يناير 19, 2025
أدهم-الشبيب

ادهم الشبيب

كنت كتبت يوما مقال “الناس على دين الملوك او كيفما تكونوا يولى عليكم” ونشر المقال في حينه وربما يكون هذا جزءا مكملا له دون نية سابقة ، الفارق هو ان المقال السابق يعالج -بشكل أساسي- الحاضنة الإجتماعية التي تنتج الحكام الفاسدين وتنصّبهم ، أما هنا فنناقش دور السياسة الواقعة والحكام الفاسدين المباشر في تغيير المجتمعات ، 

السياسة لها الدور الأخطر في إفساد المجتمع والدور الأضعف في اصلاحه ، فبمجرد بلوغ رجل فاسد منصبا سياسيا رفيعا مؤثرا سواء كان من صناع القرار أو كان ممن يحوكون الدسائس ويؤثرون عبرها بالمال والأتباع من طرف خفي ، فإن الفساد ينتشر من حوله وفي بيئته بسرعة كبيرة لا يكاد يسيطَر عليها ، والسبب الرئيس هو الكثرة الغالبة من الخلايا النائمة من الفاسدين -إن صحّ التعبير- وهؤلاء لا نكاد نراهم في الاحوال العادية وفي سيادة دولة العدل ومجتمع القيم للحد الذي قد يكونون معنا وفي بيوتنا ولا نعرفهم ، يمنعهم من إظهار نزعتهم للفساد الجبن من اعلانه والسير مع هوى المجتمع ولونه العام ، فما إن يتولى الرجل الفاسد ويحرك بطانته ويستغل نفوذه بمكره بين اطراف المجتمع وينشر سمومه الشيطانية من اجل المال والنفوذ والشهوات ويسخر لذلك اعوانه حتى يستيقظ كل من له شهية نائمة وضمير ملوث ونفسية مريضة من مجتمعه فيخرجون زرافات ومجموعات ومن كل حدب لينضمون اليه وينصرونه دون دعوة منه وكانما فتحت لهم ابواب يأجوج وماجوج ، فسرعان ما تتفاجا بهم في كل دائرة او مؤسسة او مدرسة يفسدون ويخربون فتنصدم لظهورهم ولغلبتهم واستسلامك لقولهم الشرير المشهور “يا أخي نسير كما يسير الناس ، وهل انا وانت سنصلح التعليم او البلدية او او ” ترى هذا القول وقد انتشر في كل مكان كلمح بالبصر وكأن داء استشرى في قطيع غنم ، 

بل وتبدا بملاحظتهم في المحيطين من اقربائك واصدقائك الذين كانوا متنكرين ، وتنقلب الاخلاق بطريقة صادمة ويكشّر كل منهم عن انيابه التي كانت مخفية ويبدا الانكشاف على دفعات لا تتوقعها انت في اول الامر حتى تلتفت الى ابن جيرانك فتراه يساومك في الرشوة بطرق ملتوية خجلا منك اول الامر ثم ينطلق علنا بعد حين ، فتاتي لتشكو لقريبك الذي كنت تظنه من المساكين فتتفاجا انه مع الركب من زمن وانما اخفى ذلك عنك ، ثم تهرول الى صديق قديم لتطمئن به نفسك فيلسعك بعبارات القبول والاستسلام بل وبعضهم بعبارات التاييد ، وحين تتفتح عيناك وتجلس هادئا لتستوعب الامر تجد ان الجميع منتفعون بوظائف لا يحسنونها ومراكز لا يستحقونها واموال لا تحل لهم بأي وجه ، إلا بفتاوى ملتوية وتخريجات مشبوهة وتفسيرات لا أصل لها ، كل هذا جرى بسبب رجل واحد فاسد وصل الى منصب سياسي بغتة بدعم جماهيري اعمى ، بداعي العشائرية او المذهبية او المحسوبية المخربة ، 

بينما لا يستطيع السياسي المصلح -إن وجد-ان يعيد هذا الامر الى نصابه في عدة عقود بعد ان يستولي الجشع على النفوس العطشة ويدبّ الطمع في اوصال الغالبية التي لا تحرّم الآثام ولا تستنكف من الدنايا ،لأنه سيكون بلا أنصار و لأن الطبيعة البشرية تفسد بشياطين الناس والنفوس الدنيئة بيسر ولا تنصلح احيانا إلا بأنبياء . فللشيطان حزب من الناس يدعوهم فيستجيبون {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

ولن يبقى في يديك حينئذ إلا التجديف في امواج عالية تصارع تيارا معاكسا وريحا عاتية أو تنزوي في بَرّ بعيد وحيدا فاقد الأمل مندهشا تاركا كل شيء او منتظرا فرج الله سبحانه ،، على ان فرج الله قريب .

ادهم الشبيب 11 ك٢ 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *