أطياف اللقاء في مملكة الظل

رياض سعد

في مَسَاءٍ يَمْتَلِكُ مَسْحَةً مِنْ عَالَمٍ مُوازٍ، تَشابَكَتْ خُطُواتُنَا عَلَى طَرِيقٍ لَيْسَ مِنْ خَرِيطَةِ الوطن ولا من دوامة الزمن … ؛  كَانَ الوُجُودُ يَتَقَطَّعُ إِلَى أَلْسِنَةِ نِيُونٍ المضيئة تَتَهَافَتُ فِي الْفَرَاغِ المظلم … ، حَتَّى اصْطَدَمَتْ عَيْنَاكَ بِعَيْنَيَّ كَسِحَابَةٍ مثقلة بالأمطار تَلْتَقِي بارض جدباء … ؛  لَمْ تَكُنِ ابْتِسَامَتُكَ إِلَّا شَفْرَةً  مطلسمة بأسرار الجمال والجلال وبحيوية الشروق وحيرة الغروب … .

 فَتَحَتْ أَبْوَابَ حَدِيثٍ يَنْسَابُ كَالزِّئْبَقِ عَلَى أَوْرَاقٍ مَنْسِيَّةٍ… ؛ و تَهادَيْنَا كَلِمَاتٍ مِثْلَ مُجَرَّاتٍ تَتَصَادَمُ فِي صَمْتِ الْكَوْنِ، كُلُّ حَرْفٍ يُولَدُ مِنْ رَحِمِ الْغُيُوبِ، يَحْمِلُ أَسْمَاءَنَا وَعَنَاوِينَ أَحْلَامِنَا الْمُهَشَّمَةِ.

وسرعان ما دخل اللَّيْلُ الْكَثِيفُ  بَيْنَنَا كَضَيْفٍ غَيْرِ مُرَحَّبٍ به ، فَتَحَوَّلَتْ حِكَايَاتُنَا إِلَى أَشْبَاحٍ تَرْقُصُ عَلَى جَمْرِ الْوَقْتِ… ؛  كُنَّا نُطَارِدُ النَّوْمَ بِأَظَافِرِ شَوْقٍ مُلْتَهِبٍ، كَأَنَّنَا نَخْشَى أَنْ تَأْكُلَ الظُّلُمَاتُ بُصْمَةَ الْلَحْظَةِ… ؛ و كُلُّ نَعْسَةٍ مَطْرُودَةٍ كَانَتْ تُضَاعِفُ أَسْئِلَةَ الْوُجُودِ: هَلْ نَحْنُ أَطْيَافُ أُولَى مَسَّتْهَا نَدَاوَةُ الْحَقِيقَةِ، أَمْ أَنَّنَا مُجَرَّدُ ارْتِدَادَاتِ صَوْتٍ فِي صَحْرَاءِ الْعَبَثِ؟

وَعِنْدَمَا انْشَقَّ الْفَجْرُ بِسِكِّينِهِ الْبَارِدِة ، تَرَاجَعَتْ ظِلَالُنَا إِلَى زَوَايَا الذَّاكِرَةِ… ؛ اذ  لَمْ يَكُنِ افْتِرَاقُنَا إِلَّا وَصْلَةَ انْتِظَارٍ مُمُيت وموجع ، تُرَصِّعُهَا رَسَائِلُ تَتَهَادَى كَنُدُوبٍ عَلَى جِلْدِ وَقْتٍ مَسروق … ؛  لَكِنَّ الْكَلِمَاتِ صَارَتْ تَتَسَاقَطُ كَأَوْرَاقِ خَرِيفٍ، كُلُّ رَدٍّ يَحْمِلُ ذَرِيعَةَ الْبُعْدِ، وَكُلُّ صَمْتٍ يَبْني سُورًا مِنْ زُجَاجٍ… ؛  هَكَذَا انْقَلَبَ النَّعِيمُ إِلَى جَحِيمٍ صَامِتٍ، أَسْكُنُ فِيهِ كَطَفْلٍ يُجَمْجِمُ بِلُغَةِ الْفِرَاقِ، أَتَسَاءَلُ: أَكَانَ الْقُرْبُ وَهْمًا صَنَعَتْهُ أَنْوَارُ اللَّيْلِ، أَمْ أَنَّ الْبُعْدَ كَانَ كامنا فِي جُذُورِ الْلُقْيَا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *