الكاتب : .ا. غالب الحبكي
—————————————
مأساة طفل وحذاء ممزق وسط الحرمان والكرامة.
في زوايا الحياة المتواضعة، حيث تنبض القلوب الصغيرة بالأمل رغم المعانات، و قسوة الواقع، تتكشف لنا قصص تحمل بين طياتها معاني إنسانية عميقة.
قصتنا اليوم، والتي بين أيدينا ليست مجرد سرد لأحداث عابرة، بل هي الشاهد والشهادة على معاناة الطفل الصغير ، والذي وجد نفسه في صراع بين الفقر المدعق والكرامة، بين الحاجة والصمت المؤلم ، وبين الطموح والعجز عن تحقيق أبسط الأساسيات في هذا الزمان .
يبدأ المشهد بمناجاة الطفل لوالده الغائب، متسائلًا عن سبب تغيبه الطويل، في تعبير صادق عن إدراكه المبكر لحجم المسؤوليات التي أثقلت كاهل إسرته، لم يكن الطفل مجرد متلقٍّ للعطاء، بل كان واعياً بمستقبل محفوف بالتحديات التي يتحطم على صخرتها الحلم.
وفي لحظة من لحظات البوح المؤلم، كشف عن حذائه المهترئ، ذلك الحذاء الذي أصبح صورة مصغرة عن واقع أشد قسوة، يروي قصته دون أن ينطق، بجلد ممزق ونعال بالكاد يقاوم خطواته الطفولية.
لكن اللافت في هذه الحكاية لم يكن الحرمان ذاته، بل ردة فعل الطفل تجاهه. فهو لم يطلب حذاءٍ جديداً ، بل كان حلمه أقل بكثير من ذلك كمية من الصمغ تكفي لإصلاحه، كي يتفادى سخرية أقرانه ويستعيد شيأً من كرامته المهددة. في طلبه ذلك، رسم الطفل صورة لمعاناة صامتة تعجز عن الجهر بتلك بالمطالب، لكنها تشع بالألم والإصرار على التمسك بالبقاء، ولو من خلال وسيلة بدائية كالصمغ.
إنها صورة تختزل مفاهيم العدالة الاجتماعية والتحديات الاقتصادية في أبسط أشكالها، صورةٌ تجعلنا نتساءل؟….. هل أصبح امتلاك حذاءٍ لائقٍ حلماً….. بعيد المنال لبعض الأطفال الفقراء..؟
ليست هذه القصة مجرد سرد مؤثر لكسب العواطف ، بل هي صرخة بوجه زمن البؤس، والتي يجب أن تُسمع، ورسالة لا ينبغي أن تمر كغيرها من المشاهد العابرة…. إنها دعوة للمجتمع كي يلتفت الى هؤلاء الصغار الذين يختبئون خلف الجدران، لا يطالبون بالكثير من المتطلبات الدعم الحقيقي لذهابهم الى المدارس ، ولا يشكون إلا لمَن يثقون بإنسانيته. علينا أن ندرك أن الحل لا يكمن فقط في تقديم المساعدة المؤقتة، بل في بناء منظومة العدالة، والتي تضمن لكل طفل حقه في العيش بكرامة، دون أن يضطر ليطلب القليل ليحلم بالكثير منه.
رسالة هذا التلميذ الصغير وشكواه لوطن بأكمل… نعم…. إنها ليست مجرد قصة طفل وحذاء ممزق، إنها قصة وطن يعاني بصمت البوح، وصورة تظل اليوم محفورة في الذاكرة، تسائل الضمائر وتحثها على إعادة التفكير، فهل سنقف عند حدود التأثر….؟
أم ستكون هذه الكلمات بداية لحراكٍ يُعيد للأطفال شيأً من حقوقهم المنسية والتي سرقها الفساد..؟