ظلُّ علي : حوار الأرواح عبر متاهة الزمن

رياض سعد

لا أدري متى تَشَبَّثَتْ روحي بِرداء عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِب، ولا أَستطيعُ فَكَّ شِفرةِ ذلك التَّماهي الغَامِضِ الذي يَنسجُ خيوطَ وجداني بِغَيْرِ إرادتي… ؛  كَأنَّهُ نَسغٌ يَجري في عُروقي قَبْلَ أَنْ أُولَد، أو ذِكرى مَدفونةٌ تَنْتَشِرُ رائحَتُها كَالنَّدَى عِندَ الفَجْر.

كُلَّما ذُكِرَ اسمُهُ تَتَحَوَّلُ الكَلِماتُ إلى أناشيدَ تَرفَعُ الرُّؤوسَ كَأَعْلامٍ في مَوكبِ النُّور، وتَستقيمُ الأَنْفُسُ كَأَشجارٍ تَعْتادُ نَسيمَ الرَّبيع… ؛  حتَّى الهُمومُ إِذَا حَاصَرَتْنِي كَذِئابٍ جائعةٍ، أَجِدُني أَصْرُخُ: “يَا عَلِيُّ أَدْرِكْنِي!”

كَمَنْ يُلقي بِنَفْسِهِ في بَحْرٍ لِكَيْ يَعومَ! 

أَهُوَ قُرْبُهُ مِني أَكْثَرُ مِن قُرْبِ نَفْسي؟

أَمْ أَنَّهُ مِرآةُ الخَيرِ الأَزَلِي، وَسِجِلُّ الشَّرَفِ المَنْقُوشِ بِدَمِ الشُّهَداء؟

 أَمْ لِأَنَّهُ جِذْرُ الرَّافِدَينِ وكبش العراق الَّذي يَمُدُّ ظِلَّهُ عَلى كُلِّ مَنْ يَسيرُ فيه بِلا ظِلّ؟

لَسْتُ أَدري… ؛ غَيْرَ أَنَّهُ مَا إِنْ تَظهرُ أَسْماءُ أَعدائِهِ واتباعهم  حَتَّى تَنْكشِفُ حَقيقتُهم : كَوابيسُ تَتَسَرْبَلُ بِأَرديةِ التَّاريخ الدموي البشع ، تَحملُ في أَكُفِّها صَفَحاتٍ مَسْروقةً مِنْ كِتابِ الجَبابرة والطغاة ؛ فَكُلَّما ازْدَادَتْ قَذارَتُهُم وحقارتهم وقسوتهم و وحشيتهم وغطرستهم ، اكْتَسَبَ عَلِيٌّ بُرجاً مِنْ نُورٍ يَخترِقُ سُحُبَ الزَّمَن .   

رُبَّما لِهَذا تَخَيّلتُ نَفْسي ذاتَ لَيلَةٍ أَمشي خَلفَهُ في براري صفين ، أَحْمِلُ رايةَ قَومي وَأَنا أَرْمي بِسِهامي كُلَّ مَنْ يَسْطو عَلى الحَقِّ والشرف والصدق … ؛  هَكَذا يَكونُ الاتِّحادُ مَعَهُ: رِحلَةٌ تَذُوبُ فيها المَسافاتُ بَينَ القُلوبِ وَالقِباب… ؛  لَعَلَّ هَذِهِ الرُّؤيا تَسكُنُ جَميعَ مَنِ اغتَرَفوا مِنْ نَهْرِهِ، فَضَحَّوا بِأَنْفُسِهم كَيْ يُنْشِئوا عالَماً يَلُوذُ بِظِلِّ سَيفِهِ وَعِطْفِهِ. 

وَلَعَمري، لَوْ سُئِلتُ: مَا طَعْمُ الحَياةِ دُونَ عَلِيّ؟

 لَأَجَبْتُ: كَماءٍ بلا عَطَش، أو وَطَنٍ بلا أَرض… ؛  فَمِنْهُ ابتدأنا ، وَإِلَيهِ نَعودُ… ؛  سِرُّهُ مِثلُ نَجمَةٍ تَهْتدي بِها القُلوبُ المُظلِمةُ، تَائهةً في لَيالي التَّاريخِ الطَّويلة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *