اسم الكاتب : سليم الحسني
هوى ابن ملجم بالسيف على رأس عليّ. قبضوا عليه، اقتصوا منه، لكن السيف ظل طليقاً. راحت الأيدي تتناقله، يرثه قاتل عن قاتل، وظالم عن ظالم.
دار سيف ابن ملجم على الكوفة وكربلاء والحجاز واليمن والشام، لكن أكثر استقراره كان في العراق، أرض عليّ وموطن حكمه وختام حياته.
في الظلام، يلمع شيء كعين الذئب، يأتي من جهة الصحراء، يتخفى بحذر، يقضي الليل متوارياً، وفي الصباح تكون المجزرة. قُتلوا بذاك السيف، فهذه ضربته كررها في المحراب، في ضريح عليّ وفي أضرحة أبنائه.
طوال الوقت، بعد كل صلاة، يُفتي وعاظ السلطان أن حافظوا على سيف ابن ملجم بدون غمد، انقعوه بدماء أبناء عليّ. إنْ جف ساعةً ينكسر، وإنْ انكسر غابت عنكم الشمس.
في الظلام يلمع شيء كناب الخنزير، يأتي من جهة الصحراء. لا يتخفى ولا يحذر، معه ضجيج وصراخ. يطلع الصباح على تكريت، يتلون النهر بالدم، وأسماء الضحايا (عليّ وأبناء عليّ).
سيف ابن ملجم محفوظ في مأمنه، والقاتل يمسكه مطمئناً، مزهواً منتشياً ينتظر جولة أخرى. ستكون هذه المرة أمضى وأشد فتكاً. فاصحاب الحق تفرقوا، وأصحاب الباطل تجمعّوا، وعليّ يرى محنته فيهم.
صمت قرب محراب عليّ، والناس تنتظر الكلمة.
ضجيج فارغ في الكوفة، والناس تحتاج العقل.
تجارة وخداع قرب ضريح الحسين، والناس تريد الصدق.
مساومة في بغداد، والناس تريد العدل.
وصاياك مهجورة يا سيد المتقين. البطون الجائعة التي اطعمتها، عاد لها الجوع يقضمها.
حول ضريحك بيوت العلماء ومنابر الدرس تبدو للرائي عامرة مزدحمة، لكنها زحمة الخواء، فكل مشغول بنفسه، ولا شأن لأهل الشأن بشيعتك.
سيف ابن ملجم يلمع مثل عين التنين، يراه أهل البصرة والناصرية والعمارة والديوانية والنجف وكربلاء وبغداد. والعلماء الذين يعيشون باسمك وعلمك، يغمضون أعينهم، فلا رأي ولا خطوة ولا كلام.