ديسمبر 26, 2024
download (1)

الكاتب : علي المؤمن

دراسة
مبدأ ولاية الفقيه بين النائيني والسيستاني
مبدأ ولاية الفقيه: الثابت التأسيسي للمرجعية الدينية ونيابة الإمام
مبدأ ولاية الفقيه ليست أُطروحة أو نظرية أو فكرة جاء بها شخص محدد أو عالم معين أو فقيه بعينه، بل هي القاعدة الحصـرية التي يقف عليها كيان المرجعية الدينية الشيعية والحوزة العلمية والنظام الديني الشيعي برمته، منذ نشوئه في عصر غيبة الإمام المهدي قبل 1200 عام تقريباً وحتى الآن، وبدون ولاية الفقيه لا يبقى أيّ أصل شرعي لمرجع وفتوى وفقيه وحوزة وتقليد واجتهاد. وقد تأسست المرجعية الدينية على مبدأ ولاية الفقيه حصـراً، أي أنّ المبنى الفقهي الذي يشرِّع للمرجعية الدينية هو مبدأ ولاية الفقيه، ولولا هذا المبدأ لما وجدت المرجعية الدينية الشيعية وكيانيتها وصلاحياتها. وبذلك؛ فإنّ مبدأ ولاية الفقيه هو محل إجماع فقهاء الشيعة، الماضين منهم والأحياء، دون استثناء.
وسنعرض هنا أهم مباني ولاية الفقيه وتطور موضوعاتها وتطبيقاتها، بمنهجية وصفية تحليلية، وأحيل القارئ إلى المدونات الفقهية الاستدلالية للفقهاء الشيعة، والتي سأذكر عناوين بعضها؛ للتعرف على استدلالاتهم التي تقود إلى ولاية الفقيه. وكنا قد شرحنا في الفصل الثالث من كتاب «الاجتماع الديني الشيعي» بـأنّ النظام الديني الاجتماعي الشيعي في عصر الأئمة الاثني عشر، كان متجسّداً في نظام الإمامة الذي يقف الإمام المعصوم على رأسه. وفي عصر غيبة الإمام، دخلت مدرسة الإمامة مرحلة جديدة، تتطلب تحديد شكل النظام الشيعي ومضمونه وصاحب الحق الشرعي في قيادته. حينها لجأ المحدِّثون والفقهاء الشيعة إلى أحاديث الأئمة التي أناطت هذا المنصب بالفقهاء أو العلماء أو رواة الحديث، وهي تسميات لمعنى واحد.
ومن أبرز الأحاديث التي استدل بها فقهاء الشيعة في هذا المجال أحاديث: «العلماء حكّام على الناس»(1)، «العلماء ورثة الأنبياء»(2)، «العلماء أمناء الرسل»(3)، وما يماثلها في التعبير، وأغلبها مروية عن الرسول الأعظم والإمام علي، وأحاديث الإمام جعفر الصادق، ومنها رواية عمر بن حنظلة: «من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»(4)، وحديث الإمام الحسن العسكري: «وأما من كان من الفقهاء صائناً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه»، وكذا الحديث المنسوب إلى الإمام المهدي: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله». فضلاً عن أحاديث داعمة أُخر، وهي في مجملها تدل على صلاحية الولاية الدينية والقيادة الاجتماعية الشاملة للفقيه كحد أدنى.
وفضلاً عن الأحاديث الخاصة المروية عن أئمة آل البيت؛ فإنّ مبدأ ولاية الفقيه أو مرجعية الفقيه تستند إلى قاعدة عامة عنوانها: «نيابة الفقيه للإمام المعصوم» في عصر غيبته، وهي نيابة عامة، أعقبت النيابة الخاصة التي اختص بها السفراء الأربعة للإمام المهدي خلال مرحلة الغيبة الصغرى. أي أنّ الفقيه يستمد صلاحيته الدينية من كونه وريثاً أو امتداداً موضوعياً للإمام المعصوم(5).
ويذهب الفقهاء إلى أن الدلالات الجوهرية لهذه الأحاديث تحدد خمسة وظائف أو صلاحيات حصرية للفقيه، وكل واحدة منها تمثّل ولاية فرعية من ولاية الفقيه:
وظيفة فقهية، تتمثل في الإفتاء.
وظيفة تحكيمية، تتمثل في القضاء.
وظيفة مالية، تتعلق بشؤون الحقوق الشرعية.
وظيفة حسبية، تتعلق بإدارة المجتمع الشيعي.
وظيفة سياسية، تتعلق بإقامة الدولة الإسلامية وقيادتها.
ويجمع الفقهاء على الوظائف الأربعة الأُول، ولكنهم يختلفون على الوظيفة الخامسة المتمثلة في صلاحية إقامة الدولة الإسلامية وقيادتها، فمنهم من يرى أنّ أحاديث الأئمة ومقاصد الشريعة والنظام الإسلامي تدل بمجملها على حتمية هذه الوظيفة وبديهيتها، ومنهم من يرى أنّ الأحاديث لا تدل على هذه الوظيفة. أما الوظائف الأربعة الأُخر المذكورة المترشحة عن ولاية الفقيه، فلا خلاف عليها. أي أنّ الخلاف بين الفقهاء ينحصـر في مساحات ولاية الفقيه توسعةً وتضييقاً. أما الولاية نفسها؛ فيعدّون مبدأها جزءاً من عقائد الإمامية البديهية المجمع عليها، والتي لا تحتاج إلى عناء في الاستدلال عليها كما يقولون(6).
وقد كانت هذه المخرجات كافية لفقهاء الشيعة ومحدثيهم وزعمائهم ليؤسسوا للنظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي يترأسه الفقيه، ويحافظوا على وحدة النسيج الاجتماعي والسياسي لأتباع أهل البيت، ووحدة كيان مدرسة الإمامة ووحدة قيادتها، وما يترتب على ذلك من ترابط وثيق بين القاعدة والقيادة التي تجسدت في «ولاية الفقيه» أو «المرجعية الدينية». وقد كان هذا النظام نوعاً من الحكومة أو الدولة ناقصة السيادة، وبه كان يتلخص الفقه السياسي لمدرسة الإمامة حينها. ولم تكن الأحكام الخاصة بهذا الكيان مصنّفة في باب فقهي مستقل؛ لعدم شعور الفقهاء الشيعة بالحاجة إلى ذلك، أو للحيلولة دون تأليب الحكام الطائفيين عليهم(7). واستمر هذا الحال قروناً طويلة، كان فيها الفقهاء يقفون على رأس النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ بما يشكّل مزيجاً من القيادة الدينية والإدارة الاجتماعية.
ومن الموضوعات التي يتطرق إليها الفقهاء في تفاصيل ولاية الفقيه، موضوع علاقة الفتوى بالحكم الشرعي والفرق بينهما. فيقولون: بأنّ «الفتوى» كاشفة عن التشريع الفقهي في الأحكام الابتدائية المرتبطة بالموضوعات الفردية، كعموم العبادات والعقود والإيقاعات والأحكام، وهي مرتبطة بتقليد المكلف لمرجعه الديني، أي أنّها ملزمة لمقلدي المرجع صاحب الفتوى فقط دون غيرهم من الشيعة.
أمّا «الحكم» فهو ـ في الغالب ـ إنشاءٌ لحكم جديد في القضايا العامة، وفق رؤية الفقيه للمصلحة العليا للمجتمع، ويقع تحت عنوان الأحكام الثانوية العامة والأحكام الولائية المناطة بالمرجع الديني المتصدّي، بالاستناد إلى ولاية الفقيه على الحسبة والنظام العام، أو هي الأحكام المناطة بالفقيه الحاكم بالاستناد إلى ولاية الفقيه على الدولة. ولذلك فإنّ «الحكم» العام أعم من الفتوى في شموله لغير مقلدي الفقيه، ويسري على الفقهاء أيضاً، أي أنّه نافذ على غير مقلّدي هذا المرجع، وعلى الفقهاء أيضاً(8). وهناك «الحكم» الخاص المتعلق بموضوع فردي، ولا يشكل صدوره تزاحماً مع حكم المرجع المتصدّي للشأن العام.
تأصيل مبدأ ولاية الفقيه
لقد بحث المحدثون والفقهاء هذا الموضوع في كتب الحديث والفقه منذ عصر الشيخ المفيد، الذي أشار إلى مبدأ ولاية الفقيه في كتابه «المقنعة» قبل نحو (1050) عاماً(9). وتبلور مفهوم ولاية الفقيه النائب عن الإمام المهدي بمرور الزمن، بعد أن أخذ نصيبه من التأصيل. إلّا أنّ البحوث الفقهية الاستدلالية للشيخ محمد بن مكي الجزيني العاملي المعروف بالشهيد الأول (ت 786ه‍/ 1384م)، كانت علامة فارقة في هذا المجال، ولا سيما كتابه «اللمعة الدمشقية»، حتى إنّ بعض الفقهاء المعاصرين يعدّه أول من طبّق هذا المبدأ بصورته الشاملة. يقول الشيخ عبد الهادي الفضلي في معرض تحليله لأسباب إعدام الشيخ العاملي: «أمّا الإدانة ـ حقيقة ـ فكانت لأنّه كان يقول بمبدأ ولاية الفقيه، وكوّن له تحت مظلتها مرجعية كبيرة في ربوع الشام… وبدفع قوي من هذه المرجعية تحرك في ربوع الشام لتجميع فلول الشيعة، وجمع أمرهم، وإقامة سلطة سياسية شرعية لهم، فجبى الأموال وأعدّ الرجال، واتصل بحكومات الشيعة في وقته سراً وعلانية»(10).
ثم جاء الشيخ علي الكركي العاملي (ت 940ه‍/1533م) ليكمل صياغة مفهوم «نيابة الإمام» ويضعه إطاراً وركيزة أساسية للفقه السياسي لمدرسة الإمامة في عصر الغيبة، ويحوّله إلى واقع عملي، حيث «سار الشيخ الكركي في مرجعيته العامة وزعامته للطائفة؛ سيرة الشهيد الأول؛ فقد كان يقول بولاية الفقيه، وأدار في هديها وبحكم نيابته عن الإمام المهدي، شؤون الدولة الصفوية. وكان شاهات الدولة الصفوية عموماً يظهرون ولاءهم للولي الفقيه، ويعتبرون أنّ الملك له في الأساس، وهم مفوّضون عنه»(11).
ونشير هنا إلى وثيقة كتبها الشيخ جعفر الجناجي النجفي المعروف بكاشف الغطاء (ت 1228ه‍/ 1813م)، وتُعدّ من وثائق التحوّل الذي شهده تطبيق مبدأ «ولاية الفقيه». هذه الوثيقة عبارة عن تفويض منحه الشيخ جعفر كاشف الغطـاء إلى السلطان فتح علي شـاه القاجـاري، تُمَكِّن الأخير من التصـرف في الشأن السياسي العام والخراج والزكاة، جاء فيها: «أذِنتُ للسلطان فتح علي شاه في أخذ ما يتوقف عليه تدبير العساكر والجنود، ورد أهل الكفر والطغيان والجحود، من خراج أرض مفتوحة بغلبة الإسلام، وما يجري مجراها»(11). ثم يوصي الشاه بتنفيذ عدد من القضايا ذات العلاقة بالجوانب السياسية والمالية والدعوية.
وقد ظهر في النصف الأول مـن القـرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشـر الميلادي)، عدد من البحوث الفقهية التي ركزت مبدأ نيابة الفقيه العادل الجامع لشـروط التقليد للإمام المهدي، وتحدثت عن صلاحيات الفقيه وحدودها ومساحات ولايته وأنواعها، وهي عموماً بحوث أدخلت الفقه السياسي الشيعي مرحلة جديدة، وأهمها:
«ولاية الحاكم الشرعي» للشيخ أحمد النراقي (ت 1245هـ/ 1829م)، وهو عبارة عن فصل من كتاب «عوائد الأيام»، ويُعدّ باكورة البحوث الفقهية الاستدلالية الجامعة التي أكدت اختصاص الفقيه (الجامع للشرائط) بولاية الحكم والإفتاء والقضاء وإقامة الحدود والتصرف في الأموال الشرعية وشؤون القاصرين، بمساحة الولاية نفسها التي كانت للنبي والأئمة؛ إلّا أنّ يقـوم دليـل شـرعي على الاستثناء. ورغم أن الشيخ النـراقي لم يصرح بولاية الفقيه على الحكم واختصاصه برئاسة الدولة الإسلامية، بالنظر لما يبدو من ابتعاد هذا الموضوع عن الواقع، وكأنه من أشد الموضوعات افتراضاً آنذاك، إلّا أنّ منهجية البحث واستدلالاته واستنتاجاته تشير بمجموعها إلى رأي الشيخ النراقي باشتمال ولاية الفقيه على شؤون الدولة والحكم أيضاً وعدم اقتصارها على الفروع الأربعة المجمع عليها.
«الولايات والسياسات» للشيخ مير فتاح حسين المراغي (ت 1250ه‍ / 1834م)، وهي ثلاثة بحوث مستقلة من كتاب «العناوين» الفقهي الاستدلالي. درس المؤلف في أحدها موضوع ولاية الفقيه، وأثبت فيه الولاية العامة للحاكم الشرعي (الفقيه). وبالرغم من أهمية كتاب «العناوين» في الاستدلال على موضوعات ولاية الفقيه؛ إلّا أنّها لم تحظ بالاهتمام.
«الجهاد» و«المكاسب المحرمة» للشيخ محمد حسن النجفي المعروف بصاحب الجواهر، وأحياناً بالجواهري (ت 1266هـ/1850م)، وهي بحوث من كتاب «جواهر الكلام». وقد تطرق في باب «المكاسب المحرمة» إلى موضوع شرعية ولاية الحكم والقضاء، بالنسبة للحاكم العادل، وأحكام الأراضي الخراجية. كما بحث في باب «نفوذ تصرفات الأولياء» بعض شؤون ولاية الحاكم الشرعي (الفقيه).
«مناصب الفقيه» للشيخ مرتضى الأنصاري (ت1281هـ/ 1864م)، وهي مجموعة بحوث متفرقة من كتاب «المكاسب» الفقهي الاستدلالي. وقد وردت معظم بحوث ولاية الفقيه في قسم البيع منه. واستدل فيه على أنّ الولاية على الأنفس والأموال هي من اختصاص الفقيه الجامع لشَرطي الأعلمية والعدالة وغيرهما، وأنّ ولايته تشمل أيضاً الولاية على الحكومة والعمل على إقامتها، والقضاء، وإقامة الحدود، والفتوى.
وسار الفقهاء الذين برزوا بعد الشيخ الأنصاري على منهجه الفقهي، ومبناه الاجتهادي في هذا المجال، ومنهم: السيد محمد بحر العلوم (ت 1326ه‍/ 1908م) في باب «الولايات» من كتاب «بُلغة الفقيه»، والشيخ الميرزا محمد حسين النائيني في «كتاب البيع».
مبدأ ولاية الفقيه بين النجف وقم
الحديث عن الخلاف بين الحوزتين النجفية والقمّية حول مبدأ ولاية الفقيه هو حديث دعائي أو انفعالي، بعيد عن لغة العلم والواقع. وأوضّح هنا أهم ما يتعلق بدائرة الخلاف:
1ـ إنّ ولاية الفقيه مقولة فقهية تخصصية، وليست مقولة سياسية أو مناطقية، ولا علاقة لها بمتغيرات السياسة وعموم الشأن العام. أي أنّ بحثها ومقاربتها مهمة الفقهاء حصراً؛ شأنها شأن أي موضوع فقهي آخر يدخل في أبواب العبادات والمعاملات. ومن غير المجدي ولا الصحيح أن يكون موضوع ولاية الفقيه مادة صحفية أو سياسية أو دعائية خاضعة للمزايدات والانفعالات والمزاجيات الشعبوية، مآلها الفتنة بين أتباع مدرسة آل البيت. وهو ما يتسبب فيه أنصار الفقهاء القائلين بخصوصية الولاية والقائلين بعموميتها، أو المزايدين المنفعلين المناطقيين، وأغلبهم لا يعي البعد الفقهي التخصصي للموضوع، ولا مساحات الخلاف ومناطاته. حتى باتت هذه الانفعالات والمزايدات ثغرة ينفذ منها خصوم الشيعة الداخليين والخارجيين؛ لتمزيق الواقع الشيعي.
2ـ ليس هناك فقيه شيعي في التاريخ وفي الحال الحاضر لا يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه ولا يطبقه؛ إذ لا يكون الفقيه فقيهاً إذا لم يكن يعتقد بمبدأ ولاية الفقيه؛ بل لا يوجد شيعي في العالم يقلد فقيهاً وهو لا يؤمن بولاية الفقيه؛ لأنّ مآل زعم عالم الدين بأنّه مجتهد أو مرجع تقليد؛ هو تطبيق مبدأ ولاية الفقيه عملياً؛ فكل فقيه لديه ولاية تلقائية على الفتوى وعلى الحقوق الشـرعية وعلى القضاء وعلى الأُمور الحسبية. والمقصد الشرعي للحسبة هو حفظ النظام العام للمجتمع، ودرء المفاسد عنه وجلب المصالح له. وإذا رفض الفقيه هذه الولاية فلا معنى لاجتهاده وتقليده. أمّا المكلّف الشيعي؛ فإنّ تقليده مرجعاً دينياً يعني أنّه تولاه في أُمـوره الدينية الفقهية، وآمن عملياً بولاية الفقيه الذي يقلده، وطبّقها على نفسه في جانب الفتاوى والأحكام الشرعية، وجانب الحقوق الشرعية التي يقدمها للمرجع من خمس وغيره، وجانب التقاضي عند هذا المرجع، إضافة إلى التزام فتاواه وتوجيهاته في الأُمور الحسبية. وهذه كلها أجزاء لا تنفصل من ولاية الفقيه.
3ـ إنّ الخلاف بين الفقهاء في موضوع ولاية الفقيه خلافٌ علمي بحت، وهو ليس خلافاً في أصل مبدأ ولاية الفقيه؛ بل في مساحاته. ويعود الخلاف إلى القـراءات المختلفـة لمصـادر الاستـدلال الفقهي، ووعي مقاصد الشـريعة وغايات النظام الفقهي، وهو لا يختلف بتاتاً عن الخلاف بين المراجع في أيّ موضوع فقهي آخر في أبواب العبادات والمعاملات. وأبرز مساحات ولاية الفقيه المختَلف عليها بين الفقهاء هي مساحة الحكم؛ أي الولاية على الحكم. فالفقهاء الذين قادتهم أدلتهم إلى شمول الولاية لموضوع الحكم؛ يعتقدون بولاية الفقيه العامة. أمّا الفقهاء الذين لم يقتنعوا بأنّ الأدلة تفيد بشمول الولاية لموضوع الحكم؛ فإنّهم يعتقدون بولاية الفقيه الخاصة، أي الولاية التي تقتصر على موضوعات الفتوى والقضاء والمال الشرعي والحسبة. بل إنّ هناك خلافاً بين الفقهاء المعتقدين بولاية الفقيه الخاصة، بين من يوسع دائرة الأُمور الحسبية العامة وبين من يقلصها. وهناك خلاف أيضاً بين الفقهاء المؤمنين بولاية الفقيه على الحكم، بين من يقيدها بالقانون (الدستوري والدولي) وبين من يطلقها، لتكون متقدمة على القانون.
4ـ إنّ الخلاف بين الفقهاء حول مساحة ولاية الفقيه، تخصيصاً وتعميماً وإطلاقاً؛ لا علاقة له بالنجف وقم، ولا بأية حوزة علمية أُخرى؛ فهناك فقهاء معاصرون في النجف يعتقدون بولاية الفقيه العامة، وآخرون يعتقدون بولاية الفقيه الخاصة. فمن خلال مراجعة كتاب «عقائد الإمامية» للفقيه النجفي الشيخ محمد رضا المظفر (ت 1964) ـ مثلاً ـ سنجد أنّه أشار إلى ولاية الفقيه العامة المطلقة منذ خمسينات القرن العشرين الميلادي(13)، أي قبل أن يطرحها الإمام الخميني ويفصِّلها في النجف في أواخر ستينات القرن الماضي. ومن فقهاء النجف الذين طرحوا ولاية الفقيه العامة بالمساحة نفسها التي يقول بها الشيخ المظفر، يمكن الإشارة إلى السيد محمد باقر الصدر(14)، والسيد محمد الصدر(14)، والشيخ إسحاق الفيّاض(15) وغيرهم. وفي المقابل هناك مراجع وفقهاء كبار أحياء في حوزات قم وطهران ومشهد لا يعتقدون بولاية الفقيه العامة. وبالتالي؛ فإنّ من يقول بأنّ مبدأ ولاية الفقيه العامة هو مبدأ فقهي قمّي أو إيراني، فهو يجهل بديهيات البحث الفقهي، أو أنّه يهدف إلى إيجاد موضوع للخلاف بين الحوزتين لأغراض سياسية وطائفية.
5ـ إنّ السبب في انتشار مبدأ ولاية الفقيه العامة بين فقهاء قم، وانتشار مبدأ ولاية الفقيه الخاصة بين فقهاء النجف، يعود إلى قضية فنية بحتة لها علاقة بالجغرافيا فقط؛ فالإمام الخوئي الذي يقول بولاية الفقيه الخاصة، كان يقيم في النجف، والإمام الخميني الذي يقول بولاية الفقيه العامة كان يقيم في قم. ولذلك؛ فإنّ من الطبيعي أن يكون أغلب تلاميذ الإمام الخوئي يقيمون في النجف، وقد ورثوا من أُستاذهم القناعة العلمية نفسها، وفي مقدمهم السيد علي السيستاني. أمّا تلاميذ الإمام الخميني، فإنّ أغلبهم يقيم في قم، وقد ورثوا من أُستاذهم القناعة العلمية نفسها، وبينهم السيد علي الخامنئي(16). وهناك من تلاميذ السيد الخوئي الأحياء في النجف من يعتقد بولاية الفقيه العامة، كالشيخ إسحاق الفيّاض، خلافاً لمبنى أُستاذه. وهناك من تلاميذ الإمام الخميني في قم من لا يؤمن بولاية الفقيه العامة، خلافاً لرأي أُستاذه أيضاً. بل إنّ ثلاثة من أبرز مراجع قم الكبار الأحياء، من تلاميذ السيد حسين البروجردي؛ يقولون بولاية الفقيه العامة؛ خلافاً لمبنى أُستاذهم البروجردي، وهم: الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ومبناهم الفقهي في هذا المجال يتطابق مع مبنى الإمام الخميني. وبالتالي؛ فإنّ موضوع الخلاف حول مساحات ولاية الفقيه لا علاقة له بخلاف مزعوم بين حوزتي النجف وقم؛ بل برؤيتين علميتين لمدرستي الإمام الخوئي والإمام الخميني، وهما المدرستان الفقهيتان المعاصرتان الأبرز حضوراً في الوقت الحاضر.
6ـ إذا كان مرجع النجف السيد السيستاني يعتقد بولاية الفقيه الخاصة، أي عدم شمولها على موضوع الحكم؛ فإنّما هو اجتهاد شخصي، وليس مبنىً نجفياً، ومن الممكن مستقبلاً صعود فقيه لموقع المرجعية العليا يعتقد بولاية الفقيه العامة، وسيكون مبناه اجتهاداً شخصياً أيضاً. ولكن ستكون له تبعاته على الشأن العام دون شك. وربما يحدث الأمر نفسه في حوزة قم. فالسيد محمد رضا الموسوي الكلبايكاني (ت 1994) الذي تفرد بكرسي المرجعية العليا في قم بعد وفاة الإمام الخميني، والشيخ محمد علي الأراكي (ت 1993)؛ لم يكونا يعتقدان بولاية الفقيه العامة، فضلاً عن المطلقة. كما أنّ أبرز مرجعين حالياً في قم، وهما: الشيخ حسين الوحيد الخراساني، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي؛ الأول يؤمن بولاية الفقيه الخاصة بمساحتها الضيقة كما هو مبنى أُستاذه السيد الخوئي، والثاني يؤمـن بولاية الفقيه العـامة المطلقـة كما هو مبنى الإمـام الخميني. أي أنّ مبدأ ولاية الفقيه العامة ليس مبنىً قمياً. وبالتالي؛ فإنّ هذا الموضوع ـ کما قلت ـ هو موضوع اجتهادي شخصي للفقهاء، ولا علاقة له بجغرافيا الحوزة.
ولاية الفقيه عند الميرزا النائيني
المرجع الديني الشيخ محمد حسين النائيني المعروف بـ «الميرزا النائيني»(17) يُعدّ أحد أبرز الرموز الفكرية والفقهية المعبرة عن توجهات مدرسة النجف في القرن العشرين الميلادي. وقد اشتهر ببحثه «تنبيه الأُمّة وتنزيه الملة» الذي كتبه في العام 1908 خلال ثورة المشـروطة في إيران، وهو بحث مهم في الفكر السياسي الإسلامي، واستند إليه التيار الديني في ثورة المشروطة للتأسيس لحكم مقيد بالدستور، ومجلس تشريعي منتخب مقيد بأحكام الشريعة.
ويعتقد بعض الباحثين والمهتمين بأنّ هذا البحث يمثل الرأي الفقهي للميرزا النائيني في الدولة والولاية عليها، وهذا الاعتقاد ناشئ من عدم اطلاعهم على الأبحاث الفقهية للشيخ النائيني في موضوع ولاية الفقيه، ولتصورهم بأنّ بحث «تنبيه الأُمّة» هو بحث فقهي استدلالي. وأُصوّب هاتين النقطتين بما يلي:
1ـ لم يكن هدف الشيخ النائيني من بحث «تنبيه الأُمّة وتنزيه الملّة» طرح نظرية فقهية في الدولة الإسلامية وولاية الفقيه، أو يقول بأنّ الحكم الملكي الدستوري يمثل الموقف العقدي والفقهي لمدرسة الإمامة، بل أنّه تعامل مع الممكن ومع الواقع؛ فقد عدّ النظام السياسي الدستوري أكثر أنظمة الحكم عقلانية، وملاءمة للواقع وللظروف الموضوعية؛ فالحكومة الدستورية هي خيار الأُمّة في مقابل الاستبداد والنظام الشمولي، من باب دفع الأفسد بالفـاسد، على اعتبار أنّ النظـام الملكي الدستوري هو أهـون الشـرّين، وليس باعتباره الخيار الشرعي للأُمّة؛ لأنّ الملكية الوراثية، سواء كانت دستورية أو غير دستورية، لا تستند في شـرعيتها إلى الشريعة والأُمّة، فهي فاقدة للشـرعية وفق المعيارين(18). أي أنّ الميرزا النائيني، ومن ورائه مرجع النجف الشيخ الآخوند الخراساني وقائد ثورة المشروطة السيد عبد الله البهبهاني الغريفي، كانوا يبحثون عن مخرج لإنقاذ المشروطة من ثلاثة تهديدات كانوا يتصورونها:
تهديد تيار الاستبداد الذي كان يرمز إليه الشاه القاجاري وحكومته، وخاصة بعد قيامه بإلغاء دستور العام 1906 وحل مجلس الشورى وممارسة العنف الشديد مع الثوار.
تهديد التيار العلماني، والممثل بالبيت الماسوني وعملاء السفارة البريطانية في طهران، والذي كان يعمل على مصادرة الثورة وجهود علماء الدين، وإقامة حكم علماني يستبعد أي مدخلية للشريعة وأحكامها.
تهديد تيار المشروعة، وهو الشق المحافظ في التيار الديني، وكان يتزعمه الشيخ فضل الله النوري، ويدعمه مرجع النجف الشيخ محمد كاظم اليزدي. وهو التيار الذي يرفض الدستور، ويعدُّ تدخل الأُمّة في التشـريع هو شراكة مع الشريعة، وهو بالتالي شرك بالله.
وكتابة النائيني لبحث «تنبيه الأُمّة» باللغة الفارسية ومنعه المشدد لترجمته إلى اللغة العربية، هو دليل واضح على الهدف السياسي للبحث، وكونه خاص بحلحلة مشكلة ثورة المشروطة في إيران، وهو واضح من العنوان الأصلي للبحث: «تنبيه الأُمّة وتنزيه الملة در لزوم مشروطيت». ثم إنّ الميرزا النائيني رجع عن آرائه المدونة في هذا البحث، بدليل أنّه أفتى بإتلاف نسخ البحث وحرمة تداوله، حين آلت إليه المرجعية بعد العام 1920، ووصل الأمر إلى أن يدفع ثلاث ليرات ذهبية لشراء النسخة الواحدة بهدف إتلافها. وحين تمت ترجمة البحث إلى العربية وطباعته في لبنان في آخر أيام حياته، فإنّه رفض ذلك بشدة، وأمر بإتلاف جميع النسخ. ولذلك لم تنتشر النسختان الفارسية والعربية من «تنبيه الأُمّة» إلّا بعد وفاته. وبموازاة ذلك، طرح النائيني رؤيته الفقهية في موضوع ولاية الفقيه العامة في دروسه العالية (البحث الخارج) في إطار تعليقه على بحث «مناصب الفقيه» في «كتاب البيع» للشيخ مرتضى الأنصاري.
2ـ إنّ المصدر المعتمد الكاشف عن رأي الشيخ الميرزا النائيني في مجال الولاية على الدولة ومساحات ولاية الفقيه، هو دروسه التخصصية العالية (البحث الخارج)، وتحديداً كتاب «البيع»، وهو الجزء الثاني من تقريرات «المكاسب والبيع»(19). ويوجد نصان لهذه التقريرات، الأول حرره الشيخ محمد تقي الآملي، والآخر حرره الشيخ موسى الخوانساري. وبعد المقارنة بينهما، رجّحتُ تحرير الآملي، لوضوحه واقتصاره على كلام الشيخ النائيني دون مقتطفات من عبارات الشيخ الأنصاري.
وبالتالي؛ كان بحث «تنبيه الأُمّة» هو المخرج الفكري الإسلامي لثورة المشروطة؛ بهدف إنقاذها من الانهيار، والاحتفاظ بملامحها الدينية والشعبية، وليس بهدف التأصيل الفقهي للدولة الإسلامية في عصر الغيبة. ولذلك جاءت الأبحاث الفقهية التي طرحها الشيخ الميرزا النائيني في كتاب «البيع» ذات منحى فقهي استدلالي تخصصي مختلف.
ومن خلال المقارنة العلمية بين البحثين، لا نجد تعارضاً بينهما، لا في الشكل ولا في المضمون، فمن الناحية الشكلية يمثل بحث «تنبيه الأُمّة» تكييفاً فكرياً إسلامياً لواقعة سياسية محددة بزمان ومكان وظروف خاصة، بينما يكشف بحث «البيع» عن آراء النائيني الفقهية التخصصية. أمّا من ناحية المضمون، فإنّ ولاية الفقيه العامة، كما طرحها النائيني في بحث «البيع»، لا تتعارض مع وجـود مجلس منتخب للأُمّة يمارس التشـريع بما يتفق والشـريعة الإسلامية، ويراقب السلطة التنفيذية، كما طرحها في بحثه «تنبيه الأُمّة»؛ بل ولا تتعارض مع انتخاب الأُمّة للفقيه الحاكم، سواء أسميناه انتخاباً أو كشفاً أو ترجيحاً. والأهم مـن كل ذلك أنّ الشيخ النائيني لم يحـدد الحكم الشـرعي بالشكل الملكي، بل تحدث في «تنبيه الأُمّة» عن مفردتين أساسيتين: دور الأُمّة، من خلال مجلس الشورى الذي تنتخبه، في تشريع القوانين وفرز السلطة التنفيذية والرقابة عليها، وضرورة الدستور كضامن لهذا الدور ولمنع استبداد سلطات الدولة، بما فيها السلطة الأُولى (الشاه).
وأعتقد أنّ الذين انتقـدوا الشيخ النائيني فيما بدا لهم أنّه يشـرعن للملكية الوراثية الدستورية، لم يطّلعوا على بحوثه في «المكاسب والبيع»(20)، أو أنّهم اطّلعوا عليها وأغفلوها(21). وفي المقابل، ظل آخرون يروّجون لبحث «تنبيه الأُمّة» ليخلقوا منه نظرية فقهية عنوانها «ولاية الأُمّة» على نفسها، مقابل مبدأ «ولاية الفقيه العامة»، ويعتبرونها النظرية التي تعبر عن توجهات مدرسة النجف، مقابل مدرسة قم. ومنطلق هذا الاختلاق المناكفة السياسية أو الجهل بآراء الميرزا النائيني وبولاية الفقيه وبمدرسة النجف ومدرسة قم أو المناكفة والجهل معاً.
وفي كتابه «البيع»، يذهب الميرزا النائيني إلى أن الفقيه هو الولي النائب عن ولاية الأئمة المعصومين في عصر الغيبة، والمفوض بولاية الرئاسة المجعولة من قبلهم، ولذلك يستدعي البحث في ولاية الفقيه النائب، البحث أولاً في موضوع الولاية الكبرى؛ لأنّ ولاية الحاكم هي من شؤون من له الولاية الكبرى على الدين والدنيا، وهي الولاية الثابتة للنبي وللأوصياء من بعده(22). ويقول بأنّ لولاية النبي والأئمة مرتبتين: «الولاية التكوينية التي هي عبارة عن تسخير المكونات تحت إرادتهم ومشيئتهم بحول الله وقوته… وهذه المرتبة من الولاية مختصة بهم وليست قابلة للإعطاء… والولاية التشـريعية الإلهية الثابتة لهم من الله سبحانه وتعالى في عالم التشريع، بمعنى وجوب اتّباعهم في كل شيء، وأنهم أولى بالناس شرعاً في كل شيء من أنفسهم وأموالهم. والفرق بين المرتبتين ظاهر، حيث إنّ الأُولى تكوينية والثانية ثابتة في عالم التشـريع، وإن كانت الثانية أيضاً لا تكون ثابتة إلّا لمن له المرتبة الأُولى، إذ ليس كل أحد لائقاً للتلبس بذلك المنصب الرفيع والمقام المنيع إلّا من خصّه الله بكرامته، وهو صاحب المرتبة الأُولى على ما هو الحق عندنا، خلافاً للعامة الذاهبين إلى إثبات تلك المرتبة الثانية لكل من يُقلَّد أمر الأُمّة من كل بر وفاجر»(23).
ثم يعرّف الولاية من المرتبة الثانية القابلة للتفويض للفقيه في عصـر الغيبة، بأنّها: «عبارة عن الرياسة على الناس في أُمور دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم، ويدل على ثبوت هذا المعنى لهم قوله صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير: «ألست أولى بكم من أنفسكم» وغيره من الأخبار المتظافرة الظاهرة دلالتها في هذا المعنى، فلا ينبغي الارتياب في ذلك»(24).
وينتهي الميرزا النائيني إلى أنّ الولاية التكوينية لا يمكن تفويضها لأحد إطلاقاً؛ لأنّها من مختصات النبي والأئمة حصـراً. أمّا ولايتهم التشريعية، التي عبّر عنها بالمرتبة الثانية، فيمكن تفويضها وإعطائها للغير في عصـر غيبتهم، وتحديداً للفقيه، بما يشبه تفويض النبي والإمام علي لولاتهم ـ زمان حکومتهما ـ في إدارة شؤون الناس والسياسة والاقتصاد والجيوش والقضاء(25)، فيقول: «لا إشكال في قابلية المرتبة الثانية من الولاية للجعل والإعطاء للغير ممن له الولاية العامة على الناس بأن يصيّر من جعلت له الولاية كالوالي نفسه في كونه أولى بالناس في أنفسهم وأموالهم، كما أنّه لا ينبغي الريب في وقوعه أيضاً في الجملة، كما يدل عليه سيرة النبي بعد بسط الإسلام، وسيرة أمير المؤمنين في زمان خلافته من جعلهما الولاة في البلاد وكون الولاة عنهما بمنزلة أنفسهما في تلك البلاد التي نصبوا ولاة فيها… فلا إشكال في ثبوت تشـريع الولاية في الشـرع وجعل منصب الوالي كما أنّه يجعل منصب القضاء، ولكل منهما وظيفة غير وظيفة الآخر، فوظيفة الوالي هي الأُمور النوعية الراجعة إلى تدبير الملك والسياسة وجباية الخراج والزكوات وصرفها في المصالح العامة من تجهيز الجيوش وإعطاء حقوق ذوي الحقوق … وأما وظيفة القضاة فعبارة عن قطع الخصومات وحبس الممتنع وجبره على أداء ما عليه والحجر عليه في التصـرف في أمواله إذا كان دينه مستغرقاً، ومباشرة بيع أمواله إذا امتنع هو بنفسه عن بيعها ونحو ذلك مما هو من شؤون القضاء، وهذا هو المتيقن من الوظيفتين»(26).
وبناء على تعريفه للولاية من المرتبة الثانية (أو الرئاسة كما يصفها)، وإمكانية تفويضها من الأئمة وجعلها للفقيه في عصـر الغيبة، فإنّ الميرزا النائيني يتحدث بوضوح عن ولاية عامة واسعة، بالشكل والمضمون اللذين يطرحهما القائلون بولاية الفقيه المطلقة(27).
ومن هنا، يذهب الميرزا النائيني إلى مناقشة نقطة الخلاف حول مساحات تفويض المرتبة الثانية للفقيه، وهل هي تختص بوظائف الوالي أو وظائف القاضي، ويذهب إلى أنّ مقبولة عمر بن حنظلة(28) تدلّ بما لا يقبل الشك على وظائف الوالي والقاضي معاً، فيقول: «ذهب جمعٌ إلى ثبوت الولاية للفقيه بما هو وظيفة الولاة، واستدلوا له بأخبار… فالعمدة فيما يدلّ على هذا القول هي مقبولة عمر بن حنظلة، وفيها أنّ الإمام قال: «فإنّي جعلته عليكم حاكماً»، فإنّ الحكومة بإطلاقها يشمل كلتا الوظيفتين، بل لا يبعد ظهور لفظ الحاكم فيمن يتصدّى لما هو وظيفة الولاة، ولا ينافيه كون مورد الرواية مسألة القضاء، فإنّ خصوصية المورد لا توجب تخصيص العموم في الجواب. نعم، ربما يوهن الظهور المذكور بما في رواية أبي خديجة من قول الإمام: «جعلته عليكم قاضياً»، فإنّ لفظ القاضي ربما يجعل قرينة على إرادة القضاء من لفظ الحاكم أيضا، ولكنه يجاب عنه بعدم صرف ظهور المقبولة بواسطة رواية أبي خديجة بعد، كونهما روايتين مستقلتين، فرواية ابن حنظلة أحسن ما يتمسك به لإثبات الولاية العامة للفقيه»(29).
أمّا الأحاديث الأُخر المعروفة، فلم ير النائيني أنّها دالة على الولاية العامة للفقيه، بل على ولاية الفتوى وتبليغ الأحكام والقضاء والحسبة. كما أنّه يردّ على صاحب كتاب المكاسب (الشيخ مرتضى الأنصاري) في ما أورده من استدلالات على حديث «الحوادث الواقعة» المروي عن الإمام المهدي(30)، بأنّها تدلّ على الولاية العامة(31).
ويعتقد الميرزا النائيني بأنّ البناء على ولاية الفقيه العامة تعني أنّ للفقيه كل وظائف الوالي، بما فيها «جباية الخراج المقاسمة، فضلاً عن مطالبة الأخماس والزكوات، وله التصدّي لإقامة الجمعة بناء على أن تكون إقامتها من وظائف الولاة، وأنّه مع تصدّيه لإقامتها تجب على كل من يتمكن حضورهاً وجوباً عينياً، وكذلك له التصدّي لإقامة الحدود والتعزيرات وأمثالهما مما يشك في كونه من وظيفة القضاة أو الولاة»(32).
أمّا من لا يبني على عمومية ولاية الفقيه، فيرى النائيني أنّ القدر المتيقن هو قبوله بوظائف القاضي والمحتسب والوظائف المشكوك بكونها من وظائف القاضي أو الوالي، كالحكم بين الناس وما هو من مباديه وشؤونه، والحدود والتعزيرات، وما يمنع اختلال النظام أو العسـر والحرج، وحفظ أموال الغائبين والقاصرين(33). وهذا يعني أنّ الشيخ النائيني لا يرى جدوى من أن يحكم الفقيه بين الناس، وهو في موقع القضاء، دون أن تكون له سلطة لتنفيذ ما يحكم به، أي وسائل لتنفيذ الحكم، وإلّا كانت أحكامه غير ملزمة وغير قابلة للتنفيذ، ومن ذلك قضايا حفظ النظام والعقوبات.
ويحصر الشيخ النائيني القضاء في الفقيه، ويرى عدم جواز تفويضه للغير، بينما يستطيع الولي الفقيه تفويض صلاحياته في الأُمور الحسبية لنائب عنه يسميه النائب العام عن الفقيه، فيقول: «المراد بالنائب العام هو المنصوب عن قبل الفقيه للتصدّي في الأُمور الحسبية عموماً». أما النائب الخاص عن الفقيه فهو «المنصوب عنه في واقعة خاصة»(34).
ثم ينهي الشيخ النائيني موضوع الدلالة على ولاية الفقيه العامة بقوله: «حاصل الكلام من أوله إلى آخره هو ثبوت الولاية للفقيه بالنسبة إلى ما علم بعدم رضاء الشارع في تعطيله»(35).
والملفت للنظر أنّ الشيخ النائيني يحصر الولاية بالفقيه المتصدّي، فيقول بأنّ تصدّي الفقيه: «بناء على ثبوت الولاية العامة له أو كون الواقعة من وظائف القضاة كبعض الحسبيات، فليس لفقيه آخر أن يقوم بالتصدّي لما تصدّاه الفقيه الأول قبله»(36). ويشمل هذا وفق سياقات الاستدلال تعيين المسؤول التنفيذي عن حفظ النظام العام، فلا يجوز لفقيه آخر تعيين شخص غيره. كما يسري على الوقائع الخاصة أيضاً. وبذلك يؤكد الشيخ النائيني حرمة مزاحمة الولي الفقيه الحاكم أو المتصدّي في قراراته وأحكامه العامة.
رأي السيد السيستاني في مبدأ ولاية الفقيه
طرح مرجع النجف الأعلى السيد علي السيستاني آراءه الفقهية بشأن مبحث ولاية الفقيه في عدد من مؤلفاته، وأهمها كتاب «الاجتهاد والتقليد والاحتياط»، وهي دروسه في مرحلة البحث الخارج، والتي حررها تلميذه السيد محمد علي الرباني، وكذلك الجزء الأول من تعليقة السيد السيستاني على كتاب «العروة الوثقى» للسيد محمد كاظم اليزدي، والجزء الأول من كتاب «الفوائد الفقهية»، الذي جمعه الشيخ محمد كاظم الجشـي، فضلاً عن الاستفتاءات المنشورة في موقعه الرسمي بهذا الخصوص.
ويُعدّ كتاب «التقليد والاجتهاد والاحتياط»، وتحديداً الفصل الرابع منه؛ المصدر الأهم الذي يكشف عن آراء السيد السيستاني في ولاية الفقيه. وقد استدلّ فيه السيد السيستاني على ثبوت الولاية للفقيه في ثلاث مجالات، هي: الفتوى والقضاء والحسبة بصيغتها الواسعة؛ لكنه لا يرى للأدلة الروائية والعقلية التي أوردها القائلون بولاية الفقيه المطلقة (الرئاسة كما يعبر عنها في مطلع الفصل الرابع) حجية في ثبوت الولاية على الحكم، ومنها: مقبولة ابن حنظلة، ومعتبرة أبي خديجة، وروايات: «الحوادث الواقعة»، و«ورثة الأنبياء»، و«أُمناء الرسل»، و«مجاري الأُمور» وغيرها؛ فهو إمّا يضعفها سنداً وإمّا ينفي دلالتها(37). كما ينفي حجية الإجماع الذي أكده المحقق الكركي في كتاب «صلاة الجمعة»، والشيخ محمد حسن النجفي في «جواهر الكلام»، والشيخ النراقي في «عوائد الأيام» وغيرهم، بشأن ثبوت الزعامة العامة للفقيه، وشمول صلاحياته على الحكم(38).
ولعل أكثر ما يلفت النظر في معرض مناقشته لآراء الإمام الخميني في كتاب البيع (المكاسب)، بشأن حجية الدليل العقلي الذي يقول بضـرورة استمرار تطبيق أحكام الإسلام التي تتعلق بالنظام العام ولا يمكن تعطليها، كالحدود والتعزيرات والأموال العامة والدفاع وغيرها(39)، وهي بحاجة إلى سلطة تقوم بتنفيذها؛ فإنّ السيد السيستاني يستعيض عن ولاية الحكم بخيار توسيع دائرة ولاية الحسبة؛ لتكون بديلاً يستوعب جميع الشؤون العامة التي لا يجوز تركها. أي أنّ السيستاني أحد أكثر الفقهاء الذين يوسعون مصاديق الحسبة ويوسعون صلاحيات الفقيه بصددها؛ بما يساوق ولاية فقيه شبه عامة، كما تدلّ أبحاثه.
ويخيل إليَّ لو أنّ السيد السيستاني طرح أبحاثه في ولاية الفقيه بعد العام 2003، أي بعد سقوط النظام البعثي، الذي كان يحصي أنفاس الفقهاء، فضلاً عن آرائهم، وبعد ظهور الحاجات الجديدة للدولة العراقية؛ فإنّه ربما سيتوصل إلى شمول ولاية الفقيه على الحكم؛ لأنّ ولاية الفقيه هي مسألة فقهية كغيرها من المسائل التي يختلف فيها العلماء مع بعضهم، ومع أنفسهم أحياناً؛ فتطرأ لديهم أدلة جديدة أو تفسيرات جديدة للأدلة أو قراءة جديدة للواقع وحاجاته المتغيرة. مع الإشارة إلى أن السيد السيستاني طرح أبحاثه هذه في العام 1407هـ (1986م) كما يوضح السيد الرباني في المقدمة.
وأعتقد أنّ من الطبيعي عدم إفصاح المعتقدين بولاية الفقيه على الحكم عن آرائهم في زمن النظام السابق. حتى إنّهم في معرض مناقشتهم لآراء الإمام الخميني الفقهية أو تأييدها لا يذكرون اسمه. مثلاً: السيد السيستاني كان في دروسه يشير إلى الإمام الخميني بصفة (أحد الأكابر)(40) ولا يذكر اسمه صراحة. بينما كان السيد محمد الصدر يعبر عنه بـ (أُستاذنا الكبير)(41).
وسأكتفي هنا بعرض عدد من نصوص السيد السيستاني حول ولاية الفقيه، وهي على شكل فتاوى منشورة في كتاب «الفوائد الفقهية طبقاً لفتاوى السيد السيستاني». كما أنّ أغلب الفتاوى موجود أيضاً في موقعه الرسمي على شبكة الإنترنيت، وهي تتطابق مع آرائه الواردة في كتاب «الاجتهاد والتقليد»:
سؤال 41: هل يجب اتّباع الفقيه في أحكامه التي يصدرها ؟
الجواب: «إذا كان حكمه في موارد ثبوت الولاية فلا تجوز المخالفة»(42).
سؤال 43: ما حدود حاكمية الحاكم وموارد نفوذها في حق مقلِّدي الغير؟
الجواب: «تنفذ أوامر من تثبت له الولاية من الفقهاء على الجميع في الأُمور الحسبية؛ بل وفي الأُمور العامّة التي يتوقف عليها نظام المجتمع الإسلامي»(43).
سؤال 49: ما حدود ولاية الفقيه عندكم؟
الجواب: «الولاية فيما يعبّر عنها في كلمات الفقهاء (رض) بالأُمور الحسبية تثبت لكل فقيه جامع لشروط التقليد، وأمّا الولاية فيما هو أوسع منها من الأُمور العامة التي يتوقّف عليها نظام المجتمع الإسلامي؛ فلمن تثبت له من الفقهاء، ولظروف إعمالها شروط إضافية، ومنها أن يكون للفقيه مقبولية عامة لدى المؤمنين»(44).
سؤال 63: هل يجب على باقي الفقهاء الذين لا يرون ولاية الفقيه العامة؛ إطاعة الأحكام الولائية الصادرة عنه لضرورة حفظ النظام الإسلامي؟
الجواب: «حكم الفقيه الذي ثبتت له الولاية في موارد ثبوتها؛ لا يجوز نقضه ولو لمجتهد آخر، إلّا إذا تبين خطؤه ومخالفته لما ثبت قطعاً في الكتاب والسنة»(45).
سؤال 90: هل الأحکام الولائية للولي الفقيه نافذة علی جميع مسلمي العالم أم هي خاصة بمنطقة نفوذه وولايته؟
الجواب: «ولاية الفقيه فيمن تثبت له مواردها لا تتحدّد ببقعة جغرافية»(46).
سؤال 93: ما معنى ولاية الفقيه ؟
الجواب: «يعني نفوذ أحكامه شرعاً في موارد ثبوت الولاية له»(47).
سؤال 146: هل يجوز تشريع القوانين استناداً إلى اقتضاء المصلحة؟
الجواب: «يجوز ذلك لمن له الولاية شرعاً ضمن شروط خاصة»(48).
هذه النصوص تؤكد أنّ السيد السيستاني يوسع مساحة حفظ النظام العام الثابتة للفقيه الجامع لشروط الاجتهاد والعدالة والمقبولية العامة من المؤمنين. وبرغم أنّه يشير إلى عدم شمول ولاية الفقيه على النظام السياسي؛ إلّا أنّه يوجب إطاعة الولي الفقيه الذي قبل المؤمنون بولايته، حتى على المجتهدين الآخرين، وخارج حدود الجغرافية الوطنية؛ كما نفهم من النصوص. ويمكن القول إنّ رأي السيد السيستاني في توسعة صلاحيات الفقيه من خلال مبدأ ولاية الفقيه يختلف عن مبنى أُستاذه السيد الخوئي، ويتطابق مع مبنى السيد محسن الحكيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات
(1) الكليني، «الكافي»، ج1، ص34، كما ذكره الشيخ الصدوق في «الأمالي» مروياً عن الإمام علي، ص116، وفيه: (الفقهاء) بدل (العلماء). () الکليني، «الکافي»، ج1، ص34، ح1.
(2) المتقي الهندي، «کنز العمال»، ج10، ص183، ح28952. وورد أيضاً بصيغ أُخر: «الفقهاء أُمنا الرسل»، و«العُلَماءُ أُمَناءُ اللهِ عَلى خَلقِهِ» و«العُلَماءُ أُمَناءُ أُمَّتي». أُنظر: المجلسي، «بحار الأنوار»، ج2، ص110، ح15. ابن سلامة، «مسند الشهاب»، ج1، ص100، ح115. المتقي الهندي، «کنز العمال»، ج10، ص134، ح28676. الکليني، «الکافي»، ج1، ص33، ح5 وليس فيه: أُمتي.
(3) وهي المعروفة بـ «مقبولة» عمر بن حنظلة، ولكن عدّها بعض المحققين المعاصرين «صحيحة». أُنظر: السيد جعفر مرتضى العاملي، «ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة وغيرها». مجلة التوحيد (ق1)، العدد الرابع، رمضان 1403هـ، ص66. ورواها الكليني في «الأُصول من الكافي»، ج1، ص67، ح10، وتُعدّ أهم أدلة ولاية الفقيه على الحكم.
(4) أُنظر: علي المؤمن، «الإسلام والتجديد»، ص89.
(5) وأبرزهم المحقق الكركي في كتاب «صلاة الجمعة»، والشيخ محمد حسن النجفي في «جواهر الكلام»، والشيخ النراقي في «عوائد الأيام» وغيرهم، إذ احتجوا بالإجماع بشأن ثبوت الزعامة العامة للفقيه وشمول صلاحياته على الحكم. ويمكن مراجعة كتاب «الاجتهاد والتقليد والاحتياط» للسيد علي السيستاني، تحرير: السيد محمد علي رباني، ص118، للاطلاع على نصوص هؤلاء الفقهاء بشأن الاتفاق والإجماع على الولاية العامة للفقيه.
(6) علي المؤمن، «الفقه والدستور: التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي»، ص116 ـ 134.
(7) أُنظر: السيد عبد الأعلى السبزواري، «مهذب الأحكام»، ج27، ص34. الشيخ محمد مهدي الآصفي، «الاجتهاد والتقليد»، ص204.
(8) أُنظر: علي المؤمن، «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة»، ص87.
(9) المصدر السابق، ص90.
(10) علي المؤمن، «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة»، ص91.
(11) لمصدر السابق، ص92.
(12) الشيخ محمد رضا المظفر، «عقائد الإمامية»، في إطار حديثه عن عقيدة الشيعة في المجتهد، ص47.
(13) وخاصة في سلسلة بحوثه الستة المجموعة في كتاب «الإسلام يقود الحياة».
(14) وخاصة في كتابه «مبحث ولاية الفقيه» الذي كتبه في العام 1970، وتقريرات دروس أُستاذه الإمام الخميني تحت عنوان «البيع».
(15) وخلاصتها ما جاء في كتابه «أنواع الحكومة».
(16) أُنظر كتابه «الحكومة في الإسلام».
(17) الشيخ محمّد حسين الغروي النائيني، ولد في مدينة نائين بإيران في العام 1860، وهاجر إلى مدينة سامراء وتتلمذ على المرجع الأعلى الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي، ثم استقر في النجف الأشرف حتى وفاته في العام 1936م. تصدّى للمرجعية في النجف بعد وفاة الشيخ فتح الله الأصفهاني (شيخ الشريعة) في العام 1920. من أبرز تلامذته: السيد محسن الحكيم، والسيد محمود الشاهرودي، والسيد أبو القاسم الخوئي.
(18) أُنظر: علي المؤمن، «الفقه والدستور: التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي»، ص116.
(19) «المكاسب» كتاب فقهي استدلالي لمرجع النجف الشيخ مرتضى الأنصاري، وقد اعتمده الشيخ الميرزا النائيني منهجاً لدروسه في البحث الخارج. وقد حرر الدروس الشيخ محمد تقي الآملي، وصدرت النسخة الأُولى منها في العام 1953 بعنوان «كتاب المكاسب والبيع»، تقريرات الميرزا الشيخ محمد حسين الغروي النائيني، وقد اعتمدنا في بحثنا هنا النسخة المطبوعة الصادرة عن مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم، 1413ه. أمّا كتاب «البيع» فهو الجزء الثاني من التقريرات.
(20) شخصياً لم أطلع على التقريرات إلّا قبل أربع سنوات فقط، رغم أنّ طبعتها الجديدة صدرت في العام 1991. ولذلك جاءت كتاباتي في تقويم بحث «تنبيه الأُمّة» للشيخ النائيني غير وافية.
(21) ربما لم يطلع الشيخ حسين علي المنتظري على هذه التقريرات أيضاً؛ لأنّه اعتمد في كتابه «دراسات في فقه الدولة الإسلامية»، على بحث «تنبيه الأُمّة» فقط في تقويم أفكار الميرزا النائيني، وانتقده انتقاداً لاذعاً. أُنظر: «دراسات في فقه الدولة الإسلامية»، ج2، ص265.
(22) كتاب «المكاسب والبيع»، تقرير بحث الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني، تحرير: الشيخ محمد تقي الآملي، ج٢، ص232.
(23) كتاب «المكاسب والبيع»، تقرير بحث الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني، ج٢، ص233.
(24) المصدر السابق، ج٢، ص233.
(25) المصدر السابق، ج٢، ص234.
(26) كتاب «المكاسب والبيع»، تقرير بحث الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني، ج٢، ص235.
(27) من خلال المقارنة بين مخرجات «كتاب البيع» للإمام الخميني، و«كتاب البيع» للميرزا النائيني، وكلاهما بحث في كتاب واحد، هو «كتاب البيع» للشيخ مرتضى الأنصاري، نجد شبه تطابق بين آراء الفقيهين في القول بولاية الفقيه العامة، رغم أنّ النائيني ألقى دروسه المذكورة في العقد الثالث من القرن العشرين، أي قبل دروس الإمام الخميني بأكثر من أربعة عقود.
(28) وهو حديث الإمام جعفر الصادق: «من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا؛ فليرضوا به حكماً؛ فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً». رواه الشيخ الكليني، بسنده في «الکافي» ج٧، ص٤١٢. (وانظر الإحالة رقم 15).
(29) كتاب «المكاسب والبيع»، تقرير بحث الميرزا النائيني، ج٢، ص237.
(30) نص الحديث: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم». وقد ذكره الشيخ الصدوق في «كمال الدين وتمام النعمة»، ص484. والحر العاملي في «وسائل الشيعة»، ج27، ص140.
(31) كتاب «المكاسب والبيع»، تقرير بحث الميرزا النائيني، ج٢، ص238.
(32) كتاب «المكاسب والبيع»، تقرير بحث الميرزا النائيني، ج٢، ص239.
(33) المصدر السابق، ج٢، ص240.
(34) المصدر السابق، ج٢، ص240.
(35) المصدر السابق، ج٢، ص241.
(36) كتاب «المكاسب والبيع»، تقرير بحث الميرزا النائيني، ج٢، ص242.
(37) السيد السيستاني، «الاجتهاد والتقليد والاحتياط»، ص87 ـ 117.
(38) المصدر السابق، ص119 ـ 120.
(39) المصدر السابق، ص124.
(40) السيد السيستاني، «الاجتهاد والتقليد والاحتياط»، ص68.
(41) أو (سيدنا الأُستاذ) أحياناً أُخر. أُنظر: السيد محمد الصدر، «مبحث ولاية الفقيه».
(42) السيد السيستاني، «الفوائد الفقهية»، جمع: الشيخ محمد كاظم الجشي، ج١، ص٣٥.
(43) المصدر السابق، ج١، ص٣٦.
(44) السيد السيستاني، «الفوائد الفقهية»، ج١، ص38 ـ 39.
(45) المصدر السابق، ج١، ص45.
(46) المصدر السابق، ج١، ص٥٣.
(47) المصدر السابق، ج١، ص٥٣.
(48) المصدر السابق، ج١، ص70

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *