نزار حيدر
نـــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر لمنصَّةِ [Iraqiaindependent]؛المُفاوضاتُ سياسيَّةٌ وليست عقديَّةً! والسِّياسةُ مُتغيِّر!
القِيادةُ الإِيرانيَّةُ تسعى لتجنُّبِ تجرُّعِ السُّمِّ مرَّةً أُخرى!
س/ ما الذي تعنيه المُفاوضات غَير المُباشِرة؟!.
ج/ لقد تناقضَت تصريحات كِلا الطَّرفين الأَميركي والإِيراني في توصيفِ ما جرى بينهُما في مسقط، إِلَّا أَنَّ المُؤَكَّد هو أَنَّ الوفدَينِ إِلتقيا وجهاً لوجهٍ كما ذكرَ ذلكَ رئيس الوفد الإِيراني المُفاوض.
وحسبَ معلوماتي فإِنَّ الذي جرى في مسقط لم تكُن مُفاوضات بالمعنى المُتعارف عليهِ وإِنَّما هو طلبٌ يخصُّ الملف النَّووي نقلهُ المُفاوض الأَميركي إِلى المُفاوض الإِيراني من على لسانِ الرَّئيس ترامب، فيما وعدَ المُفاوض الإِيراني بنَقلِ الطَّلبِ بأَمانةٍ إِلى طهران والعَودةِ بالجوابِ!.
س/ ما الذي يحملهُ المُفاوض الإِيراني في جعبتهِ؟!.
ج/ أَمران مُهمَّان وإِستراتيجيَّان؛
*كُلُّ ما من شأنهِ أَن يحفظَ نظام الجمهوريَّة الإِسلاميَّة من الزَّوالِ أَو الضَّررِ الكبيرِ ويحميهِ من نِهاياتهِ.
*تجنُّب الحرب وعدَم منحِ [تل أَبيب] فُرصةَ شنِّ هجُومٍ عسكريٍّ عليها.
وبقيَّةُ الأَشياءِ تفاصيلٌ.
فعلى الرَّغمِ من تشدُّدِ المُرشدِ الأَعلى ورفضهِ لأَيَّةِ مُفاوضاتٍ والتي وصفها بثلاثةِ أَقسى عباراتٍ هي [غَير ذكيَّة وليست حكيمة وتمسُّ الشَّرف] إِلَّا أَنَّ إِجتماعَ رئيسَي المُؤَسَّستَينِ القضائيَّة والتَّشريعيَّةِ معهُ أَقنعاهُ بوجُوبِ القَبُولِ بالمُفاوضاتِ لأَن ثمَن التمنُّع تعرُّض البلاد لضرباتٍ عسكريَّةٍ تضَع البِلاد على حافَّةِ الإِنهيارِ.
وتأسيساً على هذَينِ الثَّابتَينِ فإِنَّ طهران وشخص المُرشد الأَعلى منحَ المُفاوض الحريَّة الكامِلة للمُناورةِ حتَّى إِذا جاءت على حسابِ بعضِ الثَّوابتِ والشِّعاراتِ المعهُودةِ.
القيادةُ الإِيرانيَّةُ تُريدُ أَن تتجنَّب تجرُّع السُّم مرَّةً أُخرى خاصَّةً بعد الإِنهيارات المُروِّعة التي أَصابت [السَّاحات] التي تخندقت فيها طهران والتي استثمرَت فيها أَموالاً ودِماءً من دونِ نتيجةٍ ملمُوسةٍ تُذكر!.
س/ ما مدى مَسافة التَّقارُب بينَ الطَّرفَين؟!.
ج/ الأُمورُ صعبةٌ والقضايا المطرُوحةُ مُعقَّدةً جدّاً ولقد قرأنا ذلكَ في تصريحاتِ الرَّئيس ترامب ومن بعدِها في تصريحاتِ المُرشدِ الإِيراني الأَعلى الذي لم يُخفِ شكوكهُ من عدمِ التوصُّلِ إِلى إِتِّفاقٍ بالمُفاوضاتِ.
س/ ما التَّنازُلات التي سيقدِّمها الجانب الإِيراني؟!.
ج/ في المُفاوضات، أَيَّة مُفاوضات في هذا العالَم، فإِنَّ الذي يُجبَرُ عليها ويضطرُّ للجلوسِ على الطَّاولة تحتَ التَّهديد والوعيد يكونُ عادةً مُتأَخِّرٌ ومُتخلِّفٌ خُطوةً عن خصمهِ.
هذهِ المُعادلة حاضرةٌ الآن في أَيِّ حِوارٍ بينَ واشنطن وطهران، وهذا ليسَ سرّاً يخفى على أَحدٍ على الرَّغمِ من كلِّ الأَكاذيب والتَّلفيقات و [التَّسريبات] التي يشيعُها وينشرُها البعض والتي تندرِجُ في إِطارِ صناعةِ الحربِ النفسيَّةِ لحمايةِ المعنويَّاتِ من الإِنهيار.
لهذا السبَّب فإِنَّ طهران مُستعدَّةٌ لتقديمِ تنازُلاتٍ [مُؤلمةٍ] أَكثر ممَّا قدَّمتهُ في المرَّةِ السَّابقةِ [٢٠١٥] عندما وافقت مَثلاً على نقلِ المواد المُشعَّة إِلى خارجِ أَراضيها والقَبول بنصبِ كاميرات المُراقبة الدَّوليَّة في أَكثرِ المواقعِ النوويَّة حساسيَّةً والقَبُول بالزِّياراتِ الفنيَّةِ الدَّوليَّةِ المُفاجِئة ومن دُونِ سابقِ إِنذارٍ وما إِلى ذلكَ.
والسَّببُ هو ضَعف المُفاوض الإِيراني اليَوم عمَّا كانَ عليهِ في المرَّةِ الماضيةِ، في مُقابل شدَّة المُفاوض الأَميركي هذهِ المرَّة عمَّا كان عليهِ في المرَّةِ السَّابقةِ فضلاً عن خسارةِ طهرانِ لأَوراقِها التَّفاوضيَّة التي كانت تمتلكها في المرَّةِ الماضِيةِ بسببِ خسارتِها [السَّاحات].
س/ وما هيَ الضَّمانات التي سيقدِّمها الجانب الأَميركي؟!.
ج/ هوَ غَيرُ مَوثوقٍ بهِ، فتجرِبةُ طهران مع الرَّئيس ترامب واضِحةٌ ومعروفةٌ لسنا بحاجةٍ إِلى أَن نُجادلَ فيها، ولذلكَ فأَنا أَتصوَّر أَنَّ طهران ستبحث عن ضماناتٍ مُتعدِّدةِ الأَوجُهِ إِذا ما تمَّ التوصُّل إِلى إِتِّفاقاتٍ من نوعٍ ما كأَن تطلُب من مجلس الأَمن الدَّولي وهيئة الأُمم المُتَّحدة ضَمان التَّنفيذ بقرارٍ دَوليٍّ أَو الطَّلب من الإِدارة الأَميركيَّة مُصادقة الكونغرس على الإِتِّفاقِ وما أَشبهَ من مثلِ هذهِ الضَّمانات.
س/ وإِلى أَينَ ستؤُولُ مقولة [أَميركا شرٌّ مُطلقٌ]؟!.
ج/ مُفاوضات الجمهوريَّة الإِسلاميَّة في إِيران مع الشَّيطان الأَكبر والشرِّ المُطلق، الوِلايات المتَّحدة الأَميركيَّة، كما يسمُّونها، هي مُفاوضاتٌ سياسيَّةٌ وليست دينيَّةً أَو عقديَّةً، والسِّياسةُ التي يعرِّفُونها بأَنَّها فنُّ المُمكنِ وفنُّ حِماية المصالِح، مُتغيِّرة ومساحة المرُونة فيها واسِعةٌ جدّاً، والذَّرائعُ والتَّبريرات [الدينيَّة] و [التَّاريخيَّة] موجُودةٌ وكثيرةٌ لا تغيبُ عن صاحبِ القرارِ.
هذهِ المُفاوضات لا تُدخلها في دينٍ ولا تُخرجها من دينٍ!.
طهران لا تريدُ أَن تتجرَّع السُّم مرَّةً أُخرى، كما أَنَّها لا تريدُ أَن تُكرِّر تجربة العراق في عهدِ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين، أَو حتَّى تجارِب [السَّاحات] من حولِها، وهي تعرِفُ أَنَّ [سلاحَها] للرَّدعِ وليسَ للحربِ، وأَنَّ تجرِبة العامَينِ الماضِيَينِ دليلٌ! فهي تمتلكُ قوَّة ردعٍ كبيرةٍ إِلَّا أَنَّها لا ترى في الحربِ أَسلم الطُّرقِ لحمايةِ نظامِها ومصالحِها أَبداً.
وهي ليست المرَّة الأُولى التي تصل فيها طهران لمثلِ هذهِ النَّتائجِ، ففي الحربِ العراقيَّةِ الإِيرانيَّة التي وصفها مُؤَسِّس الجُمهوريَّة الإِسلاميَّة بأَنَّها [حربُ الإِسلام ضدَّ الكُفر] مستشهِداً بالآية القُرآنيَّةِ الكريمةِ {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} وصلت إِلى نفسِ النَّتيجةِ ولكن بعدَ فَوات الأَوان عندما وصفَ قبُولهِ بوقفِ الحربِ بمثابةِ تجرُّعِ السمِّ من أَجلِ هدفٍ أَسمى [حِماية النِّظام].
في عام ١٩٨٧ عندما حصلَت مجزرة مكَّة ضدَّ الحُجَّاج الإِيرانيِّين قالَ قائِد الثَّورة ومُؤَسِّس الجُمهوريَّة [إِذا عفَونا عن الطَّاغيةِ صدَّام في يومٍ من الأَيَّام فلن نعفُوا عن (آل سَعود) أَبداً] إِلَّا أَنَّ طهران غضَّت النَّظر عن ذلكَ بعد [٣] سنوات فقط عندما زار الرَّئيس الإِيراني وقتها هاشمي رفسنجاني المملكَة العربيَّة السعوديَّة [وَصفها بالتاريخيَّة] والتي تمَّ خلالها التَّوقيع ولأَوَّل مرَّة على إِتفاقيَّة الدِّفاع المُشترك بين البلدَينِ.
إِنَّها السِّياسةُ إِذن والمصالح العُليا للبلدِ، لا مجالَ فيها للعواطفِ أَو المبادئِ والعقائدِ، وهذهِ تجارب البشريَّة بكُلِّ خلفيَّاتِها أَمامَنا! فالأَولويَّةُ للبراغماتيَّةِ وليسَ لـ [الدِّينِ] و [العقيدةِ]!.
٢٠٢٥/٤/١٤