نوفمبر 22, 2024
33657360_1643723009074985_6930543139325214720_n

الكاتب : سلمان رشيد الهلالي


هناك الكثير من الكتاب العراقيون يخلطون بين الحكومة والدولة والمجتمع , ويعتبرون الدفاع عن المجتمع والدولة هو دفاع عن الحكومة والاحزاب والسلطة , ونحن نفترض عندهم حسن النية في انهم لايعرفون الفرق المبسط بين هذه الاقانيم الرئيسية الثلاث , ولانفترض انهم يعرفون ذلك , ولكنهم يريدون خلط الاوراق والنيل من الدولة والمجتمع بحجة النيل من الحكومة والاحزاب الفاسدة . لذا يجب ان يعرف الانسان البسيط والقارىء المحايد والاكاديمي المختص بان هناك ثلاث ركائز بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هى ((المجتمع والدولة والحكومة (السلطة)) ولانريد الدخول بتعريف تلك الركائز والاقانيم الثلاث , لان هذا يخرجنا عن اصل الموضوع الذي نحن بصدده … فاول اهمية مؤكدة واساسية هو المجتمع وطبعا نقصد مجتمعنا العراقي – وخاصة المحيط والبيئة التي نعيش فيها بالوسط والجنوب – ((لان العراق بالاخير هو جماعات وليس مجتمع كما يقال)) والحرص يجب ان يكون اولا على المجتمع ووحدته وتضامنه ومصيره واستقراره ومستقبله , وتعزيز وسائل وحدته وقوته وازدهاره وقيمه الايجابية . ولايعني هذا تقديس المجتمع وعدم نقدة وتقويمه , لاننا بالاخير من المجتمعات النامية والمتخلفة التي تسعى للتطور , ولكن من الضروري ان يكون النقد والتقويم موضوعي وعلمي , وليس هجومي وتسقيطي وترويج للحقد والغل والكراهية ضده , لاسباب شخصية او بعثية او سياسية اوطائفية او او…. واذا حصل هناك اختيار اجباري او قسري بين المجتمع والدولة لاسباب قاهرة , فيجب ان تكون الاولية للمجتمع وليس للدولة , ورغم ان التعاريف الاكاديمية والفكرية تجعل المجتمع من ضمن مستلزمات او مقومات او شروط الدولة وتطلق عليه تسمية (الشعب) , الا اننا نجد ان المجتمع هو اقدم واهم واعم من الدولة , وبالتالي فله الاولية والاهمية في كل قرار او اختيار .
والاهمية الثانية هى الدولة . فالدولة الركيزة الثانية بالاهمية والاولية في الحياة الاجتماعية . وهى تختلف كليا وجذريا عن الحكومة او السلطة , لان الدولة باقية والحكومة زائلة ومتغيرة . ورغم اعترافنا ان الدولة بالعراق متأرحجة ومهزوزة وقلقلة وغير مستقرة ولامستقبل لها , لاسباب ذكرناها بدراساتنا السابقة بمناسبة مرور مائة عام على تاسيس الدولة العراقية الحديثة (1921 – 2021) .. اذ وصفها الشيخ علي الشرقي قبل عقود طويلة بانها مثل (المهد (اي مثل الكاروك) مهزوزا تارة بالشمال وتارة باليمين) , فيما كان الرصافي اكثر تطرفا عندما قال (العراق مجرد وليد غير شرعي انجبه الانكليز) , او بتعبير احد الكتاب الغرب ان (العراق لايستطيع الطيران لانه طائر بثلاث اجنحة) . ولكن هل يوجد بديل اخر عن هذه الدولة المأزومة ؟؟ طبعا لايوجد , لانها الدولة الوحيدة التي تورطنا بيه , وهى الضمانة الحالية للتوحد والحماية والتنظيم في مقابل قوى ماقبل الدولة كالعشيرة والاثنية والدين والطائفة , وغيرها من القوى الارهابية والاستبدادية . والمثقف العضوي الواعي والانسان المعاصر كانت على الدوام رؤيتيه للدولة رؤية تبجيلية هيغيلية الذي اعتبر الدولة (اله يمشي على الارض) (وانها التجلي الاخير للوعي) , ويجب بالتالي التضامن معها والدفاع عنها . وللاسف يفهم البعض من العراقيين التقليديين الدفاع عن الدولة هو دفاع عن الحكومة والسلطة , بسبب عدم معرفتهم الفرق بين الاثنين , رغم ان الحكومة زائلة والدولة باقية .. اذ كان يجدر بهم طرح السؤال الاتي على انفسهم : اين الحكومات السابقة ؟ واين السياسيون السابقون ؟ واين الاحزاب السابقة؟ (الشيوعي والبعث والاستقلال والوطني) اين فيصل الاول ونوري السعيد وعبد الكريم قاسم والاخوين عارف والبكر وصدام ؟؟ كما ذهبوا سيذهب هؤلاء السياسيون والاحزاب ايضا ¸, فيما سيبقى المجتمع وتبقى الدولة , ونبقى نحن اهل البلد واهل الارض .. وقديما قيل (لكل زمان دولة ورجال) , وكما ذهب السياسيون سابقا الى مزبلة التاريخ والخيرون الى رحمة الله , سيذهب السياسيون الحاليون منهم الى مزبلة التاريخ والخيرون الى رحمة الله , ويجب ان يكون موضوعنا وتركيزنا على الثابت وليس على الزائل والمتغير . نعم ان السلطة والحكومة والاحزاب اخترقت الدولة لصالحها ,واستغلتها ابشع استغلال , ولكن هل هذا يعني ان نهاجم الدولة ؟؟ ام نتضامن معها في محنتها ونقدرها ونعمل على تخليصها من الانتهاك والاستغلال ؟؟ وسبق نحن ان ذكرنا ان الدولة جسم غريب على المجتمع العراقي , لان قيمه قائمة على العشيرة والدين والمذهب والعائلة والاثنية والقومية , وان كان قد تمظهر كذبا بالنقد والتطوير والتقويم والاصلاح , الا انها لاتخفي عن الانسان المتابع والخبير .
واما الركيزة الثالثة فهى الحكومة , وهى النظام السياسي الذي يتم من خلاله ادارة الدولة او البلد وتنظيمه . والحكومة هى جزء من الدولة والاطار السياسي الذي يحكم مؤسساتها . وفي حالات معينة يتلاشى الفرق بين الحكومة والدولة في الانظمة الشمولية , كما في الشيوعية والفاشية والنازية والقومية والبعثية في العراق , اذ عملت تلك الانظمة على ازالة الفرق بينهما , من خلال احتكار الدولة ومؤسساتها لصالحها , الامر الذي يجعل سقوط الحكومة هو سقوط شامل للدولة – كما حصل في العراق عام 2003 – . ويبدو ان هذا النمط هو الذي جعل الناس والكتاب والمثقفين في العراق لايميزون الفرق بينهما , لانهم عاشوا وتربوا ضمن تلك الانظمة الشمولية .
ان الحكومة غير مقدسة , وتحاج الى النقد من اجل تقويمها وتصحيح مسارها وتعديل خطواتها , ولكن ليس النقد الشعبوي والشعاراتي والمدلس والمضلل والخطابي الذي يدغدغ مشاعر العامة والشباب والمراهقين , وانما النقد العلمي والموضوعي والنزيه , وهو طبعا غير متوفر حتى الان بالعراق الا نادرا . …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *