ديسمبر 26, 2024
download (1)

الكاتب : عبد المنعم الاعسم

يكذب مرتين من يقول بان الطبقة السياسية النافذة عبَرت بالعراق خطر الاحتراب الطائفي، وان ازمة تشكيل الوزارة منذ اعلان نتائج انتخابات 2010 وفصلها الدرامي الموصول بالحقائب الامنية لا علاقة لها بالشدّ الطائفي وبالاصرار على تفعيله وتأبيده، أو انها منزوعة عن خلفيات المشروع الطائفي المرسوم وعواقبه الامنية، على الرغم من الشتائم اليومية للنعرة الطائفية على لسان ادعياء وساسة تحولت بمرور الايام الى تعويذات او رطانة من غير معنى.
اقول، ان الذي يبرئ المتصارعين السياسيين وزعاماتهم من ظنة الطائفية يكذب مرتين، مرة لان عبارة “تمثيل المكونات” في التركيبة الحكومية التي جرى تداولها علنا لا تعني إلا “كود” ترسيم سياسي لمعسكرات خاضت السباق الانتخابي في محمول طائفي، ولم يكن اللاعبون في هذه الحلبة ليخفون، في غالب الاحيان، تنسيب هذه الوزارة او تلك (والوظائف الحساسة)الى هذا الفريق الطائفي او ذاك، وظهر الامر جليا في مناورات استبدال اسماء المرشحين للوزارات الامنية إذ سرعان ما اندفعت الخطوط الحمر الطائفية الى مانشيتات الاخبار وتصريحات الساسة وظهر للطائفية شوارب لا تقبل المهانة، ولا تسكت عليها.
وانه يكذب، ثانية، لأن اصحاب الازمة هم انفسهم اصحاب المشروع الطائفي، وكانوا، وما زالوا، يخشون (ويقولون بعبارات مخاتلة) من سحب الورقة الطائفية من التداول لأن ذلك يعني سحب متعلقاتها من المحاصصة الطائفية، ويعني، بالضرورة، التشطيب على امتيازات (يسمونها استحقاقات) ومراكز لا مكان لها، ولا سعر لها في سوق الكفاءات من غير وصفتها الطائفية، وبمعنى آخر، لا يريد اصحاب، واتباع، وحراس المشروع الطائفي في العراق المضي بازدراء الطائفية الى ابعد من المجاملات والتسويق الاعلامي وخداع الجمهور، وقد اكتشفوا طريقة جديدة للمزايدة وتكريس الطائفية بالاعلان عن انهم، في كل جانب، ضحايا لطائفية الجانب الآخر، واحسب انهما نجحا في ادارة هذه اللعبة، في الاقل، للجم الشارع وتخويفه وإشغاله عما يجري من فساد منهجي وتقاسم مضطرد للنفوذ.
حتى الاختراقات الامنية، والمذابح الناجمة عنها، منذ حفلات القتل الهمجية في الموصل حتى آخر حفلة شنيعة في النخيب، لاتعدو عن كونها تضاعيف للتناحر الطائفي، فقد انطلق الارهاب، وعصابات الجهاد و”المقاومة” من ارضية طائفية محمومة فيما سقطت الحملة الامنية المناهضة للارهاب في طائفية مقابلة، ليظهر لجميع الشهود والمتابعين بان طرفي المعادلة الامنية الكارثية يحصدان معا نتائج الابادة والخراب، نفوذا وثروات وقوى تصويتية في الانتخابات.
القضية ليست معقدة، فانه لا طائفية من غير ماكنات ناشطة تتولى تشغيل المكاره وتبرير التخندق والاقتتال، ولا استقطاب من غير مصالح سياسية وتابعية مرتبطة بالتصعيد. اما من هو على حق من الطرفين، فمن سوء حظهما، ان الطائفية بالصيغة التي جرى ترجمتها في العراق لا عفة لها بحيث يكون لها جناة وضحايا.
*
“لا يفتح المرء فمه واسعا عندما يدلي باكذوبة”.
مثل اسباني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *