اسم الكاتب : سليم الحسني
ظاهرة جديدة بدأت تولد في الوسط الشيعي العراقي، قد تكون بسيطة في ملامحها لكنها تعبّر عن تطور مهم في العلاقة بين النخب الشيعية وبين المرجعية الدينية.
يمكن أن نضع اليد على إحدى تلك البدايات، مع المبادرة الشيعية التي طرحها عدد من الشخصيات الشيعية، وتم توجيهها الى بعض كبار العلماء في النجف الأشرف. وكانت تسعى الى مواجهة الخلل في الكيان الشيعي، والتصدي للمخاطر التي تهدد الشيعة.
وقد تبع تلك الخطوة توجه عدد من الكتّاب وشخصيات الشيعة في خطاباتهم نحو علماء وأساتذة الحوزة ومطالبتهم بالتفكير في أوضاع الشيعة والإقدام على خطوات سريعة تنقذهم من خطر يزحف عليهم بسرعة، وتظهر ملامحه في الأفق السياسي وخصوصاً كلما اقتربنا من الانتخابات النيابية.
من المرجح أن مثل هذه التوجهات عند النخب ستتحول الى اتجاه واسع في الساحة الشيعية، بعد ان وجدت بأن باب المرجعية العليا مغلق أمامهم، وأن الأسئلة والمناشدات يقابلها مكتب المرجع الأعلى بالإهمال، وهو ما يمكن أن تتعامل معه الفئة المثقفة والنخبة الشيعية على أنه منهج إستعلائي غريب على أجواء المرجعية التي عُرفت تاريخياً في تفاعلها وتواصلها مع الأجواء الشيعية بمختلف مستوياتها وفئاتها. فلم يعهد الشيعة من قبل مظاهر انعزال المراجع عن الأمة، فمقامهم الديني يستند الى نيابة الإمام في عصر غيبته، لا أن يدخلوا هم حالة الغيبة، وإلا تنتفي الحاجة اليهم، ويزول مبرر قيادتهم الدينية للشيعة.
إن لجوء النخب الشيعية الى أساتذة وعلماء الحوزة، يكشف مستوى الحرص الذي يملكه المثقف الشيعي. وهذا عامل قوة يبعث على التفاؤل، فالنخب الشيعية لا تصل الى درجة اليأس والإحباط، وحين تجد أن أبواب المرجع موصدة لأي سبب كان، فانها تواصل مسؤولياتها في اللجوء الى القيادات الشيعية الموجودة في الساحة تطلب منها الرأي والحوار والموقف. وهذه هي الروح الناهضة التي تميز الشيعة، فما تعلّموه من الحسين عليه السلام في نهضته، يجعلهم في تواصل مستمر مع قياداتهم الدينية، فاذا ما تراجعت إحداها عن دورها لأسباب خاصة أو ضاغطة أو رغبة في التقاعد، فأن النخبة والجمهور الشيعي يلجأ الى القيادات البديلة التي أثبتت حضورها في الساحة، وبذلك تستمر خطوات الشيعة في مواجهة التحديات وفي تنظيم الصفوف ومعالجة ما تداعى من كيانهم.
إن الحالة الصحيحة والمطلوبة أن تكون المرجعية العليا بمكاتبها والمسؤولين عن جهازها حاضرة متواصلة مع الأمة، لكن حين تفرض عليها الظروف الإبتعاد، فان البديل هو الذي يأخذ الموقع القيادي، وتلك هي طبيعة الحياة الميدانية خصوصاً في الظروف الساخنة كالتي يعيشها شيعة العراق.