخذ التشييع ينتشر في ربوع الشرق بثقافته العلمية المنطقية المبسطة، بإصرار وثبات في مقاومة التيار الحكومي المعادي له، وإن لم ينجح في إنشاء مركز سياسي أو نظام حكومي يستند إليه، أي أنه نجح بالفكر لا بالسلطان، وبالروح لا بالقدرة المادية.ان الامام كان يستهدف بعمله ومدرسته الاهداف الاتية:اولاً: حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية والالحادية والمقولات التي لا تنسجم وعقيدة التوحيد التي نشأت كتيار كونته الفرق الكلامية والمدارس الفلسفية الشاذة، لذا انصبت جهود الامام عليه السلام على الحفاظ على اصالة عقيدة التوحيد ونقاء مفهومها، وايضاح جزئياتها وتفسير مضامينها وتصحيح الافكار والمعتقدات في ضوئها ولذا فقد درب تلامذته امثال هشام بن الحكم على الكلام والجدل والمناظرة والفلسفة ليقوموا بالدفاع عن عقيدة التوحيد وحمايتها من المعتقدات الضالة، كما الجبر والتفويض والتجسيم والغلو وامثالها من الاراء والمعتقدات الشاذة عن عقيدة التوحيد.ثانياً: نشر الإسلام اما الهدف الثاني لمدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وجهوده فهي نشر الإسلام وتوسيع دائرة الفقه والتشريع، وتثبيت معالمها وحفظ اصالتها، إذ لم يُرو عن احدٍ من الحديث ولم يُؤخذ عن امام من الفقه والاحكام ما أًخذا عنه، اساسا وقاعدة لاستنباط الاحكام لدى العلماء والفقهاء والسائرين على نهجه والملتزمين بمدرسته والمنتسبين الى مذهبه الذي سُمي باسمه ( المذهب الجعفري ).فتميز عصر الامام الصادق عليه السلام بأنه عصر النمو والتفاعل العلمي والحضاري بين الثقافة والتفكير الاسلامي من جهة، وبين ثقافات الشعوب ومعارف الامم وعقائدها من جهة اخرى، ففي عصره نمت الترجمة، ونقلت كثير من العلوم والمعارف والفلسفات من لغات أجنبية الى اللغة العربية.أن المنهل العلمي للمذاهب الأربعة السنية مصدره الامام الصادق عليه السلام وسنقراء أقوالهم في وصف الامام عليه السلام من الاحترام والتوقير، ولابد من ايضاح مسألة قبل الحديث في هذا الموضوع… وهي في القرن السادس الهجري أصدر الخليفة العباسي