الكاتب : ممدوح المهيني
لم تمضِ أيام من إعادة انتخابه حتى رأينا ملامح من طريقة تفكير ترمب في نسخته الجديدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وألقينا نظرة خاطفة داخل عقله. الملمح الأبرز هو استبعاد مايك بومبيو وزير الخارجية السابق، والحاكمة السابقة نيكي هيلي من أي منصب في إدارته الحالية.
لقد أعلن ذلك ترمب رسمياً على حسابه على «تروث سوشل» على الرغم من أنه غير مضطر إلى ذلك. عادة لا يعلن الرئيس عن الشخصيات التي يريد استبعادها. وبحسب تقارير صحافية تقول إن إعلان ترمب بسبب غضبه منهما لأنهما لم يدعماه بما فيه الكفاية بعد هزيمته في الانتخابات السابقة وبدا كأن الأمر لا يعنيهما. هيلي كانت آخر الصامدين الذين نافسوه على بطاقة الترشيح الأخيرة. «ترمب ليس في مزاج متسامح» ليعفو عمّن غدروا به في المرة الأولى.
قد يكون هذا السبب صحيحاً، لكنه ليس الأهم. من الواضح أن ترمب ليس في مزاج انتقامي، خصوصاً بعد حديثه اللطيف عن هاريس بعد هزيمتها. نصره الكاسح كان مثل المرهم السحري الذي شفى كل الجروح التي أدمت كرامته في السنوات الأخيرة. لكن سبب هذا الإعلان غير المألوف هو أنه يريد أن يبعث برسالة واضحة أن هذين الاسمين، وعلى الأخص بومبيو، المعروفين بالصقور فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لن يشكّلا طريقة تفكيره وسياسته الجديدة على عكس الفترة الأولى التي كانت عبارة عن مزيج وخليط من السياسات المتضاربة في أحسن الأحوال. فقط عادى إيران وصالح كوريا الشمالية في الوقت ذاته.
بومبيو من المؤمنين بالنظام الليبرالي ودعاة المحافظة على القرن الأميركي، وهذا ما يزعج الحاشية الجديدة للرئيس ترمب مثل ابنه وإيلون ماسك وتاكر كارلسون (المذيع المعروف وجَّه شتائم عنيفة لبومبيو ووصفه بالمجرم). هذه الحاشية الصاخبة تهاجم من يصفونهم دعاة الحروب، وتريد وقف الدعم عن أوكرانيا، وعقد صفقة سريعة مع روسيا، ويشككون بدعم حلف «ناتو» والمنظمات الدولية. وهذا ينسجم مع تصريحات ترمب بأنه سيكون رجل السلام في المرحلة المقبلة، وحملته الانتخابية كانت قائمة على أن الحروب اندلعت لأنه لم يكن موجوداً في البيت الأبيض، وأنه سينهيها ويعمّ العالم السلام خلال فترة وجيزة. ومن المرجح أن يذهب في هذا الاتجاه لتحقيق هذه الوعود، خصوصاً أنه يطمح ليلعب دور العراب في اختيار الرئيس القادم ويهم أن يملأ جيوب الأميركيين بالمال ولا يدخلهم في حرب جديدة تضر بسمعته.
ولكن هناك من داخل النخبة الفكرية والسياسية وداخل الحزب الجمهوري من يخشون من طريقة التفكير هذه؛ لأنهم يرون أنه سيدفع إلى مزيد من الفوضى في النظام الدولي، ويعدّون ماسك والجوقة المحيطة به تفتقد أي خبرة بالسياسة الخارجية، ويرون الواقع على غير حقيقته الذي هو عبارة عن صراع القوى العظمى لتشكيل العالم على صورتها. ويقولون إن العالم استقر في العقود الأخيرة ولم نشهد حروباً مدمرة بسبب أن قوة ليبرالية رأسمالية مهيمنة فرضت نموذجها على العالم. ومع تراجع أميركا وصعود قوى جديدة سنعود للصراعات الكبرى من جديد كما حدث في النصف الأول من القرن الماضي. هل يقرر ترمب الابن وماسك كيف يفكر ترمب بشكل حاسم أم يصطدم بالواقع كما فعل من سبقوه الذين دخلوا بنظريات مثالية لكن التطبيق لم يكن كما كانوا يتخيلونه؟