ما هي خطة ترامب  للنظام الاقتصادي   العالمي الجديد؟

هيثم الخزعلي

التعريفات الكمركية التي أطلقها الرئيس ترامب بشكل شامل تقريبا لكل دول العالم، تؤشر لنهاية النظام الاقتصادي  النيوبرالي العالمي وبداية نظام جديد.

وهذا ما أكده وزير الخزانة “سكوت بيسنت” بقوله (ان التعريفات الكمركية بدأت بتوجيه علاقاتنا الدولية) اي انها بداية خطة لتغيير النظام الاقتصادي  العالمي، وقد حدث هذا مرتين سابقا،مع نظامين كلاهما من تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية.

ولفهم النظام الاقتصادي العالمي الجديد، لابد أن نتعرف على اراء الفريق الاقتصادي للرئيس ترامب، وهم يمثلون” التيار القومي الاقتصادي الأمريكي” مثل (سكوت بيسنت) وزير الخزانة  و(ستيفن ميران) كبير المستشارين الاقتصاديبن للرئيس ترامب وأن نمر على النظامين الاقتصاديبن السابقين وهما  :-

الأول – نظام “بريتون وودز” من عام ١٩٤٤ – ١٩٧١، حيث تم ايجاد نظام اقتصادي  وامني نتج عنه انشاء “حلف شمال الأطلسي” وتوقيع اتفاقية حماية مع اليابان،  وربط عملات العالم بالدولار  وتحويل الدولار لعملة احتياط عالمية.

نظام” بريتون وودز” يعني ثلاثة اشياء:-

١- تثبيت العملات الأجنبية  امام عملة الولايات المتحدة المرتبطة بالذهب.

٢- تحصل الدول المشتركة فيه  على الحماية العسكرية الأمريكية وربما استضافة قواعد عسكرية.

٣- تساعد الولايات المتحدة الدول التي تنضم لهذا النظام بتطوير صناعتها والمنافسة مع  الصناعات الأمريكية، ويمكنها فرض رسوم حماية على المنتجات الأمريكية.

وحسب (بيسنت ) تقسم او تضع   الولايات المتحدة دول العالم في  ثلاث دلاء   (الأخضر  والأحمر  والاصفر   )، بحيث يضم ” الدلو الأخضر ” ، الدول التي تحصل على اعفاءات كمركية وحماية أمنية وسهولة الوصول للدولار.

و”الدلو الأصفر ” يضم  الدول المحايدة التي تعقد اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة، و”الدلو الأحمر ” يضم  دول المعسكر الشيوعي وهي خارج النظام.

وكما يقول “ستيفن ميران “(هذا النظام أوقع الولايات المتحدة بما يسمى (معضلة غريفن)) .. وهي اما ان تطبع الولايات المتحدة المزيد من الدولارات لمواكبة النمو الاقتصادي العالمي المتزايد ، او تحافظ على كمية الدولارات المغطاة بالذهب المحدود نسبيا وتسبب قتل النمو  اقتصادي.

وهذا ما تسبب بإعلان الرئيس” نيكسون” عام ١٩٧١ نهاية هذا النظام وعدم تحويل الدولار للذهب.

والنظام الثاني – “النظام الاقتصادي النيوليبرالي” العالمي، نشأ مع بداية الثمانينات عندما اتفق “ريغان” و”تاتشر.”

وطبقا للنظام (النيوليبرالي )  أصبحت الدول في “الدلو الأخضر” أوسع ولها الوصول للسوق الاستهلاكي الضخم للولايات المتحدة والوصول لنظام الدولار الأمريكي، بالمقابل تقوم الولايات المتحدة بحماية طرق الشحن  العالمي.

النظام الثاني النيولبرالي يتضمن:-

١- خفض التعريفات الكمركية لأكبر حد.

٢- رفع الحواجز امام الاستثمارات في جميع أنحاء العالم.

٣- اسعار صرف مرنة.

٤- تضمن الولايات المتحدة الأمن للجميع.

وهذا انتج أيضا عدم قدرة الدولار على تغطية التجارة العالمية الواسعة، ولكن مرونة العملات امام الدولار جعلته أقوى بكثير وجعل الامريكان أغنى من كل دول العالم، وجعل التصنيع داخل الولايات المتحدة مكلف اكثر.

مما أدى لظهور ظاهرة (هروب المصانع) وتوطين الصناعات خارج الولايات المتحدة خصوصا في الصين.

وهذا أدى لزيادة “المد القومي الاقتصادي الأمريكي”   وانتخاب مدن  “القلب الصناعي الأمريكي”   للرئيس دونالد ترامب عام ٢٠١٦.، وهنا انتهى النظام (النيو ليبرالي العالمي ) حيث انتهت فكرة التجارة الحرة وبدأ ترامب فرض رسوم كمركية على الصين.

وهذا ينقلنا الى خطة (MAGA) لنظام عالمي جديد،”MAGA” هنا اختصار لعبارة “Make America Great Again

والتي نادى بها التيار القومي الاقتصادي الأمريكي.

ما هي خطة(MAGA) لنظام اقتصادي  عالمي جديد؟ وهل هي واقعية؟ ام مجرد حلم رجل مجنون .

والتي تهدف  لتعديل الميزان التجاري  عبر إعادة التصنيع للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يريده الرئيس( ترامب) لسببين :-

١- تقلص القطاع الصناعي أدى لتدمير القلب الصناعي للولايات المتحدة – المناطق الشمالية الشرقية والوسطى من الولايات المتحدة الأمريكية – والذي صوت معظمه ل”ترامب” في الانتخابات الأخيرة  ، هذه الولايات تُعرف اليوم باسم “حزام الصدأ” (Rust Belt)، ويُطلق عليها هذا الاسم بسبب التدهور الصناعي الذي أصابها بدءًا من أواخر القرن العشرين، حيث تراجعت الصناعة وظهرت البطالة والركود الاقتصادي.

٢- ان الولايات المتحدة أصبحت متأخرة عن الكثير من الدول صناعيا، مثل الصين، مع تزايد التوتر معها خصوصا بموضوع” تايون” ، والتجربة التاريخية اثبتت أهمية المصانع المدنية في عملية العسكرة السريعة، حيث أشار وزير الدفاع الأمريكي (جي دي فانس ) لذلك بقوله (ان إحدى الشركات الصينية بنت في السنوات القليلة الماضية  محموعة من السفن التجارية  اكثر مما بنته الولايات المتحدة

منذ الحرب العالمية الثانية ).

وحسب رؤية (سكوت بيسنت) وزير الخزانة الأمريكية و(ستيفن ميران) كبير المستشارين الاقتصاديبن للرئيس ترامب، والذي أصدر ورقته  البحثية (دليل المستخدم لإعادة هيكلة نظام التجارة العالمي ) حيث طرح تساؤل عن:-

((إمكانية تحقيق  إعادة التصنيع للولايات المتحدة الأمريكية، عبر تخفيض قيمة الدولار، مع الحفاظ على الدولار كعملة احتياط دولي) ).

وهو امر مهم للرئيس “ترامب” حيث يقول  (اذا اردت ان تصبح دولة من دول العالم الثالث، اخسر عملتك كاحتياط عالمي )

ومع آن الهدفين متناقضين ولايمكن الجمع بين (خفض الدولار والاحتفاظ به كعملة احتياط عالمي ) اقتصاديا، الا ان” ميران” يقول ممكن تحقيقهما معا عبر خطة “MAGA” .

خطة”MAGA”  تتكون من ثلاث مراحل :-

١- المرحلة الأولى “فوضى التعريفات الكمركية” التي تفرض على الأصدقاء والاعداء، وتظهر ان الحكومة لا يعنيها انهيار سوق الاسهم او الاداء الاقتصادي الضعيف، وهذه الخطوة هدفها منح نفوذا تفاوضيا للولايات المتحدة الأمريكية .

وهذه الخطوة مؤقته ، والدليل على أن التعريفات مؤقتة،قول”بيسنت” عن التعريفات الكمركية  (اضاف السيد ترامب أداة تفاوضية جديدة ).

وقول ميران (ان إجراءاته الاقتصادية ستطبق بعد أن تحقق التعريفات الكمركية  نفوذا تفاوضيا).

٢- المرحلة الثانية “التعريفات المتبادلة”  حيث  يقول ميران بعد سلسلة من التعريفات المتبادلة تصبح الصين والاتحاد الأوربي اكثر تقبلا لاتفاقيات تخص العملة.

٣- المرحلة الثالثة “عقد اتفاقيات ثنائية” بموجبها تتعهد الدول بربط عملتها بالدولار وان ترفع قيمة عملتها مقابل الدولار كلما ارتفعت  قيمته، وأن تحتفظ به كعملة احتياط، بمقابل الوصول لأكبر سوق استهلاكي مع مزايا أمنية وسهولة الوصول لنظام الدولار الأمريكي.

اي مثل نظام “بريتون وودز” باستثناء الارتباط بالذهب.

ولكن عمليا هذا النظام يجعل الدول تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث صرح “سكوت بيسنت” (ان النظام التجاري العالمي الجديد يتكون من شبكة علاقات اقتصادية وأمنية وعسكري، ولا يمكن لطرف ان ياخذ جانب واحد منها بمعزل عن البعدين الآخرين هذه رؤية  الرئيس ترامب للعلاقات الدولية، وهذا يعني ترتيب هذه العلاقات بما يعزز مصالح الشعب الأمريكي).

وهنا نعود لدلاء “بيسنت “فإن هذا يعني تقسيم الدول في الدلاء الثلاث(الأحمر والاصفر والاخضر ) إلى دلوين  (أخضر واحمر  ) فقط  .

و تحول الدول في هذا النظام (لدولة خضراء واحدة) تحضى بمزايا اقتصادية وحماية عسكرية امريكية وتتنازل عن سيادتها للولايات المتحدة الأمريكية. 

نعتقد ان هذه الخطة ستفشل لعدة اسباب :-

١- هذا يتطلب الكثير من ثقة  الدول الملتحقة  بهذا النظام  بالولايات المتحدة الأمريكية والتي تفتقدها الولايات المتحدة في إدارتها الحالية، خصوصا بعد موقفها من حلفائها في أوربا، ورغبتها الاستحواذ على كندا، وجزيرة غرينلاند.

٢- هذا النظام  مبنى على تصور خاطئ،حيث يقول “ميران “( بأن هذه الدول ليس لديها أسواق بديلة عن السوق الأمريكي)!! ، في حين أن الصين تصدر للولايات المتحدة  ١٤٪ فقط من مجموع صادراتها للعالم.

٣- التعريفات لوحدها لا تكفى لإعادة التصنيع في المدى القريب او المتوسط حتى، لأسباب ذكرناها في مقالنا السابق (التصنيع وليس  التعريفات الكمركية علاج للعجز التجاري الأمريكي).

٤-  أن نجحت المرحلة الأولى والثانية فتحتاج لمدى زمني طويل، يجعل المواطن الأمريكي يعاني من التضخم والفقر والبطالة، وهذا ما لا يستطيع المواطن الأمريكي  تحمله. 

٥- آن افكار الفريق الاقتصادي الأمريكي غير واقعية، مثل ما طرحه “ميران” من فرض رسوم على من يستفيد من (سندات الخزانة ) او الجمع بين (تخفيض قيمة الدولار والحفاظ على مكانته  كعملة احتياط دولية  )

وأعتقد أن هذه النظرية مبنية على” غطرسة القوة.”

ولله القوة جميعا…

هيثم الخزعلي

٩-٤-٢٠٢٥

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *