نوفمبر 22, 2024
66

اسم الكاتب : عقيل الطريحي

أن تكون أمة يعني أنها تمتلك ماضياً من نجاحات وإخفاقات  …. تاريخاً من أحداث ومواقف وأفعال متشابكة ومختلفة ومتنوعة ، فيها الجيد والسيء والمقبول والمرفوض ، وهذه الأحداث هي التي تؤسس شخصية الأمة ومكوناتها ومنظوماتها القيمية . وفيما تتبلور القيم عبر صراعات ومخاضات إلى منظومات قيم ومثل وسمات وطبائع ، فإن بعض هذه القيم – جيدها وسيئها – قد تتمنى الأمة أو أجيال منها لو لم يكن ، أو قد ينتهي بعضها في حياة الأمة ، أو قد يبقى بعضها يراوح كمكون قيمي ، لكنها جميعاً لاتغادر تاريخ الأمة . تبقى لصيقة في الذاكرة وتشكل عوناً في إنتاج وعيها وتحديد مساراتها. ومهما أوغل الحدث أو الموقف في التاريخ ، فإنه بمثابة ” كروموسوم ” في بنية الأمة قد يضعف تأثيره إلا أنه يبقى فاعلاً وإن بقدر ، وهذا ما يصنع الوجدان الشعبي والمزاج المجتمعي حتى إنك لا تتوهم في سمات وخصائص كانت لأمة أو شعب أو مجتمع عندما تقارنها قبل قرن من الزمان بما يحدث في حقب لاحقة.
إن هذا يمثل محتوى الوعي الاجتماعي والنفسي للأمة ، ويسهم في تحديد توجهاتها لمستقبل أجيالها ، ومادة لاستنطاق التطورات الجارية ، عبر كمّ هائل من الأحداث والمواقف والأفعال وصانعيها .
ولايمكن الإنفكاك من تضادّ الأحداث واختلافها والتقاطع بين صناع تاريخ الأمة ، حتى وإن لم يجمع بينهم زمان أو جغرافيا ، وينعكس ذلك انقسامات حادة أحياناً قد ترفع أشخاصاً أو فئة لسيادة المشهد وقمع الآخرين ، لكن هذا الأمر لايعني بأي حال قدرة أي  رغبة أو قوة أو سطوة أو سلطة على شطب الحدث .
وربما يسجل الحدث أو الموقف بقراءة مختلفة ، أو بتأويل منحاز ، رفضاً أو قبولاً ، أو بانحراف لإتجاهاته في الصيرورة التاريخية للأمة ؛ إما لمصلحة أو لتعصب أو تطرف أو انسجاماً مع منهج ما. في المحصلة سيكون لكل حدث موقعه في الذاكرة وتأثيره “الكروموسومي”. سيكون الإختلاف في التفسير والإستنطاق وأدواتهما.
وبالرغم من هذا الاختلاف ، فان الغايات إذا كانت متقاربة ومشتركة في “كلمات سواء” فلاخشية على حيوية الأمة وقدرتها على التفاعل الحضاري ومواجهة التحديات ووضع الخطط اللازمة لرقيها وإثراء تقدمها وازدهارها والتواصل البناء مع غيرها من الأمم بشخصية تفاعلية إيجابية لها من الاستقلال والثقة بالنفس أن يكون لها الحضور المؤثر  ان في محتواها الداخلي أو في علاقاتها مع الآخرين .
أما إذا كانت الشروط السابقة غائبة عن بديهيات التكامل أو التنافس أو الصراع فإن أول الحصون تهديدا في الأمة سيكون تكوينها باختلال الأمن والسلم الأهليين ، ومهما كان اللهاث وراء المصالحة المجتمعية فإن النتائج لن تكون إلا مزيداً من احتراب حقيقي تغذيه مصالح أمم أخرى أو مزيداً من إنقسامات مجتمعية تجذر تشضي الأمة إلى أجزاء وهويات أصغر .
في العراق تتعاظم مسؤولية الشباب والأجيال الصاعدة أن تعي هذه الحقائق ، فتترجمها مشاريع حوار قائم على قبول الآخر ، وخططاً لمقاربة الإستنطاق المطلوب لكل المكونات الإيجابية والسلبية للذاكرة العراقية بهدف انتاج المشتركات الممكنة كاشتراطات لما ينبغي ان يكون عليه وطن عمره يمتدّ منذ بدء الخليقة .
إن التغيير يبدأ من قبول كل  “كروموسومات” الأمة ومعادلاتها ، وإن أخطاء أمة ما أو بالأحرى أخطاء بعض صناع تاريخها، من الممكن أن تكون عناصر نجاحها بإستقلال وإرادة وثبات أبنائها المؤمنين بقدرتها على النهوض .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *