248fd315-4c2e-4d2c-9ab4-159777e30fe5

صباح البغدادي

حسب قرائتنا للأنفجار الذي وقع عصر يوم السبت 26 نيسان 2025 في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس وفي تطور جديد يكشف عن القدرات التكنولوجية المذهلة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” وعن نجاح في اختراق شبكات الإنترنت والكمبيوترات التي تتحكم بعمليات شحن النفط في ميناء الشهيد رجائي، أحد أهم الموانئ الإيرانية على الخليج العربي . هذا الاختراق، الذي نصفه بأنه “عملية دقيقة ومعقدة”، تزامن مع انفجار مدوٍّ هزّ جزءًا من رصيف الميناء، مما أثار موجة من التساؤلات حول الأبعاد الحقيقية لهذا الحادث وتداعياته على الأمن القومي الإيراني.
تفاصيل العملية: ضربة إلكترونية في قلب النظام
ان استهدف الموساد أنظمة الحوسبة التي تدير عمليات الشحن والتفريغ في ميناء الشهيد رجائي، مما تسبب في خلل كبير في سلسلة التوريد النفطية. الحادث، الذي وقع في وقت مبكر من عصرا يوم غامض، أدى إلى انفجار محدود في منطقة الرصيف، حيث تضررت بعض البنية التحتية مع حدوث خسائر بشرية . وأن العملية الإلكترونية شملت زرع برمجيات خبيثة أعاقت التحكم الآلي في المعدات، مما مهد الطريق للانفجار كجزء من استراتيجية “الفوضى المنظمة” التي يتقنها الموساد.
ونحن نعتقد ومن خلال طبيعة مثل هذه الانفجارات الغامضة فانها تحدث إلى “تدخل خارجي” كسبب محتمل، وأن العملية تحمل بصمات الموساد، وإلى أنها تأتي كرد فعل على محاولات إيرانية سابقة لاختراق أنظمة إسرائيلية حساسة، بما في ذلك شبكات توزيع المياه.

سوابق الموساد: تاريخ من العمليات الجريئة
ليس هذا الاختراق الأول الذي يُنسب إلى الموساد داخل العمق الإيراني. على مدى العقود الماضية، نفذ الجهاز سلسلة من العمليات الاستخباراتية التي أذهلت العالم بجرأتها ودقتها. من أبرز هذه العمليات ومنها على سبيل المثال :

*هجوم ستكسنت (2010): تعاون الموساد مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لتطوير فيروس “ستكسنت”، الذي استهدف منشآت نووية إيرانية في نطنز. الفيروس تسبب في تدمير مئات أجهزة الطرد المركزي، مما أخر برنامج إيران النووي لسنوات.

*اغتيال علماء نوويين (2010-2020): يُعتقد أن الموساد نفذ عمليات اغتيال استهدفت علماء نوويين إيرانيين بارزين، بما في ذلك محسن فخري زاده، الذي قُتل عام 2020 باستخدام سلاح آلي يعمل عن بُعد، في عملية وُصفت بأنها “مستقبلية”.

*هجوم على ميناء الشهيد رجائي (2020): سبق للموساد أن استهدف الميناء نفسه في مايو 2020، حيث أدى هجوم إلكتروني إلى تعطيل أنظمة الكمبيوتر، مما تسبب في فوضى لوجستية استمرت أيامًا. العملية جاءت رداً على محاولة إيرانية لاختراق أنظمة إمدادات المياه الإسرائيلية.

*هجوم خطوط الغاز (2024): في فبراير 2024، نفذ الموساد، بحسب تقارير غربية، هجمات سرية على خطوط أنابيب الغاز الإيرانية، مما تسبب في اضطرابات واسعة في عدة محافظات.

هذه العمليات تُظهر قدرة الموساد على اختراق الأنظمة الأمنية الإيرانية المحصنة، سواء عبر التكنولوجيا السيبرانية أو العمليات الميدانية، مما يجعله خصمًا مخيفًا في الحرب الخفية بين تل أبيب وطهران.

يثير هذا الحادث تساؤلات حول الرد الإيراني المحتمل. في السابق، اختارت طهران الرد عبر وكلائها في المنطقة أو عبر هجمات إلكترونية مضادة، كما حدث في هجمات على مواقع إسرائيلية حكومية عام 2022. لكن الطبيعة الحساسة لميناء الشهيد رجائي، الذي يُعد شريانًا اقتصاديًا حيويًا، قد تدفع إيران إلى اتخاذ موقف أكثر حدة.

من جانبها، لم تعلق إسرائيل رسميًا على الحادث، وهو نهج تقليدي لها في مثل هذه العمليات. لكن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أشار فيها إلى “مهمة كبيرة” ضد إيران، تُلمح إلى أن هذه العملية قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع.

حرب الظل تشتعل وبالاخص المفاوضات الايرانية الامريكية التي تجري حاليا حول البرنامج النووي الايراني ويُضيف هذا الحادث فصلًا جديدًا إلى الحرب الخفية بين إسرائيل وإيران، حيث تتجاوز المواجهات الحدود التقليدية لتصبح صراعًا تكنولوجيًا معقدًا. الموساد، بقدراته الاستخباراتية والسيبرانية، يثبت مرة أخرى أنه قادر على ضرب أهداف حساسة في قلب إيران.

ومن خلال هذه العملية الاستخباراتية الدقيقة والجريئة، تسعى إسرائيل إلى إيصال رسالة استراتيجية واضحة المعالم، غير قابلة للتأويل أو التجاهل، موجهة بشكل مباشر إلى كل من الولايات المتحدة وإيران، وتمتد لتشمل الأطراف الدولية المشاركة في المفاوضات الماراثونية الجارية حول البرنامج النووي الإيراني، وتطوير الصواريخ البالستية، فضلاً عن دعم طهران لشبكة المليشيات التابعة لها في المنطقة. هذه العملية، التي نفذها الموساد بنجاح مبهر في قلب ميناء الشهيد رجائي، ليست مجرد هجوم سيبراني أو تكتيكي، بل هي إعلان صريح عن مكانة إسرائيل كلاعب مركزي لا يمكن تجاوزه في المعادلة الإقليمية والدولية.
الرسالة الإسرائيلية تحمل أبعادًا متعددة: أولاً، إلى إيران، تؤكد إسرائيل قدرتها على اختراق أكثر الأهداف الإيرانية تحصينًا وحساسية، مُظهرة تفوقها الاستخباراتي والسيبراني في استهداف البنية التحتية الحيوية مثل موانئ النفط، التي تُعد شريانًا اقتصاديًا لطهران. هذه الضربة تُحذر إيران من أن أي تصعيد في برنامجها النووي أو أنشطتها الإقليمية سيُقابل بردود أكثر إيلامًا وتدميرًا. ثانيًا، إلى الولايات المتحدة والقوى الغربية المشاركة في المفاوضات، تُبرز إسرائيل استياءها العميق من أي محاولة لإبرام اتفاق نووي جديد أو تقديم تنازلات لإيران دون إشراك إسرائيل بشكل مباشر أو مراعاة مصالحها الأمنية القومية.
تؤكد إسرائيل من خلال هذه العملية أنها ليست مجرد متفرج على طاولة المفاوضات، بل قوة فاعلة تملك أدوات الضغط والتأثير. الرسالة واضحة: “نحن في قلب الحدث، نرصد كل خطوة، ونملك القدرة على تعطيل أي ترتيبات لا تأخذ أمننا في الحسبان.” العملية تُظهر أن إسرائيل تراقب عن كثب ديناميكيات المحادثات، سواء في فيينا أو في أي قنوات سرية، وأنها لن تتردد في تصعيد استجابتها إذا شعرت بأن هناك اتفاقات تُعقد على حساب أمنها أو تُهدد توازن القوى في المنطقة.
وعلى المستوى الاستراتيجي، تسعى إسرائيل إلى وضع قواعد جديدة للعبة الدبلوماسية والأمنية. من خلال هذا العرض اللافت للقوة الاستخباراتية، تُحذر تل أبيب من مغبة أي صفقات سرية أو تنازلات غير معلنة قد تُمنح لإيران لتسريع التوصل إلى اتفاق نووي. إسرائيل تُشدد على أن أمنها القومي خط أحمر، وأن أي اتفاق يتجاهل مخاوفها بشأن البرنامج النووي الإيراني، أو قدرات الصواريخ البالستية، أو دعم المليشيات مثل حزب الله والحوثيين، سيكون عرضة لردود فعل إسرائيلية حاسمة، قد تشمل عمليات أكثر تدميرًا تستهدف البنية التحتية الإيرانية أو حتى أهدافًا استراتيجية أخرى.

ولكن مع تصاعد وتيرة هذه العمليات، يبقى السؤال: هل ستظل هذه الحرب محصورة في الظل، أم أنها تُمهد لمواجهة شاملة ومفتوحة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *