الكاتب : احمد الحاج جود الخير
—————————————
خمس دقائق تصنع الفارق ..(1)
قال تعالى:“وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ”.
بداية هل أنت تاجر..هل أنت رجل صناعة ومال وأعمال..هل أنت مصدِّر ومستورد ..مخلص جمركي ..صاحب محل كبير للبيع بالجملة أو بالمفرد ؟!
إذا كنت كذلك فلا شك بأن هذا المقال يهمك جدا،وهذا لا يعني بأنه مخصص لك تحديدا من دون غيرك لأنه واقعا يهم القراء والسامعين الأحبة عامة، والتجار ورجال المال والأعمال خاصة،وبما أقترح تعليق فقرات منه على جدران غرف التجارة العربية في بغداد والقاهرة ودمشق وعمان والجزائر وتونس والمغرب ودول الخليج كافة ، كما أقترح تعليق موجز منه على مداخل الأسواق التجارية الكبيرة ولاسيما تلك المتخصصة بتجارة ما “تجارة الأقمشة،تجارة الاغذية، تجارة الجلود،الملابس،الأجهزة الكهربائية،العطور،العدد اليدوية،مواد البناء والانشاء، التوابل والأعشاب،الأثاث المكتبية والمنزلية،الالكترونيات الزجاجيات،النحاسيات،الفواكه والخضر..وهلم جرا ” .
والآن هلموا بنا لنبحر سوية بقارب نجاة في رحلة ماتعة لن تأخذ من وقتكم سوى خمس دقائق نطلع خلالها على أبرز مواصفات التاجر المسلم الصدوق ..
ومؤكد بأنك قد أمعنت النظر مليا في الآية الكريمة التي أستهل بها المقال وفيها ما فيها من الوعيد الموجه للمطففين في المكيال، ومثلهم من المخسرين في الميزان ، ونحن نحبك قطعا ولا نريد أن يشملك هذا الوعيد وبأي حال من الأحوال اضافة الى حرصنا على سلامة المواطنين والمتسوقين والمتبضعين وحمايتهم من الغش التجاري والصناعي فضلا على الغش في المكيال والميزان والقاعدة الاصولية تقول ( لا ضرر، ولا ضرار) مع وجوب إزالة الضرر على أن يسبقها التحذير منه ، والتنبيه عليه، ولكن يبقى السؤال الحائر هو”كيف الخلاص من تبعات ذلك ، وماهو السبيل الأمثل للوقاية من غباره ،والتحصن من أدرانه،وأنت تعمل في عالم التجارة الصاخب بما يكتنفه من حسن ورديء، خسيس ونفيس ، صالح وطالح ، فاضل وأفضل، سيء وأسوأ؟ أنا أقول لك :
هل سمعت يوما بقول رسول الله ﷺ الذي لاينطق عن الهوى،إن هو إلا وحي يوحى :“التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”.
وقوله ﷺ في حديث آخر:” إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا ، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ ” .
هل سمعت بقوله ﷺ:” ِإنَّ التُجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ”، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ ؟ قَالَ: بَلَى، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ،وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ “.
فالتجار المسلمون في العصور الزاهرة كانوا يضعون نصب أعينهم كل ما تقدم وفي صدارتها وبعد الآيات القرآنية الكريمة ،الحديث الشريف :“كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ”، وبالتالي فهم ملتزمون بما يمكننا تسميته بـ “وثيقة الشرف التجارية ” أو”العقد والعهد التجاري” حيث لا غش ولا كذب ولا خداع ولا نقض للعهد ،ولا اخلاف للوعد، والنتيجة كانت دخول أمم وشعوب في أصقاع المعمورة الى الاسلام ، زرافات ووحدانا، على خلفية تعامل هذه الشعوب غير المسلمة مع هذا الصنف من التجار المسلمين الأمناء الصادقين، ولله در الدكتور قاسم غنيمات ، الذي ألف لنا كتابا جديرة بالقراءة بعنوان ( دور التجارة والتجار في نشر الإسلام في جنوب شرق آسيا) تطرق بين صفحاته وأسهب بين دفتيه باستعراض دور التجار المسلمين ممن كانت سفنهم المتوجهة الى دول جنوب شرق آسيا مليئة بأنواع البضائع الراقية ، فيما كانت قلوبهم عامرة بمبادئ الإسلام و مشبعة بأخلاقياته، فباعوا بضائعهم بألسنتهم ، ليعرضوا على شعوب تلكم الدول في ذات الوقت الدين الإسلامي بسلوكهم وأخلاقهم .
وكل ما تراهم وتسمع عنهم اليوم من مئات الملايين من المسلمين في دول جنوب شرق آسيا ، وغرب أفريقيا فإن معظم أسلافهم كانوا قد اعتنقوا الإسلام بفضل الله تعالى أولا ، ومن ثم بسبب التجار الصادقين !
عزيزي التاجر، أنا على يقين بأن سؤالا مهما قد تبادر الى ذهنك الآن خلاصته ” ولكن كيف لي أن أعرف ماهي الصفات والمواصفات المثالية للتاجر الأمين الصدوق ؟!” والجواب و ببساطة الآتي :
*التاجر الأمين الصدوق لا يتاجر بالمهلكات والمحرمات “الخمور،المخدرات، الدخان” التي تتسبب بوفاة الملايين سنويا حول العالم ، ولا يتاجر بأسلحة اﻷطفال البلاستيكية الخطيرة التي تصيب أبناءنا بالعمى في اﻷعياد والمناسبات ، كذلك أسلحة الكبار التي تتسبب بمقتل 1000 شخص عشوائيا ، وبواردات تبلغ 3 ملايين دولار سنويا في العراق وحده فما بالك بمجموع الدول العربية ،وكلها تباع في أماكن غير خاضعة للرقابة ناهيك عن إستخدامها في النزاعات الشخصية والدكات والعراضات العشائرية كذلك في الافراح والاتراح والليالي الملاح !
*التاجر الصدوق ﻻ يتاجر بالملابس المرقعة والمزحلقة،وعلى منوالها الخليعة والفاضحة للذكور والاناث على سواء .
*التاجر الصدوق لا يتاجر بالمواد الغذائية والصناعية المغشوشة والتالفة أو منتهية الصلاحية” الاكسباير “.
* التاجر المسلم الصدوق لا يتاجر بعدة وأدوات الوشوم وأحبارها، ولا باﻵت اللهو والقمار والروليت وأدواتها ، ولا برموز ومقدسات وشعارات الديانات الاخرى، ولا بكل ما يلحق ضررا صحيا ،نفسيا ،مجتمعيا ، ماديا، تربويا،أخلاقيا بالبلاد والعباد.
*التاجر الصدوق لا يحتكر ولاسيما في أوقات الفتن والجائحات والغلاء والركود والتضخم والانكماش الاقتصادي لأن النبي ﷺ يقول ( لا يحتكِرُ إلَّا خاطِئٌ) ،وألفت عنايتك الى أن القرآن الكريم قد وصف أقواما سادوا ثم بادوا، بأنهم كانوا قوما خاطئين لعظم ما اقترفته أياديهم ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) وحسبك أن تعلم بأن – الخطيئة – هي عقد للنية وجزم مسبق لفعل الخطأ عمدا لا سهوا ، بخلاف – الخطأ – وهو في الغالب زلل غير مقصود يقع فيه أحدنا بلا تعمد ولا نية مبيتة مسبقة كما يقول العلماء .
*التاجر الصدوق لا يغش في الميزان ، ولايطفف في المكيال ، ولايخلط الرديء بالحسن ، ولا يبيع البضائع المضروبة إلا بعد إخبار المشتري وبيان عيوبها له ، وجماع ذلك كله هو أن التاجر المسلم شخص أمين ، قال تعالى : ” وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ” .
*التاجر الصدوق لا يكثر من الحلف وإن كان صادقا،و لا يحلف كاذبا لتصريف بضاعته اطلاقا ، لماذا ؟ لأن رسول الله ﷺ يقول ” الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب”.
* التاجر الصدوق لا يماطل بدفع ديونه لأن “مطل الغني ظلم” كما ورد في الحديث النبوي الشريف .
* التاجر الصدوق غير صخاب وﻻ عياب وﻻ فاحش وﻻ بذيء في اﻷسواق .
*التاجر الصدوق لا يتعامل بالربا بنوعيه ( ربا الفضل، وربا النسيئة ) .
*التاجر الصدوق لا يدفع الرشا لتمشية أوراقه ومعاملاته، ولا يبيع على بيع أخيه. *التاجر الصدوق ﻻ يتعامل بالنجش (وهو أن يزيد في الثمن لا لرغبة بالشراء وإنما لغرض الخداع والإضرار بالغير ) .
*التاجر الصدوق لا يتعامل ببيع الغرر( وهو البيع المجهول الذي يلحق ضررا بأحد الطرفين ) .
* التاجر الصدوق ﻻ يتعامل ببيع العينة ( وهو بيع سلعة باﻵجل ليشتريها من نفس الشخص بثمن أقل بمعنى هو قرض ربوي بصيغة بيع ) .
*التاجر الصدوق يسلم على كل من يعرف ومن لا يعرف ، يدخل الى السوق بقدمه اليمنى داعيا بدعاء السوق “لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير” .
*التاجر الصدوق نظيف في محله ، أنيق في عرض بضاعته، سهل في تعامله، باسم الوجه،حسن الخلق، غاض لبصره، صادق في حديثه، قال رسول الله ﷺ “رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى” .
*التاجر الصدوق مُخرج لزكاته في مواعيدها إذا ما حال عليها الحول، وبلغت النصاب، ودافع لصدقاته، مؤد لحقوقه، سخي، نقي ، كريم ، تقي ،غير متجاوز على حقوق اﻵخرين ليضيق عليهم في أرصفتهم أو في طرقهم .
*التاجر الصدوق مطلع على أحكام البيوع والمعاملات ، متفقه ولو ببعضها ليتجنب حرامها ويقبل على حلالها، ليوفي بالعقود والوعود ويلتزم بالعهود ، قال تعالى : ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إن الْعَهْدَ كان مَسْئُولاً ﴾ .
والآن دعوني أختم هذه الدقائق المباركة بقصة انتشار الاسلام في اليابان والتي بدأت بتحطم السفينة العثمانية ” آل طغرل ” عام 1890 قبالة الجزر اليابانية بسبب اعصار مفاجئ ليقتل معظم بحارتها ولم ينج منهم الا القليل ، يومها كان هناك صحفي ياباني اسمه ” أوشاتارو نودا” قام بحملة لجمع التبرعات ليذهب بها إلى اسطنبول عام 1891 ويهديها الى أسر ضحايا السفينة الغارقة على سواحل بلاده فألتقى أحد الدعاة المسلمين وتأثر به كثيرا وأسلم على يديه وصار اسمه ” عبد الحليم نودا ” وهو أول مسلم ياباني في العالم أسوة بشخص آخر اسمه ميتسوتارو تاكاوكا، أسلم عن طريق التجارة مع المسلمين ، كذلك كان الحال مع الياباني يامادا الذي أسلم بدوره بعد حملة ثانية للتبرعات فصار اسمه ” خليل يامادا ” ليتبعه ياباني ثالث اسمه اريجا ، والذي صار اسمه بعد اسلامه “احمد اريجا” وهو اول مترجم لمعاني آيات من القرآن الكريم الى اليابانية !!
الى هنا نختم مقالنا على أمل اللقاء بكم مجددا في ” خمس دقائق تصنع الفارق “.في أمان الله