الكاتب : فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الفاحشة “وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿الأعراف 28﴾ فاحشة اسم، فاحِشةً: كبيرة من كبائر الذنوب. فعلوا فاحشة: أتوا فعلةً متناهية في القبح. وإذا أتى الكفار قبيحًا من الفعل اعتذروا عن فعله بأنه مما ورثوه عن آبائهم، وأنه مما أمر الله به. قل لهم أيها الرسول: إن الله تعالى لا يأمر عباده بقبائح الأفعال ومساوئها، أتقولون على الله أيها المشركون ما لا تعلمون كذبًا وافتراءً؟
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز من قائل “فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ” (النساء 25) “غير مسافحات”: أي غير زوان وقيل معناه متزوجات غير زانيات وقد قرئ “محَصنات” و”محصِنات” بفتح الصاد وكسرها على ما مر ذكره في الآية الأولى “ولا متخذات أخدان”: أي أخلاء في السر لأن الرجل منهم كان يتخذ صديقة فيزني بها والمرأة تتخذ صديقا فتزني به. وروي عن ابن عباس أنه قال: ” كان قوم في الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي منه فنهى الله عن الزنا سرا وجهرا “. فعلى هذا يكون المراد بقوله “غير مسافحات ولا متخذات أخدان” غير زانيات لا سرا ولا جهرا “فإذا أحصن” من قرأ بضم الهمزة معناه فإذا زوجن فأحصنهن أزواجهن وهو بمعنى تزوجن عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة ومن قرأ بالفتح فمعناه أسلمن عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وإبراهيم والشعبي والسدي وقال الحسن: (يحصنها الزوج ويحصنها الإسلام). “فإن أتين بفاحشة”: أي زنين “فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب”: أي نصف ما على الحرائر من حد الزنا وهو خمسون جلدة نصف حد الحرة و “ذلك” إشارة إلى نكاح الأمة عند عدم الطول “لمن خشي العنت منكم” يعني الزنا وهو أن يخاف أن تحمله شدة الشبق على الزنا فيلقى الحد في الدنيا أو العذاب في الآخرة وعليه أكثر المفسرين. وقيل: معناه لمن يخاف أن يهواه فيزني بها وقيل معنى العنت الضرر الشديد في الدين أو الدنيا لغلبة الشهوة. والأول أصح “وأن تصبروا خير لكم” معناه: وصبركم عن نكاح الإماء وعن الزنا خير لكم. وأن تصبروا مبتدأ وخير خبره. “والله غفور” لذنوب عباده “رحيم” بهم وفائدته أن من لم يصبر عما أمر بالصبر عنه ثم تاب غفر الله له ورحمه واستدلت الخوارج بهذه الآية على بطلان الرجم قالوا إن الرجم لا يمكن تبعيضه وقد قال: “فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب” فعلمنا أن الرجم لا أصل له والجواب عن ذلك إذا كان المراد بالمحصنات الحرائر سقط هذا القول ويدل على ذلك قوله في أول الآية “ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات”. ولا شك أنه أراد بها الحرائر والعفائف لأن اللاتي لهن أزواج لا يمكن العقد عليهن. على أن في الناس من قال أن المحصنات هنا المراد بها الحرائر دون العفائف لأنه لو كان مختصا بالعفائف لما جاز العقد على غيرهن ومعلوم أن ذلك جائز هذا والرجم أجمعت الأمة على أنه من أحكام الشرع وتواتر المسلمون بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم رجم ماعز بن مالك الأسلمي ورجم يهوديا ويهودية ولم يختلف فيه الفقهاء من عهد الصحابة إلى يومنا هذا فخلاف الخوارج في ذلك شاذ عن الإجماع فلا يعتد به.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ” ﴿النجم 32﴾ الإثم هو الذنب وأصله كما ذكره الراغب الفعل المبطىء عن الثواب والخير، وكبائر الإثم المعاصي الكبيرة وهو على ما في الرواية ما أوعد الله عليه النار، وقد تقدم البحث عنها في تفسير قوله تعالى: “إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ” (النساء 31). والفواحش الذنوب الشنيعة الفظيعة، وقد عد تعالى في كلامه الزنا واللواط من الفواحش ولا يبعد أن يستظهر من الآية اتحادها مع الكبائر. وأما اللمم فقد اختلفوا في معناه فقيل: هو الصغيرة من المعاصي، وعليه فالاستثناء منقطع، وقيل: هو أن يلم بالمعصية ويقصدها ولا يفعل والاستثناء أيضا منقطع، وقيل: هو المعصية حينا بعد حين من غير عادة أي المعصية على سبيل الاتفاق فيكون أعم من الصغيرة والكبيرة وينطبق مضمون الآية على معنى قوله تعالى في وصف المتقين المحسنين: “وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (ال عمران 135). وقد فسر في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام بثالث المعاني. والآية تفسر ما في الآية السابقة من قوله: “الذين أحسنوا” فهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ومن الجائز أن يقع منهم لمم.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ” ﴿العنكبوت 28﴾ أرسل اللَّه لوطا إلى مجتمع ما عرف التاريخ القديم له مثيلا في انحلاله وبشاعته.. يأتون الرجال شهوة من دون النساء، ويقطعون الطريق على المارة بالأذى ضربا وسلبا واغتصابا، أما أنديتهم ومجالسهم فلا تعرف إلا الفحش والمنكر والآثام. فحذرهم لوط، وأنذرهم بعذاب اللَّه. وهذا كل ما يملكه ويقدر عليه، فسخروا منه، وقالوا: أرنا هذا العذاب لنؤمن بك. فالتجأ إلى اللَّه يستنصره على القوم المفسدين. فاستجاب سبحانه إلى تضرعه، وأمده بملائكة غلاظ شداد، مروا في طريقهم بإبراهيم، وبشّروه بغلام عليم من امرأته العجوز العقيم، وأطلعوه على حكم اللَّه في قوم لوط. قال: كيف وفيهم العبد الصالح لوط؟ قالوا: هو ومن اتبعه في أمان إلا امرأته التي تظاهرت وتآمرت مع القوم الكافرين. ودخل الملائكة على لوط بوجوه وضاءة ناضرة، فأوجس في نفسه خيفة عليهم من قومه الأشرار، فكشفوا له عما قصدوا إليه. وتمت كلمة العذاب على المفسدين، وأصبحوا أثرا بعد عين، وعبرة لأولي الأبصار. قوله سبحانه “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” ﴿النور 19﴾ الفاحشة على حذف مضاف أي حديث الفاحشة. ولا فرق بين من فعل الفاحشة ومن أشاعها، فكل منهما يقام عليه الحد إذا ثبت عليه الفعل أو القذف وله في الآخرة عذاب الحريق. وكل ناقص يود ان يكون له أشباه ونظائر، لأن من يحمل علامات النقص لا يطيق رؤية الكمال على غيره “واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ” والمؤمن لا يقول ولا يفعل بغير علم، بل يرد ما يجهل إلى من يعلم “ولَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ” لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم “وأَنَّ اللَّهً رَؤُوفٌ رَحِيمٌ” بعباده يريد لهم الخير، وان أرادوا الشر لأنفسهم. قوله تعلى: “وَ لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا” (النور 16) لا ينبغي للمؤمن أن يشارك في حديث الفاحشة إذا خاض فيه الأراذل و الأشرار، بل الأليق به أن ينهى عنه”سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ” (النور 16) هذا إشارة إلى اتهام الأبرياء بالإفك، و انه من أكبر الآثام و أعظمها عند اللّه. “يَعِظُكُمُ اَللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً” (النور 17) المراد بالوعظ النهي عن التكرار و الإصرار على حديث الإفك و أمثاله من المنكرات. “وَ يُبَيِّنُ اَللَّهُ لَكُمُ اَلْآيَاتِ وَ اَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (النور 18) بيّن سبحانه لعباده الأحكام، و بثّ المواعظ عن علم بما يصلحهم و ينفعهم.
ذكر القرآن الكريم كلمة اخدان في الايتين المباركتين “وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ” (النساء 25)، و”إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ” (المائدة 5). اخدان جمع خدن أي المصاحب، وغالبا يصاحب بشهوة، وقد يترافق من هذه الصحبة الفاحشة او الزنا سرا. بينما السفاح يحصل الزنا جهرا. وعكس ذلك المحصنات المؤمنات غير مسافحات. قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَر الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ).
جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: قوله تعالى: “واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما” (النساء 15-16). وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم أن الآية الأولى من هاتين الآيتين مختصة بزنا النساء، والعقاب فيها هو الإيذاء والإهانة كما جاء عن ابن عباس ذلك وهما في كلا الموردين تشملان البكر والثيب منهما. وقد نسخت كلتا الآيتين بحكم الجلد مائة مرة للبكر من النساء والرجال، كما في قوله تعالى: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ” (النور 2) وبحكم الرجم للمحصن من النساء والرجال، كما ثبت ذلك في السنة النبوية. وقد ناقش السيد الخوئي رحمه الله مبدأ النسخ في هذه الآية، على أساس أن كل واحدة من هذه الآيات تبين حكما يختلف عن الحكم المبين في الآية الأخرى، ولا مانع من الاخذ بهذه الأحكام كلها لاختلاف موضوعاتها.