فاضل حسن شريف
وكل نبي هو عبد الله كما حال نوح عليه السلام “ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا” (الاسراء 3)، وعيسى عليه السلام “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا” (مريم 30)، ومحمد صلى الله عليه واله وسلم “قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه” (غافر 66)، وداود عليه السلام “وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ” (ص 17)، و سليمان عليه السلام “وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ” (ص 30). ولانبياء ذرية مثل آدم وابراهيم واسرائيل عليهم السلام “أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ” (مريم 58).
جاء في كتاب القصص القرآني للسيد محمد باقر الحكيم: العلاقة باللّه تعالى: و هي الصفات التي تتحدّث عن نوع و مستوى العلاقة بين اللّه تعالى و عيسى عليه السّلام، و هنا نلاحظ أنّ القرآن الكريم يتحدّث في هذا البعد عن الخصال التي تعبّر عن موقف العناية و الرحمة الإلهية بعيسى عليه السّلام في تصوير هذه العلاقة، بدل الصفات التي تعبّر عن موقف عيسى عليه السّلام من اللّه باستثناء صفة واحدة، و هي صفة العبودية. عبد اللّه”قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا” (مريم 30)، وجيها عند اللّه و من المقربين لديه، و هي صفة اختص بها عيسى عليه السّلام و موسى في القرآن الكريم. العلاقة بالناس: لقد ذكر القرآن الكريم نوعا آخر من الصفات لعيسى عليه السّلام توضح فيه طبيعة العلاقة بينه و بين الناس بصورة عامة، أو مع والدته و قومه من بني إسرائيل بصورة خاصة. الوجيه في الدنيا، فهو كان له الجاه عند اللّه في الآخرة كما ذكرنا و لكنّه مع وجاهته عند اللّه فهو وجيه بين الناس، لموقع بيته العظيم الذي اصطفاه اللّه- تعالى من بين الناس و الآل، و لولادته المتميزة، و للآيات و المعاجز التي جاء بها، ثم لسلوكه و أخلاقه الخاصة التي جعلته وجيها عندهم مع تواضعه و زهده في هذه الدنيا،”وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ” (ال عمران 45)، فهو يشبه من هذه الصفة نبينا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي كانت لديه هذه الوجاهة عند الناس أيضا.
ان العلاقة بين اللّه تعالى و عيسى عليه السّلام تحدث عنها القرآن أولها صفة العبوديةه “قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا” (مريم 30)، و العبودية المطلقة تشتمل”إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَ إِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ” (المائدة 110) و مسلّما عليه من قبل اللّه تعالى “وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا” (مريم 23).
ومن الروايات ان عيسى عليه السلام كان في بيت ومعه عدد من الحواريين قيل 12 حواريا حين رفعه الله تعالى. وافترق الناس بعد رفعه الى ثلاث فرق اولها ان عيسى هو الله الذي صعد الى السماء وتسمى اليعقوبية، واخرى قالت انه ابن الله وهم النسطورية، وفرقة ثالثة قلت إنه عبد الله ورسوله ثم رفعه الله وهؤلاء المسلمون”قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا” (مريم 30).
جاء في كتاب لاهوت المسيح في المسيحية والإسلام دراسة مقارنة للكاتب علي الشيخ: و اما احداث الولادة فقد ذكر القرآن كيفيتها في سورة مريم في قوله تعالى: “فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمضـخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّا” (مريم 22-25). فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال او كانت “نَسْياً مَنْسِيّاً” (مريم 23) أي لم تخلق بالكلية. و بعد الولادة رجعت مريم الى قومها وهي حاملة المسيح عليه السلام على صدرها، فلما رأوا طفلا حديث الولادة معها، أسرعوا الى اتهامها بالفحشاء والمنكر، وقالوا يا مريم لقد فعلت منكراً عظيماً، “قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً” (مريم 27). و الفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال. و اضافوا: “يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً” (مريم 28). و قولهم: “مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً” (مريم 28) أي لست من بيت هذا شيمته ولا سجيتهم، فكيف ارتكبت هذه الفاحشة العظيمة. فلما ضاق بها الحال سكتت ولم تجب بشي، بل اشارت بيدها الى الطفل حتّى يجيبيهم ويكشف لهم عن حقيقة الامر، “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ” فأستغربوا من امرها وقالوا: “كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً”وعندها تكلم المعجزة عيسىعليه السلامليبرء ساحة أُمّه القديسة من كل اتهام باطل وقال: “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً” (مريم 30-33). وختم قصة ولادته وكلامه للناس بقوله سبحانه: “ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَد سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” (مريم 34-35). وفيه نفي وإبطال لما قالت به النصارى من بنوة المسيح، وقوله: “إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ” (مريم 35) حجة أقيمت على ذلك وقد عبّر بلفظ القضاء للدلالة على ملاك الاستحالة أن يكون لله ولد.