فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله تعالى “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (مريم 28) أُمُّكِ: أُمُّ اسم، كِ ضمير. يا أخت الرجل الصالح هارون ما كان أبوك رجل سوء يأتي الفواحش، وما كانت أمك امرأة سوء تأتي البِغاء. وذلك حين ألهمْنا أمَّك: أن ضعي ابنك موسى بعد ولادته في التابوت، ثم اطرحيه في النيل، فسوف يلقيه النيل على الساحل، فيأخذه فرعون عدوي وعدوه. وألقيت عليك محبة مني فصرت بذلك محبوبًا بين العباد، ولِتربى على عيني وفي حفظي. وفي الآية إثبات صفة العين لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وكماله. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (مريم 28) هو رجل صالح: أي يا شبيهته في العفة.”مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ” (مريم 28) أي زانياً.”وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (مريم 28) أي زانية فمن أين لك هذا الولد.
وعن فسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (مريم 28) ﴾ أي: كان أبواك صالحين فمن أين جئت بهذا الولد “فأشارت إليه” أي: فأومت إلى عيسى عليه السلام بأن كلموه واستشهدوه على براءة ساحتي فتعجبوا من ذلك. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (مريم 28) فمن تشبهين أنت بفعلتك هذه التي لا يقدم عليها إلا من كانت بنتا لرجل سوء، أوبنت امرأة بغي.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (مريم 28) فمع وجود مثل هذا الأب والأُم الطاهرين، ما هذا الوضع الذي نراك عليه؟ فأي سوء رأيت في سلوك الأب وخلق الأُم حتى تحيدي عن هذا الطريق؟ قولهم لمريم: “يا أخت هارون” وقع مثار الإِختلاف بين المفسّرين، لكن يبدو أنّ الأصح هو أنّ هارون رجل طاهر صالح إِلى الدرجة التي يضرب به المثل بين بني إِسرائيل، فإذا أرادوا أن يصفوا شخصاً بالطهارة والنزاهة، كانوا يقولون: إِنّه أخو أو أخت هارون، وقد نقل العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان هذا المعنى في حديث قصير عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي حديث آخر ورد كتاب سعد السعود، عن المغيرة، أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه إِلى نجران لدعوتهم الى الإِسلام فقالوا (معترضين على القرآن): ألستم تقرؤون “يا أخت هارون” وبينهما كذا وكذا) (حيث تصوروا أنّ المراد هو هارون أخو موسى) فلمّا لم يستطع المغيرة جوابهم ذكر ذلك للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ألا قلت لهم: إِنّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين منهم) أي ينسبون الأشخاص الصالحين منهم الى الأنبياء.
جاء في كتاب لاهوت المسيح في المسيحية والإسلام دراسة مقارنة للكاتب علي الشيخ: قولهم: “مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً” (مريم 28) أي لست من بيت هذا شيمته ولا سجيتهم، فكيف ارتكبت هذه الفاحشة العظيمة. فلما ضاق بها الحال سكتت ولم تجب بشي، بل اشارت بيدها الى الطفل حتّى يجيبيهم ويكشف لهم عن حقيقة الامر، “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ” فأستغربوا من امرها وقالوا: “كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً”وعندها تكلم المعجزة عيسىعليه السلامليبرء ساحة أُمّه القديسة من كل اتهام باطل وقال: “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً” (مريم 30-33).
وردت آيات قرآنية تتحدث عن كلمة البغاء ومشتقاتها قوله تعالى “وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” ﴿النور 33﴾، و “قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا” ﴿مريم 20﴾، “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (مريم 28).