اسم الكاتب : حسين جلوب الساعدي
الهوية الوطنية ،حقوق المواطنة الانتماء الوطني، الدولة والشعب والأرض والجغرافيا والتاريخ، والعرق والانتماء العرقي والقومي والاعتقاد والدين والمذهب والأفكار العلمانية والمدنية والقوى المؤدجلة شيوعية وماركسية واشتراكية وراسمالية وليبرالية وحداثوية وقومية وعروبية وكردية وتركمانية ووو…، كلها تزدحم في عالم التفكير والمشاعر والمزاج والتي تؤدي الى انفعال بتجاوز الحقائق او يفرض توجه يعتقد من خلاله تشكيل الهوية ويستخدم كل أساليب الفرض والإرهاب والقوة والاتهام والتجريم .
ان موضوع الهوية الوطنية في العراق مر بمسارات وبرامج متعددة وكانت جميعها متعثرة او مبسترة او ناقصة او منقطعة او غائبة ومغيبة حتى أضحت هاجس مزعج لكثير من المخلصين وشعار لكثير من المنفعلين .
وفي أجواء التحول الجديد في العراق بعد2003 اخذت تطرح قضية الهوية الوطنية وهي تحمل في ثناياها كل كوامن الحراك الفكري وتفسير حركة التاريخ وقراءة الواقع الاجتماعي واستحضار طبيعة مكونات المجتمع العراقي .
فالهوية الوطنية التي يسعى لطرحها البعض في مثل تلك الخلفيات والأجواء محملة بالشعارات والخلط بينها وبين مفهوم الوطن والمواطنة الحديثة تمثل رأياً او اثارة في طريق التفكير لفهم الهوية وتشكلها وتكوينها ومكوناتها وظروف اثارتها .
ان الموضوع لا يمكن وصفه بمقال او كتاب او مؤتمر او ملتقى وانما هو مخاض في ثنايا الوعي والإخلاص والسعي لعراق مستقر وامن ومنسجم .
ومن اجل اثارة أجواء التفكير في ظروف المخاض العسير اعرض بشكل مقتضب المشاريع والمبادرات والمساعي لتشكيل الهوية الوطنية وإقامة الامة العراقية وهي :
1- العروبة والانفصال عن الدولة العثمانية : انطلقت حركات سياسية وفكرية تدعوا للنظر بالخصوصية العربية في الأقاليم العربية التابعة للدولة العثمانية وكانت من بينها حزب الفتاة العربية والحركة اللامركزية لادارة الأقاليم وتوجت بالثورة العربية الكبرى عام 1916 لتحرير البلاد العربية من الاحتلال العثماني بقيادة الشريف حسين ملك الحجاز وكان الشعور القومي هو الذي يحدد ملامح الهوية على ما يدعون .
وانتج هذا الشعور المطالبة بتنصيب ملك عربي من أبناء الشريف حسين فتلك فترة كان الشعور القومي هو الذي يحدد الهوية العراقية .
2- تأسيس الدولة العراقية التي كانت ابرز سماتها النزعة الطائفية التي استبطنها المكون السني ومارسها بابشع صورها تجاه المكون الكردي الذي لم تلحظ فيه الخصوصية القومية والمكون الشيعي الذي اخذ يحاصرها تحت شعار الذي اطلقه المس بيل البريطنية (ان الشيعة اغراب) وأضاف اليها مزاحم الباحجي (ان كل شيعي في العراق فهو إيراني) ونصح طالب النقيب الإدارة البريطانية (بعدم الاعتماد على الشيعة لانهم لديهم خفة بالعقل والممارسة) واصر عبد الرحمن النقيب على عدم اشراك الشيعة في حكومته المؤقته وبعد الضغوط كان للشيعة وزيراً واحد في اغلب محطات الدولة القومية .
اذا فقد بدأ المشروع القومي الطائفي ناقص مجزء يحمل في طياته العداء والفرقة والقتال والتناحر والاستحواذ والاقصاء والاضطراب وعدم الاستقرار .
3- الحركة الإسلامية ومقاومة الاحتلال والجهاد والثورة ورفض المعاهدة والدستور والانتخابات التي أراد فرضها الاحتلال البريطاني والنزعة الطائفية لساسة العراق .
وكان مطالب المرجعية في ثورة العشرين وما بعد ان يكون عراقاً موحداً ينعم جميع أبناءه بالكرامة والحرية من دون تمييز فكانت الثورة والمرجعية بدفاعها عن الدولة العثمانية وبمحاربتها وثورتها عام 1920 ذات ابعاد وطنية ودينية وقد تنامى الشعور الوطني والتقى الكرد والشيعة وبعض السنة في ساحة واحدة وهي رفض الاحتلال والدعوة للاستقلال وتكوين الدولة العراقية .
لكن تراجع هذا التوجه و حوصر حينما التقت الإرادة البريطانية بضرب الثورة والثوار مع الرغبة السياسية والنزعة الطائفية والهوية الوطنية منحصراً بيد السنة العرب والترك .
4- الملك فيصل الأول يدرك ازمة الهوية الوطنية والأمة العراقية في مذكرته التي جاء فيها (ان البلاد العراقية ينقصها اهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والدينية فهي والحالة هذه مبعثرة القوى منقسمة على بعضها) ليطلق مذكرته التي رفعها للقيادات السياسية للنظر بالواقع العراقي والعمل على تكوين الامة العراقية التي جوبهت بالرفض لانها لا تنسجم مع تكوين الدولة الطائفية وكان اكثر فقراتها تحمل هواجس من وعي الشيعة الأكثرية ومن انفصال الكرد عن العراق فالهوية الوطنية وتكوين الامة العراقية التي سعى اليها الملك فيصل الأول ذهب ادراج الاحداث بوفاته وما بعده بقتل ابنه (غازي) وحفيده الوحيد .
5- الطائفية وتكوين الهوية التي تمد جذورها واحداثها الى الدولة العثمانية ووممارستها الطائفية اتجاه الشيعة من منعهم من ابسط الحقوق والحياة والمشاركة منعهم من التعليم والتمليك والحياة .
وتجذرت في تأسيس الدولة العراقية واخذت كل ملامحها من تأسيس الدولة العراقية 1921 الى 2003 .
وكان نتاجها قيام حزب البعث والنظام الدكتاتوري في العراق الذي اخذ يصور ان الهوية الوطنية هي الحزب والثورة والقائد الأوحد والحزب الواحد والفكر والذوق والمزاج الذي ينساق مع خطابات السيد الرئيس .
ولاجل تكوين الوحدة الوطنية والهوية الوطنية قتل واعدم وسجن وتهجر كل من لم ينساق مع حزب البعث ونظامه الطائفي فاصبح احدى خيارات تكوين الهوية تحدت الحديد والنار والقتل والاعدام والتعذيب واخيراً انتهت بسقوط النظام الطائفي القومي ليبحث البعض في انقاضه العفنه لتدوير نفايا الهوية الوطنية الطائفية والعنصرية بثوب جديد .
6- الهوية الوطنية وحضارة وادي الرافدين وهي دعوة يطلقها البعض في تلمس ملامح الخصوصية العراقية تحت طبقات الطمى والانقاض وفي احضان الحفريات التي تخبرنا عن الحضارة السومرية والبابلية في جنوب العراق المتصارعة والمعادية للحضارة الاشورية في شمال العراق .
ان شعار الهوية الوطنية القائمة على أساس ما نتج عن الحفريات في اور واريدو والوركاء ونينوى وبابل والتفاخر ان العراق اول من سن القوانين وانه اول من خط بالقلم وأول نظم عملية الري والسدود وأول من شيد المدن وأول من اكتشف العجلة ووو… هذه هي الهوية الوطنية كما يطرحها البعض وينادي بها الاخر في عالم التيه والانقطاع الحضاري عنها .
7- الهوية الوطنية العلمانية المتطرفة في معاداة الدين والقيم الاجتماعية والادب والأخلاق وو…
او العلمانية المعتدلة التي تنادي بتغيير النظم والقوانين وانماط الحياة وفق المستورد من الغرب والشرق وتجربته في بناء الدولة والحياة وذلك تتحمس لموضوع الالحنبدر والمساواة والمثلية وقانون الاسرة المنفلت الذي يحطم اللبنة الأساسية في المجتمع .
واخيراً التمظهرات الأخيرة في مشروع الدولة المدنية والتيار المدني والعلمانية الجديدة وهي ترفع شعارات قديمة بثوب جديد لمعاداة الدين والتدين والأخلاق والعفه والعفاف والاداب الاجتماعية واعتبارها متخلفة مجانبة للتطور والتخلف ومطية للاسلام السياسية فتشكيل الهوية الوطنية في هذه الأجواء الصاخبة ضرباً من الخيال والبؤس والصراع والهزيمة .
8- الهوية الوطنية تساوي الهوية الإسلامية وهي دعوة لقوى الإسلامية وممارسة المرجعية الدينية ومحتوى الفتاوي الشرعية وان هذه الدعوة رغم ما يحيطها من ضجيج وضوضاء من قبل الطائفية والعلمانية والقومية فانها اكثر امتداداً وتاثيراً وحضوراً .
واخيراً ان جميع تلك المبادرات لم تأخذ وجودها لكن يمكن ان يلتقي أبناء الشعب العراقي في محورين أساسيين :
الأول : المواطنة القائمة على أساس الدستور والقانون والحقوق .
الثاني : المشتركات والمصالح المتبادلة بين أبناء البلد الواحد رغم التعدد .
لذا من وحي المسارات التاريخية لتشكيل الهوية الوطنية التي تتسم بالاكراة والابادة والاقصاء ، العمل بشكل واقعي وموضوعي بعيداً عن اثار تلك المسارات لتحقيق حقوق المواطنة والعمل على أساس المشتركات .
(إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)