فاضل حسن شريف
د. فاضل حسن شريف
عن شبكة النبأ للمعلوماتية: من القاموس السياسي العراقي المعاصر عفا الله عما سلف بتأريخ 6 شباط 2012: التاريخ يخبرنا بوقائع الغدر والخيانة التي تمرس فيها قادة الشر من مشركي مكة وما يحيط بها لتتحول نتائج العفو الى ملك عضوض يتلقفها الأبناء تلقف الكرة. في السياسة وقبل ولادة ميكافيلي بقرون أسس أبناء أبو سفيان ومن انتسب الى مدرسته النهج الميكافيلي في السياسة وهو (الغاية تبرر الواسطة)، وأضحى الإسلام قبليا، عصبويا، أمويا، لا يعرف غير إقصاء و تهميش وإبعاد ونفي كل من لا تنطبق مواصفات الإمّعات والتابعية الذليلة لسلطة السيف أو المال. عفا الله عما سلف، كثيرا ما رددها من يتوسط لحل نزاع ينشب بين طرفين او اكثر، او يرددها صاحي الذنب امام من ارتكب ذنبا امامه يطلب منه العفو والسماح عما بدر منه بحقه، متوقعا ان ينال هذا العفو لما يعرفه عنه من كرم ونبل. في المثل العربي العفو عند المقدرة، والمقدرة هنا تعني الاستطاعة على الإيذاء والانتقام التي تتوفر للشخص للنيل ممن اساء اليه.. فلا عفو مع عدم امتلاك المقدرة لأن عدم الامتلاك هو ضعف لا يليق الطلب من صاحبه بالعفو عن الآخرين. عفا الله عما سلف، قصة المأساة العراقية التي لولاها لما وصلنا الى ماوصلنا اليه، ولما عاش العراق هذه الحروب وهذا الخراب المستمر منذ اطلقها الزعيم عبد الكريم قاسم بعد شفائه من محاولة اغتياله من قبل البعثيين وعلى رأسهم صدام حسين. عفا الله عما سلف خطأ تاريخي له نتائجه الوخيمة في تاريخ العراق المعاصر.. المعفو عنهم عادوا وانقلبوا على صاحب العفو بعد سنوات قليلة لينفتح تاريخ العراق على بوابة دامية من العنف المفرط راح ضحيتها صاحب العفو بأيدي القتلة الذين عفا عنهم، وليعيدوا الكرّة بعد ذلك ايضا في العام 1968 ويصبح راس الفتنة راس العراق الكبير وصاحب الالقاب والمقامات العالية، انه قائد العراق الضرورة صدام حسين الذي لم يتعود العفو يوما لأنه يعرف ان المعفو عنهم سينقلبون عليه يوما ما في لعبة من تبادل الأدوار والمواقع لا ترحم أصحاب العافين عن غيرهم. لو، اداة شرط لامتناع كما يعبر سادة القواعد والنحو العربي، وهي مدار كتاب لأحد الروائيين المشهورين واعتقد انه ستبفان زفايج الذي جعل هذه الكلمة مدخلا لسؤال إشكالي حاول من خلاله تخيل العالم وكيف يكون لو ان الكثير من احداثه لم تجر بالشكل الذي جرت به. مثلا: ماذا لو ان هتلر لم يحكم المانيا؟ وماذا لو ان نابليون لم ينهزم في واترلو؟ وماذا لو ان الثورة الفرنسية لم تقم؟ الى اخر لو.. ولو.. ولو. تخيل معي الاجابات، وتخيل ماذا لو أن عبد الكريم قاسم لم يعف عمن حاول اغتياله ونفذ فيهم الحكم العادل الذي يوازي جريمتهم؟ عفا الله عما سلف يحاول بعض السياسيين اليوم اعادتها الى الواقع السياسي العراقي عبر دعوة اطلقتها النائبة عتاب الدوري التي تنتمي الى القائمة العراقية، مخاطبة رئيس الوزراء نوري المالكي ليستفيد من هذا العفو طارق الهاشمي وصالح المطلك.. ونسيت ان القدرة على العفو لا يمكن ان يستفيد منها الجميع، قتلة، ومحتالون، وسماسرة موت، وفاسدون، وهي في دعوتها تنسى تصريحاتها التي تعزف على وتر الطائفية وفتنتها الكافرة. عفا الله عما سلف، هل تذكرنا بالعفو في العام 1959 وما جر آليه العراق من مآسي لازلنا ندفع أثمانها اليوم وحتى
هنالك معاني وموارد مختلفة للعفو وليس بالضرورة المقصود منها العفو عن جريمة مثل معنى الدعاء وهذا يتطلب التدبر بالآيات القرآنية حسب ورود كلمة العفو في الآية كما جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: يوجد في القرآن الكريم موارد متفرقة يذكر فيها العفو من غير ذكر سببه وإن كان التدبر فيها يهدي إلى إجمال ما روعي فيها من المصلحة وهي مصلحة الدين كقوله تعالى “وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ” (ال عمران 152)، وقوله تعالى “أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ” (المجادلة 13) وقوله تعالى “لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ” (التوبة 117) وقوله تعالى “وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ” (المائدة 71)، وقوله تعالى “الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ” (المجادلة 3)، وقوله تعالى “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ” (المائدة 95) إلى أن قال”عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقام” (المائدة 95). فهذه موارد متنوعة من العفو الإلهي وقد بينا خصوصية كل منها في الكلام على الآية المشتملة عليه من الكتاب فليراجع. وليس من قبيل ما تقدم قوله تعالى “عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ” (التوبة 43) فإنه دعاء نظير قولنا: غفر الله لك لم فعلت كذا وكذا، ونظيره على الخلاف قوله تعالى “إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ” (المدثر 18-19) وليس من ذاك القبيل أيضا قوله تعالى “إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ” (الفتح 1-2)، ويدل على ذلك جعل المغفرة غاية متفرعة على فتحه تعالى مكة لنبيه ولا رابطة بين مغفرة الذنب بمعنى الإثم وبين الفتح، وسيجيء تمام الكلام في محله إن شاء الله.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ” (المائدة 95) عن مكان ذبح الكفارة، فيبيّن القرآن أنّه يكون بصورة (هدي) يبلغ أرض الكعبة: “هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ”. والمشهور بين فقهائنا هو أنّ (كفارة الصيد أثناء الإحرام للعمرة) يجب أنّ تذبح في (مكّة) و (كفارة الصيد أثناء الإحرام للحج) يجب أن تذبح في (منى)، وهذا لا يتعارض مع الآية المذكورة، لأنّها نزلت في إحرام العمرة، كما قلنا. ثمّ يضيف أنّه ليس ضروريا أنّ تكون الكفارة بصورة أضحية، بل يمكن الاستعاضة عنها بواحد من اثنين آخرين: “أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ” و “أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً”. مع أنّ الآية لا تذكر عدد المساكين الذين يجب إطعامهم، ولا عدد الأيّام التي يجب أنّ تصام، فإن اقتران الاثنين معا من جهة، والتصريح بلزوم الموازنة في الصيام، يدل على أنّ المقصود ليس إطلاق عدد المساكين الذين يجب إطعامهم بحسب رغبتنا، بل المقصود تحديد ذلك بمقدار قيمة الأضحية. أمّا كيف يتمّ التوازن بين الصيام وإطعام المسكين، فيستفاد من بعض الرّوايات أنّ مقابل كلّ (مدّ) من الطعام (ما يعادل نحو 750 غراما من الحنطة وأمثالها) يصوم يوما واحدا، ويستفاد من روايات أخرى أنّه يصوم يوما واحدا في مقابل كلّ (مدّين) من الطعام، وهذا يعود في الواقع إلى أن الذي لا يستطيع صوم رمضان يكفّر عن كل يوم منه بمدّ واحد أو بمدّين اثنين من الطعام للمحتاجين (لمزيد من الاطلاع بهذا الخصوص انظر الكتب الفقهية). أمّا إذا ارتكب محرم صيدا فهل له أن يختار أيّا من هذه الكفارات الثلاث، أو أنّ عليه أن يختار بالترتيب واحدة منها، أي الذبيحة أوّلا، فإن لم يستطع فإطعام المسكين، فإنّ لم يستطع فالصيام، فالفقهاء مختلفون في هذا، ولكن ظاهر الآية يدل على حرية الاختيار. إنّ الهدف من هذه الكفارات هو “لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ” (المائدة 95). ثمّ لما لم يكن لأي حكم أثر رجعي يعود إلى الماضي، فيقول: “عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ” (المائدة 95). أمّا من لم يعتن بهذه التحذيرات المتكررة ولم يلتفت إلى أحكام الكفارة وكرر مخالفاته لحكم الصيد وهو محرم فإنّ الله سوف ينتقم منه في الوقت المناسب: “وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ” (المائدة 95). ثمّة نقاش بين المفسّرين عمّا إذا كانت كفارة صيد المحرم تتكرر بتكرره، أو لا، ظاهر الآية يدل على أنّ التكرار يستوجب انتقام الله، فلو استلزم تكرار الكفارة لوجب أنّ لا يكتفي بذكر الانتقام الإلهي، وللزم ذكر تكرار الكفارة صراحة، وهذا ما جاء في الرّوايات التي وصلتنا عن أهل البيت عليهم السلام.