اسم الكاتب : سليم مطر
بمناسبة الضجيج المفتعل ضد (مسلسل معاوية)، يفرض هذا السؤال نفسه:
ـ كيف يمكننا التفريق بين الزعيم الجيد عن الزعيم السيء، فجميع زعماء تاريخ العالم القديم والحالي، حتى الانبياء والاولياء، قاموا بحروب وقمع عندما قادوا دولا، فلا دولة دون جيش وشرطة ومحاكم وسجون.
على هذا الاساس مثلا، يقوم الحداثيون واليساريون بمعادات تاريخ الاسلام الاول واتهام الخلفاء والصحابا بممارسة الحروب والعنف بينهم والاغتيال. لكن اية نظرة لتواريخ جميع ثورات ودول العالم، تكشف لنا بوضوح كيف انها مليئة بالتصفيات والحروب والصراعات بين الزعماء بعد استلام السلطة:
لننظر الى الثورة الفرنسية(كيف اكلت ابنائها)، ومذابح وتصفيات الثورات الروسية والصينية والخمينية الايرانية.. الخ..
ـ اذن ما هو المقياس المعقول الذي يساعدنا على تمييز الزعيم الجيد عن السيء ؟؟!!
ـ هاكم هذا المقياس الذي نقترحه مع الامثلة الداعمة:
ـ النبي محمد، رغم حروبه وغزواته وعقوباته، الّا انه يستحق التمجيد لانه قدم لنا انجازات تاريخية كبرى: الاسلام والقرآن اساس اللغة العربية، واساس الدولة الاسلامية التي انتجت فيما بعد الحضارة العربية الاسلامية الكبرى.
ـ نابليون بونابورت، حروبه التوسعية العالمية كلفت حوالي 6 ملايين من الضحايا فرنسيين واجانب(ابحث: ضحايا حروب نابليون).. مع هذا فأنه من الزعماء التي تمجدهم فرنسا.. لماذا؟؟!! لانه مع حروبه التي خسر معظمها، قام بانجازات كبرى في مجال الاصلاحات وسن القوانين الايجابية في فرنسا والدول التي احتلها؟
ــ ماوتسي تونغ، زعيم الصين، كان دكتاتوريا وسفاحا، لكنه اسس الصين الجديدة المستمرة حتى الآن.
ـ نفس الامر ينطبق على الخميني واسماعيل الصفوي، فرغم جرائمهما العنفية، الا انهما يستحقان التمجيد من قبل ايران، لان كل منهما قد شيد دولة ايرانية جديدة قوية. اكرر يستحقان التمجيد من قبل ايران، وليس من قبلنا نحن العراقيون ضحايا حروبهما ضد بلادنا..
لكن هنالك زعماء يستحقون النبذ والادانة:
ـ صدام حسين، ليس بسبب دكتاوريته وحروبه، بل لانه لم يقدم اية انجازات ايجابية، بل بالعكس دمّر انجازات نظام البكر، و سبّب الخراب للعراق، وبلغ ذورة طيشه ورعونته في تسليم العراق الى المحتلين الامريكان والايرانيين..
ـ هتلر، نفس الحال: يستحق النبذ لانه قد دمّر اوربا وسلّم المانيا خرابا للمحتلين.
الخليفة معاوية وانجازاته العظمى
كل هذا يساعدنا على تقييم زعماء تاريخنا العربي الاسلامي: ليس على اساس حروبهم وقمعهم، بل على اساس: هل شيدوا وانجزوا ورفعوا قيمة شعوبهم.. ام خربوا وانهزموا وورطوا شعوبهم في كوارث؟
لنطبق هذا المقياس على (معاوية بن ابي سفيان):
1ـ انه قد اسس اول واكبر واعظم امبراطورية عربية اسلامية(الامبراطورية الاموية)، وجعلها دولة بأدارة حديثة متقدمة بمقاييس ذلك العصر.
2ـ انه جعل الاسلام دين هذه الامبراطورية التي قامت بنشر هذا الدين الجديد من حدود الصين حتى حدود فرنسا!
3ـ ان هذه الامبراطورية التي شيدها معاوية، هي التي جعلت اللغة العربية لغة الدولة والادارات والجيوش، وبالتالي تحولها الى لغة الحضارة العربية الاسلامية طيلة اكثر من خمسة قرون.
4ـ انه شيد اول اسطول عربي اسلامي لمواجهة تهديدات الروم البيزنط.
5ـ انه كسب ودّ الغالبية المسيحية في ذلك الوقت، من خلال زواجه بسورية مسيحية(سمّية ام الخليفة يزيد) وتقريبه شعراء عرب مسيحيين.
6ـ بالاضافة الى ان تاريخه الاسلامي الاول كان ايجابيا، إذ كان احد كتبة الرسول الكريم، وشاركه في معارك: حنين والطائف وتبوك. ثم قاتل المرتدين اثناء حروب الردة. ثم شارك في فتح الشام وبيت المقدس. وان (ام حبيبة) زوجة الرسول، كانت اخت معاوية.
7ـ وباعتراف جميع المؤرخين، انه كان زعيما حكيما ذكيا يتقن فن السياسة والدبلوماسية. وتشهد له مقولته الشهيرة: (لو كان بيني وبين الناس شعرةً، ما انقطعت. فإذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها).
نعم ان الخليفة معاوية، اهم شخصية تاريخية فاعلة ومؤسسة في تاريخنا العربي الاسلامي، بعد النبي محمد، ومن الخطيئة والجريمة علميا ودينيا اهماله ولعنه..
تعصب الشيعة ضد (الخليفة معاوية) مقارنة بـ (الخليفة علي)؟!
ان حجة الشيعة واساس تكوينهم المذهبي قائم على (ثقافة البكاء على ضحايا العلويين وانصارهم) و(الحقد) على الخلفاء الاوائل ثم على الامويين والعباسيين.
لكن (حجة الشيعة) هذه تفقد شرعيتها امام اية نظرة ضميرية حيادية الى التاريخ إذ تكشف لنا الحقيقة التالية:
ـ نعم صحيح ان (الخليفة علي) كان تقيا زاهدا ومحاربا شجاعا، لكن ايضا ان التاريخ بين ان كان (رجل سياسة ودولة فاشل) إذ اسس دولة في العراق(الكوفة) لم تدم ثلاث سنوات، خاض من اجلها اشرس الحروب ضد مسلمين وليس كفرة، كلف الآلاف المؤلفة:
1ـ معركة النهروان، ضد المسلمين الخوارج، والتي كلفت الآف عديدة من الخوارج المسلمين العراقيين: علما ان الخوراج كانوا من انصار علي، وجريمتهم انهم رفضوا ان يقبل (الخليفة علي) مبدا التحكيم من جماعة معاوية، وقالوا بشعار:«لا حكـــم إلا لله»
2ـ معركة صفين، ضد جيش معاوية التي كلفت اكثر من 70 الف
3ـ معركة الجمل، ضد جيش(عائشة) زوجة النبي!!
وهنا بالذات تكمن(عظمة الخليفة معاوية)، انه بدهائه (نجح) بتأسيس اول واعظم امبراطورية نشرت الاسلام والعربية بين آسيا وافريقيا واوربا.
مشكلة تزييف تاريخ الامويين
يضاف الى هذا هنالك حقيقة معتم عليها:
ان تاريخ معاوية والامويين، لم يكتب ابدا في عصرهم، بل كتبه العراقيون في اول العصر العباسي باشراف (التحالف الهاشمي: العباسي العلوي) للانتقام من الامويين وتدمير سمعتهم، لأن التدوين بدأ في هذا العصر في العراق.(ابحث عن: عصر التدوين). كلنا نعرف ان كتب التأسيس والتاريخ وغيرها، قد كتبت في العراق في العصر العباسي، مثل: سيرة النبي، لابن هشام، وصحيح البخاري، ونهج البلاغة، وتاريخ الخلفاء الاوائل والامويين.. الخ.
اساس التشيع ليس ديني اسلامي، بل سياسي عراقي!
ان هذا الموقف المتعصب والحقود للشيعة ضد 90% من زعماء وخلفاء المسلمين، يتحجج بحكايات خرافية عن (كسر ضلع فاطمة من قبل عمر) و(احقية علي بالخلافة) وغيرها من الاوهام المذهبية التي صنعها العراقيون. ان التشيع قبل تحوله الى مذهب بعد اكثر من قرن، بدأ اولا في الكوفة بعد مقتل (الخليفة علي)، كتيار سياسي متمرد ضد (السيطرة الاموية: الشامية المصرية).
لان (الخليفة علي) اول من اختار العراق مركزا للدولة الاسلامية الجديدة:(العاصمة الكوفة: وريثة بابل)، ومنح العراقيين الامل باعادة امجاد دولتهم وحضارتهم النهرينية التي غابت لألف عام.
بل ان (علي) اعلن اصله العراقي:
(قال نحنُ معاشِرَ قُرَيش حَيٌّ من النَّبَط، مِن أَهل كُوثى، والنَّبَطُ من أَهل العِراق.))(ابحث عن هذا القول)
لكن رغم ذلك فأن( الخليفةعلي) بعد ثلاث سنوات من الحكم، فشل ومات قتيلا..
نعم ان (علي) كان رجلا شجاعا وحكيما وطاهرا، لكنه رجل دولة فاشل..
وهنا بالذات يكمن سوء فهم الشيعة و(تعصبهم العذري) لصالح (علي) وضد (معاوية والامويين)..
ان اهل العراق، ومعهم خصوصا اهل الحجاز وبعض ايران وتركستان:(خراسان)، بقيادة (التحالف الهاشمي: العباسي العلوي) نجحوا بعد حوالي قرن من التمردات الفاشلة بأسقاط الامويين وبناء الخلافة العباسية وجعل (بغداد: بين بابل وآشور) عاصمتها.
نعم الامويون صنعوا دولة ونشروا الاسلام والعربية، ولكن العباسيون انجزوا المرحلة الثانية: صنعوا الحضارة العربية الاسلامية في معاقلها العراقية خصوصا: بغداد والكوفة والبصرة والموصل. طبعا مع اسهام جميع الشعوب الاسلامية من حدود الصين حتى الاندلس.
إذن يتوجب انصاف الامويين والاعتراف بدورهم العظيم التأسيسي السياسي والديني واللغوي.. ثم انصاف العباسيين لدورهم في صنع الحضارة..
ولكن ايضا ايضا مع نقد جميع الاطراف والكشف عن اخطائها وتعصباتها..
هكذا تاريخ الاوطان والبشرية جمعاء، خليط من الخير والشر
اخيرا يتوجب القول: ان هذا الشحن الطائفي الشيعي المتصاعد في السنوات الاخيرة، مدفوع من قبل مرتزقة ايران التي تحرص على دوام السيطرة على شيعة العراق والعرب، من خلال اضعافهم وعزلهم عن اخوتهم المسلمين العرب واشعال الاحقاد الخرافية.