الوطن والدولة في آراء الإسلاميين المعاصرين

علي المؤمن

    ينقسم الإسلاميون المعاصرون، بجماعاتهم ومفكريهم وفقهائهم، حيال مفهوم الوطن والدولة إلى ثلاثة تيارات:

    1- رؤية الوطن من خلال العقيدة الإسلامية:

    وهو تيار الإسلاميين التقليديين الذين ينظرون إلى الوطن والدولة من خلال الإسلام وأحكامه الشرعية حصراً، وهي النظرة الأصولية العقدية الموروثة؛ إذ يفصِّلون مفهوم الوطن ومفهوم الدولة على مقاس أحكام الشريعة الإسلامية، بنصوصها الأصلية، وهي التي تؤكد على أن الوطن هو وطن الإسلام والمسلمين، وهو الوطن الإسلامي، وكذلك الدولة الإسلامية، التي هي الدولة المتشكِّلة عقدياً، قبل ولادة القانون الدولي والقانون الدستوري الحديث والدولة الوطنية، وبالتالي؛ فإن تشكيل الوطن والدولة في إطار الشريعة الإسلامية يكون على أساس العقيدة حصراً، ولا يكون فيه للحدود الجغرافية أو القانون الدولي أو القانون الدستوري أي دخل.

    والحقيقة؛ أن هذا التيار لا يمكن أن يجد له موطئ قدم على أرض الواقع الضاغط والمحسوم، على كل الصعد الجغرافية والقانونية والسياسية، وسيصطدم بأول تجربة حكم يخوضها، وسيضطر إلى تكييف فقهه وأوضاعه وفق متطلبات القانون الدولي والقانون الدستوري، وإلّا سيجد نفسه منفيّاً خارج الواقع. وهو ما حدث مع الجماعات الإسلامية العالمية التي نظّرت لقواعدها في الفقه السياسي الإسلامي على أساس العقيدة حصراً، ومآلات هذا التنظير الذي يؤسس لوطن ودولة عقديين عالميين لا حدود جغرافية لهما وتتسعان لكل المسلمين دون اشتراط الجنسية أو التابعية السياسية، كجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير وحزب الدعوة الإسلامية، لكنها سرعان ما تراجعت تراجعاً واقعياً عندما عاشت تجربة الحكم في إطار الوطن الجغرافي السياسي والدولة الوطنية، واضطرت إلى الانخراط في صفوف التيار الثالث، كما سيأتي.

    2- رؤية الإسلام من خلال الوطن:

    وهو تيار الإسلاميين الليبراليين الذين ينظرون إلى الإسلام من خلال الوطن؛ فتكون نظرتهم قانونية سياسية وضعية وليست تأصيلية عقدية، وهي النظرة التي تفصِّل أحكام الشريعة الإسلامية والفقه السياسي الإسلامي على مقاس الوطن بحدوده الجغرافية وقانونه الدستوري وأحكام القانون الدولي، وبذلك تكون نظرتهم متطابقة مع النظرة الوضعية للوطن والدولة.

    وقد انجرف هذا التيار تدريجياً في موجات الشعارات القومية والوطنية الوضعية، المتعارضة مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وكان انجرافاً عاطفياً وانفعالياً ابتداءً، لكنه تحوّل إلى موقف فكري سياسي، ثم استحال تياراً وطنياً كأي تيار وطني غير إسلامي علماني، وأدار ظهره لكل القواعد العقدية والشرعية في موضوع الوطن والدولة وفي موضوع السياسة الخارجية، وصار يتخبّط بين انتماءاته الإسلامية التاريخية وبين عدم قدرته على تكييف هذا الانتماء لحل إشكاليات القانون الدولي والقانون الدستوري، وبذلك؛ فشل في ضمان إسلاميته ووطنيته معاً، أي أنه أضاع المنهجين. ومثال ذلك بعض الجماعات الإسلامية العراقية والإيرانية والمصرية والمغاربية والتركية، أو الخارجين على نظرية جماعات التيارين الأول والثالث. 

    3- الرؤية التأصيلية الواقعية الجامعة:

    وهي رؤية تيار الإسلاميين الذين يجمعون بين النظرة إلى الوطن من خلال الشريعة الإسلامية وأحكامها الثابتة، والنظرة إلى الشريعة الإسلامية من خلال الوطن بحدوده الجغرافية وخصوصياته القانونية والسياسية، وهم الإسلاميون التأصيليون الواقعيون، أي الذين يستندون إلى مبدأ التحول في أحكام الشريعة عند تغير موضوعات الأحكام، ويقومون بعملية تأصيل وتجديد متداخلة ومترابطة؛ ليكون الناتج وطناً إسلامياً ودولة إسلامية عقدية ملتزمة بثوابت القانون الدولي والقانون الدستوري، وتناور في مساحات المتغيرات، وخاصة على مستوى السياسة الخارجية، في إطار عملية تكييف فقهي وقانوني دقيق.

     وقد سمح هذا التأصيل الشرعي المتفاعل مع الواقع، لجماعات التيار الثالث، ضمان وطنيتها وإسلاميتها في الوقت نفسه؛ إذ ظلت تضع عيناً على العقيدة والشريعة والعين الأخرى على إلزامات القانون الوضعي بكل تفاصيله، وقد نجحت في الوصول إلى أهداف المنظومتين الوطنية والعقدية معاً، كما هو الحال مع الجماعة الإسلامية في باكستان (المودودي) وحزب الرفاه في تركيا (أربكان) والجمهورية الإسلامية في إيران (الإمام الخميني).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة “كتابات علي المؤمن” الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

One thought on “الوطن والدولة في آراء الإسلاميين المعاصرين

  1. ازمة الفقه الشيعي او الاسلام السياسي الشيعي لا يمكن له ان يستند على فكرة الدولة والوطن..لان ولا امام معصوم من الائمة الاثني عشر اسس دولة وتاصل فيها فكره ومنهجيته.. حتى الامام علي زمنه حروب بين المسلمين..ونزيف دماء.. وفساد (نذكر بابن عباس الذي سرق اموال البصرة).. ولم يعد للخزينة درهما واحدا رغم ان الامام اقاله بعد ذلك ولكن لم يسجنه ولم يعاقبه).. حال الفاسدين اليوم بالعراق يسرقون ثم يتم العفو عنهم.. او يسرقون ثم يتم تدويرهم بالمناصب .. وكانه شيء لم يكن.. ضمن فقه (اموال الدولة العراقية مجهولة المالك).. ويشرعنون الخيانة للاوطان باسم العقيدة.. بدعوى الاسلام لا حدود له؟ بوقت الدين للافراد .. وليس للدولة..
    ثانيا.. هل الدولة تخدم الاسلام..ام الاسلام يخدم الدولة؟
    علما فكرة الدولة الاسلامية العابرة للحدود هي دولة (الخلفاء الاربع والامويين والعباسيين والعثمانيين) وهي نماذج مرفوضة شيعيا ومدمرة .. فلكل زمان دولة.. فما يصلح قبل 1400 سنة لا يصلح بعد 1400 سنة.. فطبيعة البشر وتطورهم ووعيهم يتغيير..
    ثالثا:
    فكرة الدولة الاسلامية مرعبة لانها قائمة على التوسع.. والفكرة الشيعية تؤمن بان لا راية لدولة قبل راية الامام المهدي.. وكل راية قبل الامام المهدي هي راية الدجال.. فالخميني وقيام دولة اسلامية عابرة للحدود (الجمهورية الاسلامية في ايران).. وليس (الجمهورية الاسلامية الايرانية).. هي وراء م صائب دول وشعوب المنطقة وخاصة بالعراق وسوريا ولبنان واليمن.. وغيرها..
    رابعا:
    الاسلاميين المسيسين للدين جعلوا الدين ازمة بحد ذاتها.. واصبحت مخيفة لدى المسلمين (فكرة الدولة ا لاسلامية) لذلك تجد 50 مليون مسلم مهاجرين لاوربا وحدها.. بحثا عن الدولة الوطنية ووطن ليأمنون على انفسهم وعوائلهم واجيالهم بالتعليم والصحة والاستقرار والامن والتكنلوجيا ..
    خامسا:
    الاسلام المسيس .. فرق المجتمعات لطوائف .. واثارة المذهبية والطائفية.. واصبح يتامر على وجود الدولة الوطنية .. كما في العراق ولبنان واليمن .. فنجد المعممين يستحقرون الدولة العراقية وحدودها ويعتبرونها مجرد مشروع ا ستعمارية متناسين بان ا لعراق تاريخ دولة الالاف السنين.. فاصبح العراقي الشيعي العربي يمقت الاسلاميين والشيوعيين والقوميين لانهم عابرين للحدود وخلقوا انظمة دكتاتورية وسلطوية وفاسدة .. وفرخوا مليشيات لقمع الشعوب..
    تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *